دقّ خبراء ناقوس الخطر من أن يؤدي استحواذ الدول الغنية على لقاحات كورونا إلى دفع الدول الفقيرة إلى شراء جرعات من اللقاحات المغشوشة لتطعيم شعوبها، ويمكن أن يخلق ذلك فرصا لشبكات الإجرام لتحقيق أرباح طائلة في أفريقيا التي تستورد أكثر من 80 في المئة من الاحتياجات الصيدلانية.
نيروبي – أصبح انتشار اللقاحات المغشوشة في أفريقيا يمثل خطراً حقيقياً على الصحة العامة، ولم يعد من الممكن تجاهله، بحسب تقديرات جهات في قطاع صناعة الأدوية.
وحذر خبراء من التوزيع العالمي غير المتكافئ للقاحات كوفيد – 19 التي يمكن أن تحفز تجارة الجرعات المزيفة في أفريقيا وهي التي تعتبر نقطة ساخنة للأدوية المزيفة، مستشهدين بتقارير عن مصادرة اللقاحات المزيفة في جنوب أفريقيا.
وقالوا إنه مع تنافس الدول الفقيرة لشراء جرعات كافية من اللقاح لشعوبها، فمن المرجح أن يرى المجرمون فرصة للربح، خاصة في أفريقيا حيث تمثل الواردات أكثر من 80 في المئة من الاحتياجات الصيدلانية.
وقال ريتشارد شيلين، كبير الباحثين في برنامج إيناكت في معهد الدراسات الأمنية “تعاني أفريقيا بالفعل من مشكلة الأدوية المزيفة، لقد سمح الافتقار إلى الإنتاج المحلي وضعف الإنفاذ لسنوات بدخول هذه المنتجات إلى بلدان، مثل الأدوية المزيفة لمكافحة الملاريا في غرب أفريقيا. ومن المحتمل أن يزداد الأمر سوءا مع انطلاق الدول الغنية في تخزين اللقاحات، مما يخلق فرصة للشبكات الإجرامية”.
وشدد شيلين على أن الجميع يسعى للحصول على اللقاح لتطويق الوباء، وإذا لم يتحقق التكافؤ في توزيع اللقاحات بين جميع الدول، فإن ذلك سيصيب الناس بالذعر ويشترون كل ما هو متوفر أمامهم.
وأكد أنه شاهد مؤخرا ملصقات في شوارع جوهانسبرغ تعرض التطعيمات مقابل 10 دولارات، ولم تذكر الملصقات نوع اللقاح.
قمة جبل الجليد
قالت وكالة تنسيق الشرطة العالمية التابعة للإنتربول الشهر الماضي، إن شرطة جنوب أفريقيا صادرت 2400 جرعة مزيفة لكوفيد – 19 وكميات كبيرة من أقنعة الوجه إن 95 المزيفة في نوفمبر، واعتقلت ثلاثة مواطنين صينيين وزامبيا.
200 مليار دولار هي التكلفة التي تبلغها تجارة الأدوية المغشوشة على الصعيد العالمي سنويا
وأدت المداهمة إلى تحديد شبكة لتصنيع لقاحات كوفيد – 19 المزيفة في الصين. كما داهمت الشرطة الصينية بعد ذلك منشآت التصنيع، وانتهى الأمر بحوالي 80 عملية اعتقال واستعادة أكثر من 3 آلاف لقاح مزيف.
وأعلن الأمين العام لمنظمة الإنتربول، يورغن شتوك، أن الاكتشاف “ليس سوى قمة جبل الجليد” من الجريمة المتعلقة بلقاح كوفيد – 19، فقبل أشهر، أصدرت الوكالة إنذارا عالميا طالبة من البلدان الأعضاء البالغ عددها 194 دولة بتوخي اليقظة.
وكانت الحكومة في كينيا قد ألغت في الفترة الأخيرة قرارا بالسماح لشركات الرعاية الصحية الخاصة باستيراد اللقاحات مرجحة أن مثل هذه الشحنات خطرة لأن الجرعات قد تكون مزيفة.
وجاء هذا الإعلان بعد أن تبين أن بعض المستشفيات الخاصة تقدم لقاح سبوتنيك الخامس الروسي مقابل 75 دولارا للجرعة.
قُدّمت أكثر من 700 مليون جرعة لقاح على مستوى العالم، لكن أفريقيا تمثل أقل من 2 في المئة من إجمالي هذا العدد مقارنة بأميركا الشمالية التي تتمتع بنسبة 27 في المئة وأوروبا بـ20 في المئة، وفقا لأحدث البيانات.
وتقول مجموعات الحملات، مثل التحالف الشعبي للقاحات، إن الدول الغنية لم تشتر من إمدادات اللقاح أكثر مما تحتاجه فقط، بل تمنع الجهود التي تبذلها الدول النامية للتنازل عن براءات الاختراع حتى تتمكن من تصنيع اللقاحات الخاصة بها أيضا.
وتقدر تجارة الأدوية المقلدة على الصعيد العالمي، بنحو 200 مليار دولار، وفقا لمصادر الصناعة.
وقدرت منظمة الصحة العالمية أن 42 في المئة من الحالات المبلغ عنها في العالم من الأدوية المزيفة كانت في أفريقيا بين سنتي 2013 و2017.
وفي سياق متصل، يقول بعض الصيادلة في أفريقيا إنهم مضطرون للشراء من أرخص الموردين، وليس بالضرورة أكثرهم التزاما بمعايير الجودة حتى يتمكنوا من منافسة التجار غير الشرعيين.
ويمكن أن تحتوى الأدوية المزيفة على جرعات غير صحيحة ومكونات خاطئة أو غير فعالة، وفي نفس الوقت لا يلبي عدد من الأدوية المرخصة معايير الجودة بسبب سوء التخزين أو أمور أخرى. ومن الصعب تحديد حجم المشكلة بدقة، لكنّ باحثين يقولون إن هذه الأدوية المغشوشة تؤدي إلى وفاة الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء أفريقيا كل سنة، وتسبب مشاكل صحية طويلة الأمد لدى الأشخاص الذين يتناولونها أو حتى تنشر أمراضا مقاومة للأدوية.
وفي عام 2019 رفعت منظمة الصحة العالمية تنبيهات حول لقاحات مزيفة ضدّ التهاب السحايا في النيجر وأدوية ارتفاع ضغط الدم في الكاميرون، بالإضافة إلى النسخ المزيفة من المضاد الحيوي أوغمنتين في أوغندا وكينيا.
وقال كريغ موفات، رئيس تنفيذ الحوكمة وبرنامج التأثير في غود غوفرنانس أفريكا، إن قلة الإمدادات وضعف القدرة على الإنفاذ، هما ما خلقا مجالا واسعا لازدهار تجارة اللقاحات المزيفة.
وأضاف “ليس هذا دواء للملاريا يحتاجه عدد قليل فقط من البلدان، سيغير هذا اللقاح قواعد اللعبة لأن كل دولة في العالم تحتاجه، وتجد أفريقيا نفسها في عاصفة كاملة مع هذا النشاط غير المشروع والعابر للحدود”.
اقرأ أيضاً: تخلي أفريقيا عن أسترازينيكا يغذي المخاوف من اللقاحات
العرب