جوهانسبرغ – مكن الهجوم المعقّد والدامي على مدينة بالما الاستراتيجية الواقعة في شمال شرق موزمبيق الشهر الماضي جهاديي داعش من التزوّد بالمواد الغذائية والأسلحة، ومنذ رحيلهم يسود الخوف من هجوم مقبل. ولكن الخشية الأكبر التي ترتسم أمام المتابعين هي أن التنظيم المتطرف يعمل على استنساخ تجربة القاعدة في منطقة الساحل وثمة ما يوحي بذلك.
ورغم أن بروز جهاديين في جنوب شرق أفريقيا قد يبدو للمراقبين للوهلة الأولى أنه ظهر من العدم، إلا أن ظروف التمرد على الدولة كانت موجودة أصلا ولم يكن ينقصها إلا تجييش الناس. ومن الواضح أن داعش استغل ذلك بشكل مدروس، فالبطالة مستوطنة في جميع أنحاء المنطقة وتفاقمت أكثر بسبب الآثار المدمرة للكوارث الطبيعية في السنوات الأخيرة.
والآن، توشك موزمبيق أن تتحول إلى مركز عالمي لمحاربة داعش في جنوب شرق القارة، بعدما توقع خبراء اقتصاديون أن تتصدر المشهد العالمي للطاقة قريبا، بفضل الاكتشافات الهائلة للغاز.
وتشكل سيطرة مجموعة مسلحة موالية للتنظيم على بالما، عاصمة الغاز في موزمبيق، أكبر تهديد ليس فقط لأمن واقتصاد البلاد، بل لمصالح كبرى الشركات العالمية للطاقة، سواء الأميركية منها أو الفرنسية والإيطالية والصينية وحتى اليابانية، والتي استثمرت مجتمعة نحو 60 مليار دولار، لاستغلال حقول الغاز.
فعلى مدار ثلاث سنوات، زرعت جماعة الشباب المسلحة الرعب في هذه المدينة الساحلية بمنطقة كابو ديلغادو الفقيرة لكن الغنية بالغاز الطبيعي، وهي ذات غالبية مسلمة وتقع على الحدود مع تنزانيا، وتسببت بمقتل العشرات من الأشخاص واضطر الآلاف إلى مغادرة منازلهم.
ويبدو تأكيد حكومة موزمبيق على أن أعمال العنف المتفرقة في المقاطعة كانت دليلا على تبني التشدد الديني، حيث ضمنت عمليات قطع الرؤوس وقتل المدنيين وطردهم من منازلهم بطاقة الاتصال الأولى للجهاديين، مما أثار مخاوف دولية من وجود جبهة جديدة للمتطرفين في جنوب شرق أفريقيا.
ويشير المختصون إلى أن ثمة أوجه تشابه في تكتيكات مراوغة القوات الحكومية واقتناص الفرص بين جماعة الشباب في موزمبيق والقاعدة في جنوب الصحراء، وخاصة في كيفية اتباع أسلوب السيطرة على رقعة جغرافية معينة لإعلان إمارتهم فيها قبل توسيع العمليات لاحقا.
والمؤكد أنه إذا لم يتم احتواء تمدد الجهاديين بكابو ديلغادو في المهد، فإن كامل منطقة أفريقيا الجنوبية والبحيرات الكبرى ستكون تحت خطر المتشددين على غرار ما حدث لدول الساحل، والتي تضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وتشاد، وأيضا بلدان بحيرة تشاد وهي نيجيريا، تشاد، النيجر وبنين والكاميرون.
وبعد قرابة ثلاثة أسابيع من الهجوم الذي وقع على بُعد عشرة كيلومترات من مشروع غازي لمجموعة توتال الفرنسية تقدر كلفته بالمليارات من اليوروهات، والذي أرغمها على تجميد عملياتها، تخشى المنطقة الأعمال المقبلة للجماعة التي أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية عام 2019.
وهذه المرة قد يستهدف المتمردون ميناء بيمبا الواقع على بُعد أكثر من مئتي كيلومتر نحو الجنوب، وهي عاصمة المحافظة وتعدّ قرابة 150 ألف نسمة. وترجح مجموعة بانجيا – ريسك الاستشارية أن يسعى المتشددون إلى تحضير هجوم على بيمبا في الأشهر المقبلة.
ويرى دينو ماهتاني من مجموعة الأزمات الدولية أن استهداف بيمبا هو ما يخشاه الجميع، لكن من المستحيل تحديد المكان الذي سيهاجمونه بعد ذلك. وخلال عام واحد تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة التي سيطرت في أغسطس الماضي على ميناء موسيمبوا دا برايا الذي يبعد مئة كيلومتر عن بالما.
وخلال الأشهر الأخيرة، نُسب الهدوء السائد خصوصا إلى تكثيف الرد العسكري إلا أنه يُرجح أن الفترة الحالية هي على ما يبدو فترة تحضير لهجمات جديدة. ويرى خبراء عدة أن موسيمبوا منحت الجهاديين قاعدة لاستهداف مدن أخرى على غرار بالما. وقد يعني هجوم محتمل على بيمبا السيطرة على الجزء الأساسي من الساحل وعلى الموانئ الثلاثة الرئيسية المطلة على المحيط الهندي.
وتمّت تعبئة الجيش لحماية عاصمة كابو ديلغادو. ويقوم الجيش بالتدقيق بهويات اللاجئين الواصلين إليها خشية أن يختبئ جهاديون في صفوفهم. إلا أن القوات الحكومية بدت حتى الآن غير قادرة على محاربة المتمردين بشكل فعّال.
ويخشى خبراء من أن تكون بيمبا هدفا جديا بالنسبة إلى الجهاديين، إذ إنها مركز لوجستي مهم للمنشآت الغازية وتضمّ مرفأ ومطارا كما أنها المقرّ الإداري للمنظمات غير الحكومية.
وفي حين يرجح خبراء مجموعة بانجيا – ريسك تسلل مقاتلين إليها، يعتبر الباحث في معهد بريتوريا للدراسات الأمنية مارتن إيوي أن صفة هذا النوع من التمرد هي “مهاجمة المكان غير المُتوقع”.
ويؤكد المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية، الذي ينشر أبحاثه على حساب اسمه “ميستر كيو” على تويتر، أن بداية شهر رمضان “مؤاتية لزيادة قوية في عدد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في العالم كل سنة”.
ويترك رحيل المجموعة العسكرية الخاصة الجنوب أفريقية (ديك أدفايسوري غروب) الأسبوع الماضي بعد أن كانت تقدم الدعم للجيش في مكافحة الجهاديين، فراغا في الجهاز الأمني. ويروي رئيس المجموعة ليونيل ديك لوكالة الصحافة الفرنسية أن “خلال فصل الأمطار، دمّرنا بنى تحتية تابعة للمتمردين وآلياتهم وجزءا كبيرا من مخزوناتهم الغذائية. كان من الواضح أنه سيحصل ردّ”.
العرب