الباحثة شذى خليل*
وسط أزمة اقتصادية ومالية حادة أثارها انخفاض أسعار النفط والوباء. مجلس النواب صوت على قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق لسنة 2021، بالمجمل، ويأتي إقرار الموازنة بعد انقضاء 3 أشهر من السنة المالية الجارية، وسيجري تطبيقها بأثر رجعي على الأشهر الفائتة.
بإجمالي نفقات بلغ 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار) فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، واحتسبت الحكومة سعر برميل النفط على أساس 42 دولارا ومعدل تصدير قدره 3.25 مليون برميل يوميا، لكن البرلمان احتسبه بسعر يصل إلى 45 دولارا، مستخدما العملة العراقية في تقييم سعر البرميل بدلا من الدولار، مما أنهى جدلا سياسيا كبيرا بشأن إعادة الدعم الحكومي لقيمة الدينار العراقي مقابل الدولار.
بعد أسابيع من الجدل، على الرغم من توجيه رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وزارتي التخطيط والمالية في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بإرسال الموازنة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من أجل إقرارها من الحكومة والإسراع بإرسالها إلى البرلمان، إلا أن كل هذه الخطوات لم تتم لأسباب مختلفة، بعضها فني والآخر سياسي، تضيف المزيد من التعقيد إلى المشهد السياسي في البلاد.
يمر العراق الغني بالنفط بأزمة اقتصادية ومالية حادة إلى حد كبير بسبب انخفاض أسعار النفط الخام. في ديسمبر / كانون الأول، حيث خفض البنك المركزي العراقي قيمة الدينار العراقي بأكثر من 20٪ استجابة لأزمة السيولة الحادة، وهو إجراء أثار غضب الرأي العام في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة لتغطية نفقاتها.
كان هذا أول تخفيض في أسعار الصرف تقوم به الحكومة العراقية منذ عقود، منذ انهيار أسعار النفط العام الماضي، يعاني العراق من أزمة سيولة غير مسبوقة. واضطرت الدولة المصدرة للنفط إلى الاقتراض من احتياطيات البنك بالدولار لدفع ما يقرب من 5 مليارات دولار كرسوم شهرية لرواتب موظفي القطاع العام ومعاشات التقاعد. عائدات النفط، التي تشكل 90٪ من الميزانية، جلبت في المتوسط 3.5 مليار دولار.
ولو سلطنا الضوء على الموازنة الاتحادية للعام 2021 ما يجري من نقاش في مجلس النواب العراقي بخصوص قانون الموازنة الاتحادية للعام 2021 يدرك المرء مدى استهانة هذا المجلس بمستقبل ومصير الشعب العراقي الذي ينتظر بفارغ الصبر اقرار هذه الموازنة من أجل تحسين الوضع المعاشي له، في حين تسعى الأحزاب السياسية الحصول على مكاسب من هذه الموازنة حتى يزداد وزنها النوعي في انتخابات مجلس النواب القادمة والحصول على أصوات أكثر فيها بالاضافة الى استحواذها على حصة كبيرة من الريع النفطي من خلال الوزارات التي هي من حصتها في تشكيلة الحكومة العراقية.
وصف رئيس كتلة عراقيون هشام السهيل موازنة 2021 بانها موازنة الفتنة وكل كتلة تسعى وراء “حصة الاسد” في تلك الموازنة واكد السهيل ان فشل تمرير الموازنة يقع على عاتق جميع القوى في مجلس النواب بسبب التداخلات السياسية والتنصل عن الاتفاقات المبرمة بين ليلة وضحاها.
وفيما يخص إقليم كردستان العراق فقد ألزمت الموازنة الإقليم بدفع 250 ألف برميل يوميا في الأقل من إنتاج حقول النفط في الإقليم العراقي إلى الحكومة العراقية لتصديرها مقابل دفع رواتب الموظفين العامين في الإقليم وتسوية المستحقات المتعلقة بين الجانبين “بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية”.
