يقوم ثلاثة ممارسين ذو خبرة طويلة في مجال مكافحة الإرهاب من الإدارات الأمريكية الأخيرة بتقييم الإستراتيجية العامة لأمريكا، والنهج الخارجي، والتهديدات المحلية في بداية فترة رئاسة بايدن.
“في 15 آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع ماثيو ليفيت وكاترينا موليغان وكريستوفر كوستا. وليفيت هو زميل “فرومر ويكسلر”، ومدير برنامج “راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في المعهد، ومؤلف مذكرته الانتقالية لعام 2021 حول إعادة التفكير في سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب. وموليغان هي نائبة الرئيس بالنيابة لشؤون الأمن القومي والسياسة الدولية في “مركز التقدم الأمريكي”. وعملت سابقاً مع “قسم الأمن القومي” بوزارة العدل الأمريكية، و”مكتب مدير المخابرات الوطنية” الأمريكية، ووكالات أخرى. وكوستا هو المدير التنفيذي لـ “متحف التجسس الدولي”، وعمل كمدير أقدم لمكافحة الإرهاب في “مجلس الأمن القومي” الأمريكي خلال إدارة ترامب. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
ماثيو ليفيت
لا يُخفى أن النهج الذي اعتمدته الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب على مدى السنوات العشرين الماضية كان ناجحاً للغاية في منع شن هجمات، ولكنه لم يعد مستداماً اليوم. فقضايا الأمن الوطني والدولي الأخرى، من جائحة “كوفيد-19” إلى الاقتصاد وتغير المناخ، تتطلب من الولايات المتحدة أن تولي اهتمامها لهذه القضايا وتتحمّل مسؤوليتها المالية. ووفقاً لذلك، على الولايات المتحدة إيجاد طريقة لتبرير نهجها في مكافحة الإرهاب.
يجب متابعة هذه الجهود بالتزامن مع المنافسة التي تخوضها واشنطن مع القوى العظمى. ففي إطار عمل “4 + 1” [روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية والتطرف العنيف] الذي تسترشد به وزارة الدفاع الأمريكية لتصنيف التهديدات الدولية وفق أولويتها، بقيت مسألة مكافحة الإرهاب أولوية قصوى ولكن تم وضعها في مرتبة أدنى من الأهداف الأخرى، وهي: المنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا، والتهديدات الإقليمية من إيران وكوريا الشمالية. وفي حين يعتقد البعض أن الولايات المتحدة لا تستطيع الانخراط في صراعات “هامشية” متأصلة في مكافحة الإرهاب (على سبيل المثال، سوريا واليمن) ومنافسة القوى العظمى في الوقت نفسه، إلّا أن مثل هذه الجهود يجب أن تكمّل بعضها البعض، لا أن تستبعد كل واحدة منها الأخرى. على سبيل المثال، يمكن للاستثمارات الصغيرة في المساعدة الثنائية لمكافحة الإرهاب أن تسفر عن تعاون مهم في القضايا المتعلقة بالقوى العظمى.
من أجل الانتقال من مهمات مكافحة الإرهاب العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ويُمكّنها الشركاء، إلى المهام التي يقودها الشركاء وتمكّنها الولايات المتحدة، يتعين على واشنطن إصلاح مصداقيتها المتضررة في الخارج وإثبات مثابرتها على الوفاء بالتزامات تحالفها على المدى الطويل. ولا تزال هناك حاجة للمساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات الناشطة لمكافحة الإرهاب، لكن يجب على الولايات المتحدة الانتقال بشكل متضافر إلى نهج أقل ارتكازاً على القوة العسكرية وأكثر تركيزاً على بناء القدرات المدنية. وعلى الرغم من أن الحكومة الأمريكية نجحت في منع الهجمات الكارثية على أرضها، إلا أن أداءها في استباق الخصوم استراتيجياً ومنع الإرهابيين من دفع الناس نحو التطرف كان سيئاً. فقد أصبح عدد الأشخاص الذين أصبحوا متطرفين اليوم أكثر مما كان عليه عشية هجمات 11 أيلول/سبتمبر. ويُعد “صندوق شراكات مكافحة الإرهاب” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية أحد الأمثلة الجيدة على الكيفية التي يمكن بها للمسؤولين تقديم المساعدة والتدريب للمدنيين في مجال مكافحة الإرهاب بشكل أفضل.
