فوجئت إيران بانفجار مباغت في محطة “نطنز” النووية، يوم الأحد الفائت، دمّر نظام الطاقة الداخلي الذي يزود أجهزة الطرد المركزي في باطن الأرض، والتي تخصب اليورانيوم، في تطور لافت، خصوصا بعد إعلان هيئة البث الإسرائيلي (كان)، نقلا عن مصادر لم تسمها- أن جهاز الموساد الإسرائيلي شن “هجوما إلكترونيا” على موقع إيران النووي، وتوعد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف برد انتقامي على الهجوم الذي استهدف المنشأة، موجها أصابع الاتهام إلى إسرائيل.
وتعد هذه المنشأة واحدة من منشآت نووية عدة تراقبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان امتثال إيران لاتفاق عام 2015، الذي يعرف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
وكما هي العادة عند تعرض المصالح الإيرانية لاعتداءات إرهابية، سواء داخل إيران أو خارجها في العراق وسوريا ولبنان مثلاً، تتوجه السلطات الرسمية بأصابع الاتهام إلى إسرائيل، ثم تطلق الوعود بأنها سوف ترد وتنتقم في الزمان والمكان المناسبين، ثمّ تذهب التصريحات أدراج الرياح.
وبصدد الهجوم الأخير على نطنز، لوحظ تخبط كبير حتى في مستوى الإعلان عن الواقعة، وصف المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية، بهروز كمالوندي، الهجوم في البداية بـ”الخلل في شبكة الكهرباء”، وقال في وقت سابق: إن “الحادث لم يوقع إصابات بشرية أو يتسبب في تلوث إشعاعي”. ولاحقًا، أعلنت وسائل إعلام إيرانية أن كمالوندي تعرض لحادث خلال تفقده لموقع نطنز، وأنه “أُصيب بكسر في رأسه وساقه”.
ولم يمض وقت طويل حتى كان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، يتحدث عن “إرهاب نووي”، وقال: إن “الجمهورية الإسلامية، تدين هذه الخطوة الفاشلة، وتؤكد على ضرورة تعامل المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية مع هذا الإرهاب النووي وتحتفظ بحقها في اتخاذ إجراءات ضد مرتكبيه ومن أمر به ومن نفذه”. إذ بدأ الأمر من حديث عن عطل كهربائي، ثم إشارات إلى حادثة غامضة، قبل أن يعلن وزير الخارجية الإيراني أن الواقعة عمل تخريبي و«الصهاينة يريدون الانتقام من الشعب الإيراني للنجاحات التي حققها في مسار رفع الحظر الظالم». لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق: ما هي دلالات الحوادث المتكررة عليها؟
ثبت عمليا انها مخترقة وبصورة خطيرة ومتكررة، وهو ما بات يؤشر بأن هذه الاختراقات تتم إما بأيدي عملاء وجواسيس ايرانيين يعملون لحساب جهاز الموساد الاسرائيلي والمخابرات المركزية الامريكية في الداخل، أو باستخدام آليات الحرب السيبرانية المتطورة والقادرة علي اختراق كافة الموانع والاستحكامات، والدخول الي تلك المفاعلات النووية في مواقعها الحصينة وتخريبها وإعطاب نظم تشغيلها والرجوع بها للوراء، وهو ما دأبت عليه أصابع الاتهام الايرانية التي دائماً تشير الي إسرائيل ودورها فيه، حتي اصبح هذا الاتهام هو الامر المعتاد والمألوف في كل مرة يجري فيها الهجوم علي تلك المفاعلات.
لقد بات من الواضح تماما ان علاقة الشراكة الاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية التي تعززت وتنامت بعد ضم اسرائيل الي القيادة المركزية الامريكية (سنتكوم) في كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٠ ، اتاحت لإسرائيل دعما امريكيا هائلا وبلا حدود، وبالأخص في مجال تبادل المعلومات والخبرات وإعداد الاستراتيجيات للتعامل بها مع منظومة واسعة من الاخطار والتهديدات والتحديات الامنية التي تؤثر في المصالح المشتركة للطرفين الامريكي والاسرائيلي.
