تفاهمات تونسية – مصرية على مواجهة التدخلات الأجنبية في المنطقة

تفاهمات تونسية – مصرية على مواجهة التدخلات الأجنبية في المنطقة

تُؤشر المعطيات التي تواترت في علاقة بنتائج زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى مصر وما أفرزته من تفاهمات مع الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى واقع جديد في المنطقة لا يمكن تجاهله أو التغافل عن تداعياته على مُجمل التوازنات بمعاييرها الإستراتيجية على الأصعدة السياسية، وبأبعادها الأمنية والعسكرية التي هز أركانها التوغل التركي في ليبيا.

تونس – تدفع المعطيات الجديدة التي برزت بعد ساعات من قمّة الرئيس التونسي قيس سعيد ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي نحو بلورة موازين قوى مُغايرة لما هو سائد حاليا بدأت عناصرها تتشابك على قاعدة مقاربات أملتها تفاهمات حقيقية لتصحيح الخلل الذي أصاب الأمن والاستقرار في المنطقة وخاصة في ما يتعلق بالتواجد العسكري التركي في ليبيا.

وأكد دبلوماسي تونسي بالقاهرة في اتصال هاتفي مع “العرب” أن تغيرا جذريا طرأ على الصيغة السياسية للعلاقات بين البلدين التي كانت سائدة قبل هذه القمة، وذلك من زاوية إعادة تركيبها وفق أسس وقواعد جديدة تُراعي المصالح المُشتركة التي شوهتها الأجندات الإخوانية.

واعتبر أن أبرز ما في ذلك التغيير هو إعادة اصطفاف المواقف على أساس إستراتيجي، دون الإخلال بالثوابت الوطنية في خطوطها العريضة، ولا يُغفل البعد القومي في ما يتعلق بالمخاطر التي تُهدد المنطقة، وخاصة منها تلك المقاربة التي وصفها بالعرجاء التي تُروج لها تركيا.

وأضاف الدبلوماسي الذي تابع من قرب اجتماعات قمة قيس سعيد والسيسي طالبا عدم ذكر اسمه، أن المسألة هنا لا ترتبط بالمعايير السياسية وافتراضاتها اللصيقة بهكذا اصطفاف، وإنما ترتبط بالإضافات التي أسقطت الصيغ الراهنة لجهة التعاطي مع خطر التمدد التركي في المنطقة.

وأشار إلى أن النقاط التي تم بحثها خلال قمة الرئيسين “أكثر بكثير من تلك المُعلن عنها”، منها التطرق إلى المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي التونسي بسبب استمرار التواجد العسكري التركي في قاعدة الوطية العسكرية بغرب ليبيا، الذي يصفه البعض من العسكريين التونسيين المُتقاعدين بـ”الخنجر” في خاصرة تونس.

وتُعد قاعدة الوطية الواقعة جنوب مدينة العجيلات وتبعد 27 كيلومترا عن الحدود التونسية واحدة من أهم القواعد العسكرية في ليبيا، وهي تمتلك بنية عسكرية ضخمة تمتد على نحو 50 كيلومترا مربعا، وتحتوي على مهابط طيران حربي وعدة مخازن أسلحة.

ومنذ سقوطها في الـ18 من مايو الماضي تحت سيطرة القوات الموالية للحكومة الليبية السابقة برئاسة فايز السراج، سُلمت القاعدة لتركيا التي حولتها إلى نقطة لدعم قدراتها العسكرية على الساحل الجنوبي للمتوسط وفي منطقة الساحل والصحراء.

وأقدمت أنقرة على تعزيز تواجدها هناك بمنظومة دفاع جوي، وطائرات حربية من بينها لوكهيد سي – 130 هرقل، وعدد من المروحيات، وكذلك أربع طائرات مُقاتلة من نوع أف – 16، ما يعني أنها تُخطط للبقاء فيها لفترة طويلة.