وسيتطلب تقليص البصمة العسكرية الاعتماد بشكل أكبر على المؤشرات والتحذيرات الصادرة عن أجهزة الاستخبارات. ومع ذلك، على مدار العشرين عاماً الماضية، تم دعم ميزانيات هذه الأجهزة المخصصة لمكافحة الإرهاب بالإضافة إلى الميزانيات العسكرية لمكافحة الإرهاب. لذلك إذا قامت القوات المسلحة بتحويل انتشارها إلى مناطق أو تهديدات أخرى، فسوف يتحوّل معها تمويل منصات جمع الاستخبارات. وبالتالي يجب على صانعي السياسات فك عقدة تمويل مكافحة الإرهاب هذه لتجنب فقدان الدعم الاستخباراتي الأساسي في مناطق معينة.
ومن الضروري إعادة النظر أيضاً في آلية توجيه الرسائل الأمريكية. إذ لا ينبغي تصنيف جهود مكافحة الإرهاب من حيث الانتصار أو الهزيمة، بل من منطلق كونها جهد مستمر تَستخدم فيه الولايات المتحدة أدوات مختلفة للتنافس مع الخصوم وتعطيل الأعمال الإرهابية. ومن خلال قيام صانعو السياسات بتوضيح أن “الانتصار الكامل” على الإرهاب ليس ممكناً ولا ضرورياً، فبإمكانهم تنمية المرونة العامة للأنشطة المستمرة لمكافحة الإرهاب.
كاترينا موليغان
كانت المحادثات حول تحديث بنية مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة مستمرة داخل الحكومة الأمريكية منذ فترة، لكن البلاد ككل لم تجرِ قط أي محادثة حول شكل النجاح والفشل في مجال مكافحة الإرهاب. فبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، اتُخذ قرار على الصعيد الوطني بإعطاء الأولوية للتهديد الإرهابي، وقامت أجهزة الأمن القومي ومجموعة من قادة فروع السلطة التنفيذية بفرض هذا الجهد بنجاح كبير. لكن التحدي اليوم هو أن العديد من الأمريكيين لم يعد لديهم نفس مستوى القلق بشأن تهديد الإرهاب. لذا فإن تعريف النجاح والنظر في الموارد اللازمة لتحقيقه أمر بالغ الأهمية.
وهذا يعني مناقشة الأمور التي تريد أمريكا قبولها في مجال مكافحة الإرهاب، والتكاليف التي هي مستعدة لتحملها، والمبادرات التي نجحت أو فشلت. إذ لم تُحقق جميع الاستثمارات في مكافحة الإرهاب ثماراً جيدة، ولا بد من إجراء محادثة صادقة حول الأدوات التي تستحق الاحتفاظ بها.
ومع تطبيق التغييرات في نهج الولايات المتحدة، من المرجح أن تشهد السلطات الأمريكية رغبة متزايدة في إدارة مخاطر الإرهاب من خلال المؤشرات والتحذيرات الاستخباراتية. لكن مجتمع الاستخبارات يولي مسألة مكافحة الإرهاب تركيزاً غير متناسب منذ بعض الوقت، لذلك يتعين تعزيز القدرات الحالية لدعم أي استراتيجية تخفيف من هذا القبيل.
ولا يَعرف صانعو السياسة بعد إلى أي مدى قد تنجح أموال الدبلوماسية الإنمائية في مكافحة الإرهاب في الخارج، لذلك يبقى هذا المجال جديراً بالاستكشاف والاختبار. علاوة على ذلك، تملك الولايات المتحدة الآن في جعبتها أدوات معينة لم تكن متوفرة قبل عشرين عاماً، وأحدها هو “مركز المشاركة العالمية” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية والذي لم يتم استخدامه بأقصى طاقته على الرغم من أن إدارة أوباما حافظت على وجوده في عامها الأخير، وزودته إدارة ترامب بالموظفين.
وفي أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر مباشرةً، أنفقت الولايات المتحدة 260 مليار دولار على جهود مكافحة الإرهاب، وما زالت تنفق حالياً حوالي 175 مليار دولار سنوياً. على الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي البدء بالحديث عن هذه النفقات كجزء من حوار تبادل، فهناك الكثير من الأمور الأخرى التي يريدها هذا الشعب، والكثير من الأولويات الأخرى التي تؤثر على حياته بشكل أكبر. ولا ينبغي وقف تمويل جهود مكافحة الإرهاب، لكن يجب على الولايات المتحدة التفكير بصورة أكثر فيما تريده بدلاً من السعي وراء الأمن التام بشكل مطلق وإلى أجل غير مسمى.
