اختيار نظام الحكم في السودان حجر عثرة ثقيل في طريق السلام

اختيار نظام الحكم في السودان حجر عثرة ثقيل في طريق السلام


التكهن بتطورات المشهد السياسي السوداني خلال الفترة المقبلة يزداد صعوبة بالنظر إلى التغيرات الدراماتيكية المتسارعة، التي تطرأ بين الحين والآخر على ملفات مصيرية من شأنها أن تحدد مستقبل البلد ليس أقلها كيفية إرساء نظام حكم يكون فيه جميع الأطراف متفقين على أركانه كون هذه الخطوة تشكل بحسب المراقبين حجر عثرة ثقيلة في طريق إرساء أركان السلام.

الخرطوم – يعتقد مراقبون للشأن السوداني أن البلد سيدخل في دورة جديدة من العمل السياسي بين كافة القوى من أجل تطبيق ما اتفقت عليه لشكل نظام الحكم، لكنها ستواجه في الوقت ذاته عقبات وتحديات أخرى في طريق تثبيت معاهدة السلام الموقعة في جوبا.

ولا تزال الأطراف السياسية تقف أمام مفترق طرق من أجل المضي قدما في تحقيق السلام الشامل على أرض الواقع بين كافة المكونات، فإلى جانب العديد من النقاط المصيرية الأخرى كالاقتصاد ونزع السلاح، يبدو أن إرساء نظام حكم في بلد تتنازعه القوميات سيكون أمرا مثيرا للاهتمام رغم أنه سيقطع مع حقبة نظام عمر البشير.

ويمثل الصراع على السلطة وكيفية تشكيلها واستدامتها، وأيضا النزاع بين القوى السياسية واتهامها لبعضها البعض بوجود محاصصة نقطة مفصلية لرسم الاتجاهات في بناء دولة ديمقراطية قوامها المساواة ولا أحد فوق القانون.

ويرى مراقبون أن السلطات الحالية منقسمة على نفسها سواء في ما يتعلق بمكونات قوى الحرية والتغيير أو داخل الحكومة وأيضا بين جناحي الحكم المدني والعسكري، على الرغم من أن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قد أصدر منتصف الشهر الحالي مرسوما بإنشاء نظام الحكم الإقليمي (الفيدرالي).

ففي الوقت الذي تدعو فيه حركات مسلحة بضرورة دمج أنصار المرحلة السابقة في الحياة السياسية، وعدم إقصائهم حتى تخرج البلاد من كبوتها، يؤكد آخرون على أن هذا لا يمكن تقبله قبل محاسبتهم على ما ارتكبوه في حق الشعب. وفي ضوء ذلك، هناك تخبط وعدم ثقة بين معظم الأطراف سواء من هم في السلطة أو خارجها، ما يجعل مصداقية الدولة واستقرارها عرضة للخطر.

ومن المرجح أن تشكل الخيارات، التي اتُخذت في معالجة أولويات الحكم ووتيرته وتسلسله، الدرجة، التي تتم بها إزالة الفجوات على نحو فعال ولاسيما إذا ما تعلق الأمر بإعادة بناء الاقتصاد وتوزيع الثروة وإصلاح قطاع الأمن وتوحيد الجيش، ففي حالة السودان هناك عدد من المسائل، التي تشكل عملية القطع مع الماضي موضع اعتبار خاص.

وتقول الكاتبة السودانية إشراقة عباس في تحليل نشرته وكالة الأنباء السودانية إنه ربما تنجح اللجنة القومية المزمع إنشاؤها قريبا، ومهمتها بحث قضايا الحكم في البلاد، في الإجابة على السؤال الجوهري، الذي أعيا السودانيين وأضاع عليهم العديد من الفرص في التوافق على نظام حكم يرتضيه جميعهم.

وستشمل اللجنة القومية الجديدة والتي ستكون ضمن أعمال اللجنة المختصة بقيام مؤتمر نظام الحكم الإقليمي في السودان من كل القوى السياسية والشعبية وتكون بمثابة المرجعية الأساسية رغم أن القوى السياسية نفسها المشاركة في السلطة بمكونها المدني والعسكري تتحاشى الإسراع في اتخاذ أي خطوة لأن ذلك يعني إحياء تحدي ضرورة تقاسم السلطة بشكل عادل.

ومن المفترض أن تولى كل من وزارات الحكم الاتحادي ووزارتي العدل والمالية، إلى جانب مفوضية السلام الإعداد للقضايا، التي سيتم بحثها ومناقشتها وإقامة الورش الخاصة بها، فيما تتولى اللجنة الفنية الإعداد لوضع رؤية كاملة لأعمال وترتيبات كافة التصورات من أجل إعداد مؤتمر وطني سيحتضن المناقشات بين كافة القوى السياسية لوضع النقاط الرئيسية لنظام الحكم.

واعتبر بعض المتابعين أن تطبيق نظام الحكم الفيدرالي في السودان، الذي أعلن عنه في الآونة الماضية سيكون سلاحا ذو حدين، فرغم أنه قد يكون الحل لاستيعاب الهامش وإيجاد نوع من التناغم في المسؤوليات الإدارية والقانونية بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، لكن ثمة قلق من أن يؤدي تطبيقه إلى تغذية النزعات الانفصالية.

ولدى عباس ما يبرر هذا الموقف، فهي تشير إلى ما خلص إليه المؤلف السوداني عطا البطحاني عندما نشر في شهر أبريل 2011 كتابه “الحكم في السودان: أزمة هيمنة أم هيمنة أزمة” حينما كانت البلاد على أعتاب انفصال جنوب السودان، إذ قال إن “الزمن والتاريخ هما وحدهما من سيخبراننا بمتى وكيف سينهض مشروع الحكم في السودان”.

وقد رأى البطحاني في ذلك الوقت أن “إحدى دورات الحوار والصراع من أجل التجديد والنهوض الوطني والقومي أوشكت على النهاية بكل ما تحمله من فرص ضائعة وفرص محتملة ومخاطر وتحديات”.

واليوم ها هي كرّة أخرى من كرات ودورات أزمة الحكم في البلاد تظهر، والبلاد تعيش تغييرا مثلما حدث قبل عقد من الزمن وتلوح في الأفق الكثير من الفرص الجديدة والمحتملة.

وكان السودان مقسما إلى ستة أقاليم، هي الشمال والشرق والغرب والجنوب والإقليم الأوسط وإقليم كردفان، على إثر تولي البشير السلطة في 1989، لكن السلطات الانتقالية أعادت تطبيق نظام الحكم الفيدرالي الذي يتكون من ثمانية أقاليم. وهذه المسألة قد تأخذ حيزا من النقاشات ولن تتم معرفة نتائجها إلا بعد فترة حتى يتم الحكم عليها بدقة.

ونظرا لأن الحكومة الانتقالية، التي يمثلها عبدالله حمدوك يبدو أنها تتحرك في اتجاه تفعيل معاهدة السلام، يتساءل المراقبون عما إذا كان سيتم منح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان حكما ذاتيا على النحو الموعود وما إذا كان سيتم دمج 30 في المئة من قوات المتمردين في قوات حفظ السلام في المنطقة.

العرب