النافذة الأوروبية تضيق على العونيين وحزب الله، وعلى الحريري

النافذة الأوروبية تضيق على العونيين وحزب الله، وعلى الحريري

بيروت – قالت مصادر لبنانية مطلعة إن الشرط الذي وضعته ألمانيا لتنفيذ مبادرة إنقاذ قائمة على ضخ المليارات من الدولارات لإعادة تأهيل مرفأ بيروت أثار قلقا في أوساط النخبة السياسية، كونه جاء شاملا لا يميّز بين أيّ من الأطراف مما يوحي بأن ألمانيا، ومن خلفها الحلفاء الأوروبيون وخصوصا فرنسا، قد توصلوا إلى قناعة أن من غير الوارد المراهنة على أيّ من أطراف النخبة السياسية الحالية، وأن الوقت قد حان للضغط نحو تغييرات أعمق في لبنان.

وأشارت الأوساط اللبنانية إلى أن فشل الطبقة السياسية في الاستجابة للمبادرة الفرنسية لأشهر غيّر المزاج الأوروبي بشكل كامل تجاه السياسيين في لبنان، وأن الأمر لا يقف عند حدود حزب الله الذي بات قبلة للعقوبات الأوروبية والأميركية، ويتعداه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، وصولا إلى رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري.

ويرى الأوروبيون أن النخبة السياسية تتبادل أدوار التفاهم أو تسعى لرمي الاتهامات لكنها في النهاية تترك اللبنانيين دون حلول مقنعة في وقت وصل فيه البلد إلى حافة الانهيار المالي والاقتصادي.

وقال مصدر مطلع لـ”العرب” إن التلميحات الأوروبية تتجاوز الغضب من المماطلة بين السياسيين وإن كل النخبة الآن على المحك.

وأضاف “الأوروبيون يستبدلون سياسييهم. لماذا يعتقد اللبنانيون أن الأوروبيين سيرضون عن سياسيين لا يريدون التوصل إلى صيغة تفاهم”.

ولفت إلى أن الإشارات الأوروبية الأخيرة تنبه الرئيس ميشال عون مثلما تلفت انتباه الحريري إلى أن احتجاجات 2019 على سوء الإدارة والفساد وضعف الأداء الحكومي من قبل انفجار الميناء وأزمة كورونا هي ما أسقط حكومته، وأن الأوروبيين لا تفوتهم مفارقة أن يكون الحريري خرج من الحكم بسبب الاحتجاجات وأنه يقدم نفسه “منقذا” الآن.

وتكمن خطورة التلميحات الألمانية إلى أن برلين تتعامل مع وجود حزب الله في لبنان كقوة سياسية، وتميز بين جناحيه العسكري والسياسي، مما يجعلها منفتحة على التفاهم معه.

ومن المنتظر أن تعرض ألمانيا على السلطات اللبنانية يوم السابع من أبريل خطة تتكلف مليارات الدولارات لإعادة بناء مرفأ بيروت في إطار مساع لحث ساسة البلاد على تشكيل حكومة قادرة على تفادي الانهيار الاقتصادي.

وذكر مصدران لوكالة رويترز أن النخبة السياسية في لبنان تحتاج أولا إلى الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة لإصلاح الميزانية واستئصال الفساد، وهو شرط يصرّ المانحون، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، على تنفيذه قبل الإفراج عن مساعدات بمليارات الدولارات.

وقال أحد المصدرين “هذه الخطة لن تأتي دون شروط.. ألمانيا وفرنسا تريدان أولا رؤية حكومة قائمة ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات. لا توجد طريقة أخرى غير ذلك وهذا أمر جيد للبنان”.

ولفتت الأوساط إلى أن الحريري أيضا “استهوته اللعبة وصار يذهب دوريا ليتشاجر مع عون ويعود إلى الإعلام في محاولة لاستثمار البلوكاج لفائدته، ويكرر الأمر وكأنه يبحث عن إدامة الأزمة لإدانة خصومه أكثر من مسعاه لتسريع مهمة تشكيل الحكومة، وهي مهمة تتطلب الصبر والكتمان”.