كريستوفر كوستا
في اليوم الأول من عهد إدارة ترامب، استدعت أربع مشاكل اهتماماً فورياً من مسؤولي مكافحة الإرهاب الجدد. فبالإضافة إلى الغارة الوشيكة ضد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» («القاعدة في جزيرة العرب»)، واجه هؤلاء المسؤولين تهديداً واسع الانتشار ضد الطائرات التجارية، وحملة جارية لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وحاجة ملحة لمساعدة الرهائن المحتجزين لدى التنظيمات الإرهابية في الخارج.
وعلى نطاق أوسع، تطوّر التهديد الإرهابي بمرور الوقت، ولكن بينما تدرس واشنطن كيفية معالجة هذه التغييرات، هناك خطر المبالغة في تصحيح مهمة مكافحة الإرهاب. وليس من الضروري أن يكون الانخراط في المنافسة بين القوى العظمى منفصلاً عن نشر عدد صغير من قوات مكافحة الإرهاب في الخارج بصورة ذكية. على سبيل المثال، يمكن أيضاً نشر القوات لأغراض مكافحة الإرهاب وتحقيق هدف آخر هو التصدي للنفوذ الإيراني الخبيث. ومن المهم أن يدرك الشعب الأمريكي أن عمليات مكافحة الإرهاب هي جزء من منطقة رمادية أكبر تشمل كلاً من المهام التكتيكية والمعارك من أجل النفوذ.
وهذا يعني أيضاً أنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تسارع إلى إعلان النصر في بلدان مثل سوريا، حيث لا يزال لديها قوات صغيرة على الأرض تجمع معلومات استخبارية مهمة وتعمل مع الشركاء الأجانب. عوضاً عن ذلك، يجب أن تكثف جهودها لإنشاء مختلف الشراكات طويلة الأمد مع الحلفاء وتنميتها، لا سيما فيما يتعلق بمسألة مكافحة التطرف.
فضلاً عن ذلك، يشكل الإرهاب الداخلي أولوية أيضاً. فالتهديد الجهادي لا يزال مصيرياً لأن أياً من الإدارات الرئاسية لم تتعامل بشكل مرضٍ مع الأيديولوجية. يجب على أي استراتيجية أمريكية أن تعالج جوهر المظالم التي تغذي التطرف الجهادي المحلي – وهو أمر لم تُحسن أمريكا فعله مطلقاً. وبالنسبة للتهديد الذي يشكله المتعصّبون البيض والنازيون الجدد، فقد أكدت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب لعام 2018 على أهمية التركيز على تلك القضية. وفي ظل تطور هذه الديناميكيات، سيتعين على الإدارة الأمريكية الحالية مواجهة الإرهاب المحلي بشكل مباشر.
وفيما يتعلق بالتقارير التي تفيد بأن الرئيس بايدن أمر بمراجعة الضربات المنفذة بواسطة الطائرات الأمريكية بدون طيار، تجدر الإشارة إلى أنه يحق لكل رئيس مراجعة السياسات السابقة. ففي عهد ترامب، حرصت الحكومة الأمريكية على دفع الصلاحيات الخاصة بتلك العمليات إلى أسفل سلسلة القيادة للسماح باتخاذ القرارات بسرعة في البيئات الديناميكية، مع وضع الآليات المناسبة لتجنب وقوع إصابات لا داعي لها. وبينما يجب أن تجري إدارة بايدن المراجعة، إلّا أنها لا يجب أن تستغني عن السياسة لأن السياسة كانت ناجحة – فقد كانت فعالة ولم تكن بيروقراطية بشكل مفرط. والواقع أن عناصر عمليات مكافحة الإرهاب التي تشارك في عمليات خاصة في مختلف جوانب الميدان كانت ممتنة جداً لقرارات السياسة هذه.
أخيراً، ستواجه واشنطن دائماً التحدي المتمثل في الاضطرار إلى العمل مع أطراف غير مستحبة ولكن منسجمة مع الولايات المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب. والسعودية هي شريك كبير في المعركة ضد الإرهاب، لكن مقتل جمال خاشقجي يشكل مصدر قلق خطير. وعلى الصعيد التكتيكي، تستطيع الولايات المتحدة بالتأكيد العمل مع شركائها الأجانب، مع وضع الضمانات المناسبة لمنعهم من الخروج عن الطريق أو تخطي الحدود.
كيفين ماثيسون
معهد واشنطن