يستمر النظام الإيراني في سياسة المواجهة والتعنت وعدم الاستجابة الحقيقية للرسائل والاشارات الدولية التي توجه إليه عبر الوسطاء والشركاء الأوروبيين أو عبر القنوات السياسية المباشرة من قبل الادارة الأمريكية وتصريحات المسؤولين الأميركيين للعودة للحوار ومناقشة التطورات الميدانية في موضوع المفاعل النووي وبرنامج الأسلحة الباليستية والتمدد والنفوذ والتدخل الإقليمي في دول المنطقة والوطن العربي.
على الرغم من إدراك النظام وقياداته السياسية والأمنية خطورة الوضع القائم والانفجار الاجتماعي الواسع الذي يجتاح معظم فئات الشعب الايراني وخروجه بتظاهرات واسعة تندد بسياسة النظام الداخلية والخارجية وابتعاده الواضح عن الواقع المرير الذي يعيشه المواطنون الايرانيون وهي حقيقية ميدانية أفرزتها طبيعة وأسلوب ادارة الحكم السياسي في ايران وكيفية مواجهة الأزمات والمخاطر التي يعاني منها المجتمع الايراني بسبب سوء التصرف في معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة والابتعاد عن جوهر الصراع الاجتماعي الداخلي بوجود أكثر من 60% من الايرانيين بحالة تذمر واستياء من سوء استخدام الثروة النفطية والموارد المالية وتبديد المشاريع التنموية وضياع الأموال واستنزاف الخزينة الايرانية في مشاريع سياسية وتوجهات اقليمية وتدخلات في الشؤون الداخلية لبعض الأقطار العربية والاقليمية أثقلت كاهل المواطن الايراني وانعكست سلبيا على طبيعة الحياة المعاشية التي يعاني منها>
أصبح قادة النظام الايراني لا يتمكنون من إغفال هذه الحقائق الميدانية والتي عبر عنها (باقر قالبياف) رئيس البرلمان الايراني بقوله (إن المواطن الايراني أصبح لا يستطيع شراء أرجل الدجاج) وجاء تصريح (محمد جواد ظريف) وزير الخارجية الايراني مؤكدا عمق المأساة التي يعيشها نظامه السياسي عندما أشار الى أن (خسائر العقوبات الاقتصادية على بلده تقدر ب 1000 تريلون دولار) وهذا دليل واضح على حجم المعاناة والمكابدات التي يعيشها الشعب الايراني ويتغافل عنها جميع المسؤولين الايرانيين لأغراض سياسية وأمنية وبغية استمرار الظهور بصورة المنتصر على الاجراءات والوسائل الأمريكية، في حين تستمر تظاهرات الايرانيين والفئات الاجتماعية ومنهم المتقاعدون البالغ عددهم (4،5) مليون بخروج العديد منهم للمطالبة بدفع رواتبهم ومستحقاتهم المالية المتأخرة .
تستمر إرادة فرض الواقع المرير بعدم قيام النظام وأجهزته التنفيذية بواجباتها في مكافحة شبكات تهريب الأموال والمخدرات وزيادة الأسعار واحتكار المواد الغذائية بسبب الفساد السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه الطبقة السياسية الحاكمة والصراع الداخلي بينهم حول نتائج الانتخابات المقبلة في حزيران 2021 والتي تحاول من خلالها إعادة تركيبة النظام وتحسين صورته على الرغم من الانتقادات العديدة التي تظهر عيوبه وإخفاقاته التي تحدث عنها النائب السابق والمرشح لانتخابات الرئاسة المقبلة محمود صادقي بقوله (إن التحدي الأكبر في ايران يكمن بنظام الادارة الكبرى للبلاد وأنه ليس نظاما متكاملا بل يفتقد للتماسك وينقسم الى أجزاء ولا يتسم بالانسجام ولا يمكن ادارة البلاد بهذه الطريقة) . إن هذا الوصف الدقيق لطبيعة العلاقات في المنظومة السياسية الحاكمة يظهر حقيقة الإخفاق السياسي في معالجة التدهور الحاصل نتيجة استمرار العقوبات ونتائجها الكارثية وعدم وجود رؤية متماسكة ومتفق عليها في أروقة النظام الايراني لتفادي الكوارث المقبلة والنظر بدقة لمعانة المجتمع الايراني الذي وصلت نسبة الفقر فيه الى 62 % ونصفهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع.