وكشف مصدر “العرب” في هذا السياق عن توافق تونسي – مصري على إنهاء التواجد العسكري التركي في ليبيا، وخاصة منه في قاعدة الوطية العسكرية المحاذية للحدود التونسية، ضمن حزمة أخرى من التفاهمات المُشتركة لمواجهة التدخلات الأجنبية الأخرى التي تُشكل تهديدا للأمن القومي التونسي والمصري وبقية دول المنطقة.

وأشار إلى أن هذا التوافق أملته “المصالح التكتيكية والإستراتيجية” للبلدين، وضرورة التصدي للمقاربات الخاطئة التي تدفع بها تركيا لتبرير تواجدها في المنطقة وفق مفهوم أعوج للتوازن الأمني والعسكري جعل المشهد بحساباته الإقليمية والدولية يتسم بالتوجس والتوتر.

واستندت هذه القراءة في جزء كبير منها إلى تصريحات الرئيسين التونسي والمصري التي تمت فيها مُطالبة تركيا بانسحاب فوري وغير مشروط من ليبيا، والتأكيد على توافق بلديهما على ضرورة مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة ومكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه.

ووجدت بذلك صدى لها لدى العديد من القوى في تونس ومصر، وكذلك أيضا في ليبيا التي بدأت البناء عليها لرسم ملامح مشهد جديد عكسته الآراء والمواقف التي تعالت للمطالبة بإنهاء التواجد العسكري التركي في ليبيا وسط ضجيج التحركات السياسية والدبلوماسية التي لم تهدأ.

وأجمع المراقبون في تونس على وصف زيارة قيس سعيد إلى القاهرة بتوقيتها وعناوينها، بأنها ناجحة وأن نتائجها ستكون مهمة ضد التطرف الفكري والإرهاب، والحد من هيمنة تركيا في المنطقة، باستثناء حركة النهضة الإسلامية التي بدأت مُرتبكة إلى حد جعلها تؤجل اجتماعا لمجلس الشورى.

وبدا هذا الارتباك واضحا من خلال تدوينة فيسبوكية نشرها رفيق عبدالسلام القيادي بحركة النهضة، وصهر رئيسها راشد الغنوشي، كتب فيها أن قيس سعيد “سيعود من زيارته إلى مصر بترتيبات أمنية وأجندات استخباراتية لضرب الديمقراطية لا غير”.

وبالتوازي، سعى رضا الكزدغلي المستشار الإعلامي السابق للأمين العام الأسبق لحركة النهضة حمادي الجبالي، إلى محاولة تشويه قيس سعيد في تدوينة أثارت جدلا واسعا وانتقادات في فيسبوك، تساءل فيها إن كان سيلتقي موفدا عن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في القاهرة.

وفي ليبيا استبق الناشط السياسي الليبي عبدالله ميلاد المقري زيارة رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة إلى تركيا بدعوة المجلس الرئاسي الليبي برئاسة محمد المنفي إلى تحمل مسؤولياته عبر العمل من أجل دفع تركيا والضغط عليها كي تسحب قواتها العسكرية ومرتزقتها من كافة الأراضي الليبية.

وقال المقري في تدوينة على فيسبوك “نحن في انتظار أن يملك المجلس الرئاسي الشجاعة بتنفيذ استحقاق إخراج القوات التركية من ليبيا (…) عليه تحمل مسؤولياته وتسجيل موقف واضح وجلي بشأن استمرار الوجود الاستعماري التركي، واستمرار النشاط التركي الاستفزازي في القواعد التي يحتلها في المنطقة الغربية من البلاد”.

ويبدأ الدبيبة الاثنين زيارة إلى تركيا مرفوقا بوفد حكومي رفيع المستوى يضم 14 وزيرا ورئيس الأركان العامة الفريق أول ركن محمد الحداد وعددا آخر من كبار المسؤولين، هي الأولى له منذ تسلمه مهامه في 16 مارس الماضي.

وتأتي هذه الزيارة في أعقاب تصريحات لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي أشار فيها إلى أنه سيتم خلال هذه الزيارة “المحافظة على المصالح المشتركة التي تجمع البلدين”، علما وأن المنفي سبق له أن زار تركيا في الـ26 مارس الماضي تلبية لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان.

العرب