وقالت وكالة الأنباء العراقية العامة إن “البرلمان حذف المادة 20 من مشروع قانون الموازنة، والتي تقتطع ضرائب من رواتب الوزراء والبرلمانيين والدرجات الخاصة بنسبة 40 بالمئة لرؤساء الرئاسات الثلاث ومجلس القضاء ونوابهم، و30 بالمئة للوزراء والنواب ومن بدرجتهم ومن يتقاضى رواتبا بقدر رواتبهم، كما تقتطع ضرائب من رواتب الموظفين الذين تزيد مداخيلهم الشهرية على مليون دينار عراقي (نحو 700 دولار) بنسبة عشرة بالمئة، وضرائب “مقطوعة” على مكافآت نهاية الخدمة والتقاعد”.
في حين أكد النائب رياض المسعودي، أن حصة اقليم كردستان في موازنة 2021 ليست هي ’’المشكلة الوحيدة’’ التي تعرقل تمرير مشروع قانون الموازنة الاتحادية. لكن هي أكبر وأعمق الخلافات”.
وإن “هناك رفضاً برلمانياً لسعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، كما أن هناك تحفظات على المخصصات المالية للمحافظات، ومطالب للقوى السياسية في المكون السني، وغيرها، فكل هذه هي من أخر التصويت على قانون موازنة 2021 حتى الان”.
وتحدث النائب بدر الزيادي، ان “عقدة بسيطة في المادة 11 الخاصة بحصة إقليم كردستان في موازنة 2021 أحدثت خلافاً بين وفد الإقليم والقوى السياسية”. ولفت الى ان “تلك العقد قابلة للحل، وهي ليست من أخر الموازنة، بل هناك أمور أخرى”.
تم تعديل فقرة الاستقطاع من المبالغ المصروفة للإقليم من استخراج النفط للعام الماضي، ونقل النفط والشركات المستخرجة من شهر إلى سنة”، مضيفا “إذ اقترحت المالية النيابية أن يكون لمدة عام كامل فيما أصر الوفد الكردي على أن يكون الاستقطاع شهراً بشهره ونتوقع التوصل إلى حل وسط ينهي الخلاف بشكل نهائي”.
وبين “ظهرت طلبات جديدة أثرت على إقرار الموازنة رغم التصويت على الموازنة باتفاق الكتل السياسية في اللجنة المالية”، واصفاً ما حدث بـ’’الأمر الخطير”. وقال “الطلبات من بينها إضافة المغيبين في المحافظات، والأمر صعب إذ لم يتم جردهم حتى الآن وكتلة الفتح طلبت إضافة 35 ألف درجة وظيفية وهذه الأمور من الصعب إقرارها لأن الموازنة كتبت وتمت والإضافات ستعيد كتابة الموازنة “.
وأكمل قائلاً إن “الطلبات الجديدة من بينها تعديل سعر الصرف قد تعطل إقرار الموازنة وتفتح الباب أمام كتل أخرى لتقديم طلبات جديدة ما يعني تأجيل الإقرار لوقت طويل”.
وفي السياق ذاته، بين الزيادي ان “هناك من يطالب بتعديل سعر الصرف نيابيا، والأمر لا يجوز قانونياً لإنه من صلاحية البنك المركزي وفق القانون ولا علاقة لمجلس النواب بتحديده” ، واصفاً الإصرار على هذا الأمر بالمزايدات الانتخابية لشحن الأجواء”. ونبه الى ان “أي قرار فيه جنبة مالية ويتعارض مع القانون قد تطعن به الحكومة أمام القضاء وبالتالي لن يطبق”.
ورد عضو برلمان إقليم كردستان، عثمان كريم، على “الاتهامات” بشأن عرقلة إقرار الموازنة من قبل الكرد، فيما أكد أنه لايوجد أي تراجع من قبل حكومة الإقليم بتسليم النفط إلى بغداد. وإن “حكومة الإقليم ملتزمة بتسليم 250 ألف برميل من النفط وهو النص الذي اتفقت عليه مع الحكومة الاتحادية ولايوجد تراجع إطلاقا بهذا الخصوص”.
وأضاف أنه “مهما بلغ سعر النفط فإن الاقليم ملتزم بتسليم هذه الكمية، والمفاوضات ما تزال مستمرة وحكومة الإقليم لم تتنصل، بل ما حدث هو أن الكتل السياسية تراجعت عن مواقفها، ولكن نأمل بالتوصل إلى حل قبل جلسة مجلس النواب الأسبوع المقبل”.
