قال موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) الإخباري البريطاني إن محافظات جنوب العراق تشهد جنوحا متزايدا للتغطية على جرائم الاغتيال السياسي ومرتكبيها من خلال اعتبارها جرائم قتل وقعت لأسباب شخصية أو قبلية، وغالبا ما يكون ضحايا هذه الجرائم من النشطاء والإعلاميين والمتظاهرين السلميين.
وذكر الموقع –في تقرير استقصائي أن قضاء العمارة (مركز محافظة بيسان الواقعة على بعد 320 كيلومترا جنوب شرق العاصمة بغداد) -والذي سجل 7 جرائم قتل لنشطاء ومتظاهرين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019- يحتل ثالث أعلى معدل لجرائم الاغتيال السياسي في العراق وفق المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان.
ويعد هذا القضاء أحد أكبر معاقل التيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر، حيث يسيطر أنصاره على الحكومة المحلية ومعظم الدوائر الأمنية المرتبطة بها، كما أنه يعد -وفقا للتقرير- مكانا مثاليا لممارسة مختلف الأنشطة غير الشرعية، ومن أهم الممرات التي تستخدمها العصابات الإجرامية لتهريب الأسلحة والمخدرات والآثار وغيرها.
وكشف مسؤولون أمنيون محليون وفدراليون للموقع أنه جرى عمدا في العمارة وفي بعض المناطق الساخنة الأخرى في الجنوب العراقي مثل البصرة تصنيف عدد كبير من جرائم القتل على أنها تمت “بدوافع قبلية”.
وأكد المسؤولون أنه يجري في المنطقة التلاعب بأوصاف الجرائم وبدوافعها الحقيقية، وتجنب الإشارة إلى أي عنصر يظهر طبيعتها السياسية والإقصائية من أجل التسريع بإنهاء التحقيقات وفتح طريق أمام الجناة والأطراف الداعمين لهم للإفلات من العقاب ومن تحمّل أي تداعيات.
وأشار الموقع إلى أنه بعد مراجعة معظم حوادث الاغتيال المسجلة في كل من العمارة والبصرة والناصرية والديوانية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 والتحدث إلى عدد من ضباط المخابرات والشرطة والنشطاء والمسؤولين الأمنيين المحليين والاتحاديين اتضح أن العشرات من جرائم القتل جرى “زورا أو بشكل مريب” تصنيفها على أنها اغتيالات ذات دوافع أو جرائم جنائية عادية أو جرائم ذات دوافع قبلية.
ويؤكد ضابط مخابرات يعمل في الناصرية (مركز محافظة ذي قار) للموقع أن ضباط التحقيق والاستخبارات لا يجرون تحقيقات جادة عندما يتعلق الأمر بجرائم قتل تورطت فيها قوى سياسية أو فصائل مسلحة، وأنه بمجرد وصول التحقيق لهذه المرحلة يتم مباشرة إغلاقه.
ويضيف “لا يجرؤ أي ضابط على مواصلة التحقيق في جرائم الاغتيال على وجه التحديد، إذا كان محظوظا فسيتم تهديده وإبعاده من مكان عمله، وإذا كان سيئ الحظ وواصل التحقيق بقصد أو بدون قصد فمصيره القتل”.
وقال “جميعنا نعرف هذه الحقيقة، وبالتالي يتم تسجيل هذه الجرائم عادة ضد مجهولين أو على أنها تمت بدوافع عشائرية، وفي حال تم إلقاء القبض على الجاني متلبسا ولم يتمكنوا من إطلاق سراحه فإن انتماءاته السياسية أو الحزب الذي يعمل من أجله لا تتم الإشارة إليها مطلقا”.
جاسب الهليجي قتل الشهر الماضي في العمارة وقيل حينها إن سبب القتل خلاف عشائري (مواقع التواصل)
قضية الهليجي
وفي إحدى قضايا الاغتيال التي وقعت الشهر الماضي وراح ضحيتها جاسب حطاب الهليجي -وهو والد الناشط والمحامي العراقي المختطف علي جاسب- في العمارة تدخل مكتب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لإحالة قضيته إلى السلطات في بغداد من أجل “ضمان سلامة ونزاهة التحقيق وعدم تدخل المليشيات لتغيير مسار التحقيق”، وفق ما أكد أحد مستشاري الكاظمي للموقع.
ويختم أحد النشطاء البارزين والمتابعين لقضية الهليجي قائلا إن “العمارة مدينة اخترقتها المليشيات بالكامل، والقضاء المحلي مقيد ولم يعد قادرا على إجراء تحقيقات مهنية ونزيهة في مثل هذه القضايا، نقل القضية إلى بغداد يعني إعادة فتح التحقيق بعيدا عن الضغوط، ونتمنى أن تقود التحقيقات هذه المرة إلى القاتل الحقيقي”.
المصدر : ميدل إيست آي