والشاهد على ذلك، التصريحات الصادرة في الفترة الاخيرة من الجانبين والتي يؤكدان من خلالها ما وصلت إليه شراكتهما الاستراتيجية في أمور الأمن والدفاع المشترك من تطور غير مسبوق، ويكاد يكون بلا حدود بعد تبادل اسرائيل الاعتراف والتطبيع مع عدد من الدول الخليجية والعربية.
فالتصريحات الامريكية تبرز بكل وضوح أهمية الدور الذي يقوم به التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبخاصة في مواجهة التهديد النووي الإيراني لهما معا ولأمن منطقة الشرق الاوسط ككل، وتريد الادارة الامريكية من هذه التأكيدات ان تقنع ايران وغيرها أن أي اعتداء علي اسرائيل سوف يكون وبنفس الدرجة اعتداء علي الولايات المتحدة ويوجب الرد عليه في الحال بالقوة العسكرية المشتركة لهما معا، وعلي الجانب الاسرائيلي جاءت تصريحات رئيس الوزراء نتانياهو بعد تفجير الموساد لمفاعل نطنز الايراني بأن اسرائيل لن تسمح ابدا لإيران بامتلاك سلاح نووي، لكن الجديد هو قوله إن اسرائيل اصبحت تحتل الآن مكانة القوة الاقليمية الكبرى، كما انها بصدد ان تصبح قوة عالمية ايضا، وفي هذا الإعلان ما فيه من اعتراف رسمي بما حققته هذه الشراكة الاستراتيجية من نقلة نوعية ضخمة في حجم القوة العسكرية الاسرائيلية علي المستويين الاقليمي والعالمي.
أما عن ايران، وهي الهدف المشترك للطرفين الامريكي والاسرائيلي ، فإن هذه الاختراقات الخطيرة التي تدمر لها ركائز أمنها القومي في الصميم، وتفقد برنامجها النووي أهميته التي تستخدمها كأداة في الضغط والمساومة ، وتضعها أمام شعبها وأمام جيرانها والعالم ، في موقف العاجز عن الرد ، فإن هذا العجز المستمر هو أكثر ما يحرج النظام الايراني الحاكم هو وأذرعه التي يعتمد عليها من حرس ثوري وغيره كأدوات للردع والتهديد المضاد ، ويضعف مكانته في الداخل ، كما يهز صورته في الخارج ، ويفقد تهديداته مصداقيتها ويبرهن على أن إيران ليست سوي نمر من ورق، وأنها لن تجرؤ علي تنفيذ تهديداتها لإسرائيل المدعومة بالثقل العسكري الاستراتيجي الجبار لحليفها الأمريكي مهما توفرت لديها من أدلة إدانة قاطعة حول مسئولية إسرائيل عن كل ما يحدث لها.
وعليه، فإن خيارات النظام الايراني تضيق، وأزماته تتفاقم وتحتد وتضغط عليه أكثر وأكثر، والصدمات التي تصيبه بهذه الصورة العنيفة والمتكررة تضعه مع نفسه ومع شعبه في مأزق حقيقي لا يعرف كيف يخرج منه، والمحصلة في النهاية هي خسائر فادحة لن يستطيع الايرانيون تحمل تبعاتها وتداعياتها.
صحيح في المقابل أن الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمنشأة نطنز لن يعيق إيران عن تشغيل مفاعلات أخرى مثل فوردو وبوشهر وأراك وأصفهان بوتائر أعلى وأوسع نطاقاً، أو اللجوء إلى إقامة منشآت أخرى سرية وغير معلنة أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا تشملها بالتالي بنود اتفاق 5 + 1 القديم أو أي اتفاق جديد. لكن هذا ليس «الانتقام» الذي تحدث عنه المسؤولون الإيرانيون، أو هو على الأقل ليس جديراً بقوة إقليمية تتفاخر بأنها تبسط نفوذاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً ومذهبياً في أربع دول عربية على الأقل.
وحدة الدراسات الإيرانية