ومن المهم جدا مناقشة قانون الموازنة الاتحادية للعام 2021 بمعزل عن سعر صرف الدينار العراقي مقابل العملات الصعبة وبالأخص الدولار الأمريكي وسعر بيع برميل نفط واحد من النفط العراقي والسياسة الاقتصادية للبلد ونمو وتطور قطاعات الاقتصاد الوطني العام والخاص وسياسة الاستيراد والتصدير لأن جميع هذه الأمور وغيرها مرتبطة بعضها ببعض لما لها من تأثير على مستوى دخل المواطن الحقيقي ورفاهيته التي تنشدها الحكومة العراقية، لأن أول عمل قامت به الحكومة الموقرة هو تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل العملات الأجنبية فقد أصبح الدولار الأمريكي يساوي1450 دينار عراقي بعد أن كان يساوي 1191 دينار عراقي.
1. تخفيض سعر صرف الدينار العراقي
تسبب انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار في اضطراب الأسواق المحلية وارتفاع كبير في الأسعار، حيث إن معظم البضائع مستوردة من خارج البلد ومرتبطة بالعملة الأميركية.
وقد أثار قرار الحكومة العراقية تخفيض رواتب الموظفين بنسبة 20% حفيظة المواطنين وامتعاضهم أزاء ارتفاع قيمة الدولار مقابل الدينار العراقي (1 دولار يعادل 1450 دينار) امتعاضا كبيرا في البلاد، حسب تصريح عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب ندى شاكر جودت. وأكدت جودت أن هذا القرار ليس قرار مجلس النواب وانما هو قرار الحكومة وهي التي اتخذته ونفذته، من دون عقد جلسة برلمانية لمراجعة الحسابات، لكونه ليس قانونا. وحذّرت جودت من تداعيات قرار خفض قيمة الدينار العراقي، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وألحق الضرر بالمواطن العراقي البسيط، بسبب الفساد وسوء الإدارة.
واعتبرت أن قرار تخفيض قيمة الدينار جاء ضربة قاصمة للشعب العراقي، لعدم وجود رقابة من قبل وزارة التجارة على الأسواق، التي بدأت تتلاعب بحال المواطن البسيط وتفاقم معيشته. وفي السياق ذاته، قال مدير إعلام وزارة الصناعة مرتضى الصافي إن المواد المستوردة ستكون غالية الثمن، نتيجة ارتفاع سعر الدولار وكذلك الرسوم الجمركية، بينما المنتج الوطني معفى من التعريفة الجمركية والضرائب، وهذا الفارق سيكون حافزا لتشغيل المعامل العراقية، سواء كانت بالقطاع العام أو الخاص.
وتعد المادة 38 المقترحة في مشروع الموازنة من المواد المهمة تتعلق بتحويل الأراضي الزراعية إلى أراض سكنية، والتي تشمل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية حول المدن التي حولت إلى مساكن بصورة غير رسمية.
وحذف البرلمان المواد 42 و43 الخاصة بالسماح للحكومة ببيع عقارات سكنية وإطلاق استثمارات سياحية، والمادة 47 القاضية بتقييم أصول ممتلكات المؤسسات الرسمية تمهيدا لـ”بيعها أو تأجيرها”.
وأضاف البرلمان مواد جديدة على الموازنة تتعلق بمنح المحافظين صلاحيات استثمارية في محافظاتهم وإلزام الحكومة بإرسال أسماء “المكلفين بمناصب رؤساء الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة ووكلاء الوزارات والمستشارين” إلى مجلس النواب لإقرارها، فيما يبدو محاولة لإنهاء نظام “التعيين بالوكالة” الذي يسمح بتعيين شخصيات لهذه المناصب بدون تصويت البرلمان عليها.
في الختام مشروع الموازنة لاي حكومة من دول العالم هو لتحسين الوضع المعيشي ودعم الصناعة والاستثمار وتحقيق الخطط لرفع مستوى النهوض الاقتصادي للبلد، فقط في العراق، الفساد بأشكاله المتطورة والمتنوعة يفشل المشروع سنة بعد أخرى ومزيد من الديون والعجز ، فان بعض اعضاء مجلس النواب يسعون الى مصالح أحزابهم بالدرجة الأولى، في حين تأتي مصلحة الطبقات الكادحة بالدرجة الثانية، . أما البرامج الاصلاحية والخطط الاقتصادية التي وضعت من قبل وزارة التخطيط والكوادر الوطنية ستبقى حبر على ورق باختصار!
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية