مضت 20 عاما على انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وهو الحدث الذي نال إشادة بالتقدم الملفت لنظام الاقتصاد العالمي، وشهادة قوية على التزام البلاد بالإصلاح، علما أن مفاوضات التوصل لهذه الصفقة استمرت على مدار 15 عاما.
لكن عقدين من الزمن لم يقنعا الدول الغربية بمدى التزام بكين بمعايير التجارة الدولية، إذ دأبت في مناسبات عديدة على التذكير بضرورة اتخاذ مواقف متشددة تجاه الصين وأفعالها في نظام التجارة العالمية، وفق تصريحات وزيرة الدولة البريطانية إليزابيث تروس مؤخرا، على هامش اجتماع المسؤولين التجاريين لمجموعة السبع والمديرة العامة الجديدة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو-إيويلا.
للإجابة عن هذا التساؤل، يرى خبير الاقتصاد السياسي زيان زوانه أن من المهم معرفة واضع معايير التجارة الدولية، وأوضح أن الغرب هو من وضع تلك المعايير لحماية مصالحه وشركاته.
ويضيف زوانه للجزيرة نت أنه ليس من السهل الآن اتهام أي دولة بخرق قواعد مصممة لخدمة طرف على حساب طرف آخر.
في حين يرى المراقب السياسي من بكين تشاو تزه شون أن أي دولتين تقومان بتعاملات تجارية يجب عليهما الالتزام بقواعد التجارة الدولية، لكن الدول الغربية تطالب الصين بالالتزام بقواعد قوانين التجارة المحلية، مما يعني أن الاتهام بانتهاك الصين قواعد التجارة الدولية أمر لا يمكن النظر فيه، وفق ما قاله تشاو للجزيرة نت.
لكن مقالة نشرتها مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية حول النظام الاقتصادي الصيني، خلصت إلى أن هوامش السلطة تمتلك القوة لمقاومة المركز وإجباره على الانصياع؛ فالمقاطعات التي تشكل الأراضي الصينية تتمتع بسلطة إدارية وتنفيذية، وتصوغ قوانينها وفق ما يناسب ظروفها واحتياجاتها.
وتشير المجلة الأميركية إلى أن الحكومة الصينية المركزية قادت الكثير من التغيير الحاصل منذ عام 2001، لكن إجراءاتها ليست الخيط الوحيد في القضية؛ فالسلطات الإقليمية أفلتت من التدقيق المباشر لمنظمة التجارة العالمية.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الدراسات الدولية بشنغهاي دينغ لونغ إن كثرة الأقاليم في الصين يجعل وقوع مخالفات وتجاوزات أمرا حتميا، ولا يمكن القول إن الصين والشركات الصينية تلتزم بالمعايير الدولية بنسبة 100%، وهذا أمر يجب الاعتراف به ويحصل في دول عدة.
وأضاف دينغ للجزيرة نت أن السلطات الرسمية تسيطر بشكل كامل على المعابر والحدود، وأن المصلحة العامة للجمارك الصينية التي تشرف على عمليات الاستيراد والتصدير في كامل الأراضي الصينية قادرة على ضبط التبادلات التجارية، مما يجعل احتمالية وقوع التحايل على القوانين أمرا ضئيلا جدا، وفق قوله.
القواعد الحالية لمنظمة التجارة العالمية تتيح للصين هامشا لدعم صناعاتها ودعم الشركات المملوكة للدولة (رويترز)
اتهامات متواصلة
تقول الولايات المتحدة إن القواعد الحالية لمنظمة التجارة العالمية تتيح للصين هامشا لدعم صناعاتها ودعم الشركات المملوكة للدولة والتمييز ضد المستثمرين الأجانب، حيث تشير واشنطن في شكاوى متعددة إلى تعريف “دولة نامية” الذي تتمسك به الصين، والذي يمنحها المعاملة الخاصة والتفضيلية.
وخلال حلقة نقاش حول إصلاحات منظمة التجارة العالمية -على هامش مؤتمر بوآو في الصين- أقر المحافظ السابق للبنك المركزي الصيني، بأن بعض الانتقادات التي أثارتها الولايات المتحدة كانت صحيحة.
لكنه قال إن هناك بعض سوء الفهم من جانب أعضاء آخرين بمنظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بالممارسات التجارية للصين، موضحا أن بكين قللت بشكل كبير تشوهات السوق والإعانات غير المعقولة خلال الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق، لكن عملية التحول هذه قد تستغرق سنوات عديدة.
ويرى خبير الاقتصاد السياسي زوانه أن الاتهامات للصين ستتواصل، لأنها تقوم بما قامت به الدول الغربية وشركاتها قبلها، موضحا أن هذا حصل في تصدير الغرب نموذج العولمة، إذ بدأ الغرب يتوجه لوضع قيود على قواعد حرية التجارة والعولمة عندما انطلقت النهضة الصينية.
حاجة العالم للصين
ويقول زوانه إنه في ظل تطور حاجات البشر، ووسائل التجارة والنقل وتكنولوجيا الاتصالات لم يعد من الممكن لبلد أن يعيش بمعزل عن العالم، فالاقتصادات العالمية متداخلة لدرجة يصعب فصلها.
في حين يرى المراقب السياسي تشاو أن قدرة اقتصادات العالم الرئيسية على الانفكاك عن الاقتصاد الصيني تعتمد على إمكانية الدول والشركات الغربية لتحقيق استقلالية سلاسل التوريد والصناعات التحويلية؛ فلدى الغرب طلب مرتفع على التصنيع.
والصين -التي تعتبر أكبر مصدِّر حول العالم بواقع يزيد على 13% من حجم الصادرات العالمية، تقيم شراكات تجارية مع 124 دولة، منها اقتصادات رئيسية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويرى أستاذ الاقتصاد لونغ أن الصين ما تزال تعد مصنع العالم، وأن العلاقة تبادلية مع اقتصادات العالم؛ باعتبارها ثاني أكبر مستورد عالميا، مما يعني أن العالم سيبقى محتاجا للصين لبضع سنوات قادمة على الأقل.
المصدر : الجزيرة