أمام هذه المعطيات الميدانية والابتعاد عن جوهر المعاناة والمأساة التي يعيشها المواطن الايراني مع فقدان الآليات والوسائل الصحيحة في مخاطبة المجتمع الدولي والإصرار على التوجهات السياسية الايرانية وآخرها رفض المقترح الأمريكي بإيقاف تخصيب اليورانيوم الى حد نسبة 20% لبدء الحوار والنظر بتخفيف العقوبات ومع التصعيد الواضح والميداني الذي كشفت عنه قيادات الحرس الثوري الايراني بتاريخ 15 أذار 2021 عن تدشين ما أسمته (مدينة الصواريخ) التابعة لسلاح البحرية في الحرس الثوري والتي تضم مخزونا كبيرا من الأنظمة الدفاعية وصواريخ كروز وأخرى باليستية بمديات واسعة وأنظمة رادار وتشويش ومراقبة، وهي جزء من سياسة حفر الأنفاق بهدف تخزين الصواريخ والمعدات العسكرية في أعماق الأرض والجبال والموقع يمثل جزءا صغيرا من القدرات الواسعة للقوات البحرية كما جاء على لسان قائد الحرس الثوري (حسين سلامي) وهذه المدينة هي الثانية التي يعلن عنها بعد أن دشنت القوات البحرية طاقم المدينة الأولى في 8 كانون الثاني 2021 .
إن حالة الصراع والاختلاف في الرؤى داخل النظام الايراني وترجيح كفة الأجهزة الأمنية والحرس الثوري الايراني المدعومة من قبل المرشد علي خامنئي تؤكد حقيقة عدم وجود قواسم مشتركة لكيفية معالجة الأحداث والأزمات المتفاقمة ونتائج العقوبات الاقتصادية والإصرار على مواجهة المجتمع الدولي بخطابات التصدي والممانعة وإثارة الشركاء والحلفاء ورفض سياسة التحاور والمفاوضات والتخفيف عن معاناة الشعوب الايرانية وعدم الانتباه الى التدهور الحاصل في النظام الاقتصادي الايراني والصعوبات التي تواجهه والانخفاض الكبير في العملة المحلية واستمرار التصريحات الرسمية للقادة العسكريين والأمنين التابعين لقيادة فيلق القدس والحرس الثوري بزيادة حدة التوتر الاقليمي والدولي في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وعرض مديات القوة بمفهومها العسكري والتسليحي وأدوات التطور العلمي لبرنامج الأسلحة الباليستية واستخدام سياسة فرض الارادة لكي تكون إحدى الأدوات المستخدمة في أي حوار مقبل مع الشركاء والحلفاء الأوربيين وبحضور الادارة الأمريكية ولإيجاد مسوغات لبدء المفاوضات والضغط باتجاه إيجاد وسائل وخطوات عملية تساعد النظام الايراني على توجيه رسائل للشعوب الايرانية واظهاره بالمفاوض المتمكن المدافع والحريص على مستقبلها وهو يدرك حقيقة الأزمة الكبيرة التي يعانيها المجتمع الايراني ولكنه يتغافل عنها بإصراره ورفضه المستمر لكل التوجهات والمبادرات الدولية للتخفيف من العقوبات الاقتصادية تحقيقا لتوجهاته السياسية التوسعية والأمنية بعيدا عن معاناة وإرهاصات الشعوب الايرانية وتطلعاتها في العيش الكريم.
وحدة الدراسات الإيرانية