من جانبه ظهر الرئيس عون لتبرئة ساحته بعد أن بلغته الرسالة الألمانية – الفرنسية، وسعى إلى تبديد مع علق بصورته وصورة صهره من اتهامات بالفساد (خاصة في موضوع الكهرباء).

وقال إن تعميم تهم الفساد على كامل الطبقة السياسية هو “تضليل للرأي العام”، وإن “أول خطوة حقيقية في محاربة الفساد تكون بتسمية الفاسدين والإشارة إليهم بوضوح”.

واعتبرت الأوساط سالفة الذكر أن الشرط الألماني – الفرنسي يظهر موقفا أوروبيا سلبيا من الطبقة السياسية دون تمييز كونها المسؤولة عمّا وصل إليه لبنان من وضع اقتصادي ومالي صعب، فضلا عن تمسكها بمصالحها الحزبية والشخصية وعرقلة تشكيل حكومة اختصاصيين تبدأ بالإصلاحات الضرورية التي يطالب بها المانحون.

وأضافت الأوساط ذاتها أن الأوروبيين الآن ينظرون بطريقة مختلفة إلى الوضع في لبنان وأنّ لا وجود لسياسيين مقدّسين عندهم خصوصا من طبقة فاسدة ماديا وسياسيا استهوتها اللعبة واختارت أن تترك لبنان يسير إلى المجهول في وقت تتمسك هي بمصالحها ومصالح الجهات الخارجية التي تشتغل لفائدتها.

وأكد السفير الألماني في لبنان أندرياس كيندل أن السلطات اللبنانية لا يمكنها إعادة الثقة وجذب الدعم من المستثمرين إلا من خلال تنفيذ إصلاحات فعالة.

وبدا صوت التذمر واضحا في تصريحات جديدة للبطريرك بشارة الراعي بأن التدهور الحاصل الذي تتحمل الطبقة السياسية مسؤوليته سيمسّ تغيير لبنان بكيانه.

وقال الراعي “صار واضحاً أننا أمام مخطط يهدف الى تغيير لبنان بكيانه ونظامه وصيغته، وهناك فرقاء يعتمدون منهجية هدم المؤسسات الدستورية والمالية والمصرفية والعسكرية والقضائية، وهناك فرقاء يعتمدون منهجية افتعال المشاكل لمنع الحلول والتسويات”.

ومنذ انفجار بيروت دخل الراعي على خط التصريحات السياسية التي لا تبتعد كثيرا عن الرؤية الفرنسية للأزمة في لبنان.

وبعد ثمانية أشهر من كارثة المرفأ ما زال الكثير من اللبنانيين الذين فقدوا عائلاتهم ومنازلهم وشركاتهم ينتظرون نتائج التحقيق في أسباب الانفجار. ويقف لبنان على شفا الانهيار في الوقت الذي يتشاحن فيه المتسوّقون على البضائع ويغلق المتظاهرون الطرق وتغلق الشركات أبوابها.

وقال مانحون أجانب إن الحكومة الجديدة يجب أن يكون لديها تفويض صارم لتنفيذ إصلاحات اقتصادية بما في ذلك التدقيق في المصرف المركزي وإصلاح قطاع الكهرباء وهي ملفات رئيسية في موضوع الفساد.

وأخذ الفساد في المصرف المركزي بعدا دوليا بعد تباطؤ القضاء المحلي في الكشف عن تفاصيل الملف.

وذكرت وكالة رويترز أن الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا (إن. سي. إيه) تنظر في تقرير رفعته إليها مجموعة محاماة مقرها لندن يتهم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة وشركاء له بغسل الأموال وممارسات فساد.

ويكشف التقرير ما يقول إنها أصول وشركات وأدوات استثمارية في بريطانيا قيمتها مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية ويزعم أن سلامة وأفرادا من أسرته وأشخاصا مرتبطين به استخدموها على مدى سنوات لتحويل أموال إلى خارج لبنان.

العرب