يستغل مروّجو المخدرات الفراغ وعدم وجود أي معنى أو هدف في حياة جيل الحرب اليمني للإيقاع بضحاياهم، بوجود تسهيلات من الحوثيين حيث تعد بيئة الإدمان أرضا خصبة لعمليات الاستقطاب والتجنيد التي تنفذها الميليشيات الحوثية عبر حملات واسعة.
صنعاء – اتسع نطاق تعاطي المخدرات بين الشباب في اليمن خلال السنوات الأخيرة بالتزامن مع ما تشهده البلاد من انهيار أمني واقتصادي، بسبب الحرب الدائرة منذ أكثر من 6 سنوات.
وساهم الانفلات الأمني بتكثيف ترويج المخدرات في البلاد، وبات رواجها يهدد أمن المدن اليمنية وأمن مواطنيها بمختلف أعمارهم، مع انتشار الجرائم في ظل غياب القانون والدولة، فمعظم الجرائم المرتكبة باليمن تأتي على هامش تجارة وتعاطي المخدرات، وفق روايات السكان.
لكن الأمر ليس مصادفة أو نتيجة غير مباشرة للحرب، بل هي عملية منظمة تستهدف الشباب تحديدا للسيطرة عليهم.
وأفادت مصادر من صنعاء أن الحوثيين يستخدمون المخدرات والحشيش مع مقاتليهم، لدفعهم إلى القتال بشراسة وحماس أكثر، وهو ما أثر بشكل كبير على ما يحدث من اقتتال في اليمن.
ومنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في عام 2015، برزت ظاهرة انتشار الحشيش المخدر بشكل متزايد في أحياء المدينة.
وقالت المصادر أن انتشار المواد المخدرة بهذه السرعة وسهولة وصولها إلى الشباب بأرخص الأثمان، يشيران إلى أن من يروج لها ليس هدفه الربح والكسب المادي، وإلا لما روج لها في بلد فقير اقتصاديا مثل اليمن.
وتختلف أسباب ودوافع الشباب لتعاطي المواد المخدرة بمختلف أنواعها، فمنهم من يتعاطاها لتعديل المزاج والشعور بالنشوة، وآخر للهروب من مشكلاته فيلجأ للمواد المخدرة لمساعدته على النوم الذي هجره، والبعض للهروب من واقع مرير أو لظروف اجتماعية سيئة.
ويلجأ عدد من الطلاب إلى تعاطي الحشيش أو المخدرات لمنحهم تركيزا إضافيا في أيام الاختبارات، والمفارقة أن الكثير منهم لا يخفون الأمر ولا يشعرون بالخوف من التصريح به بسبب غياب الرقابة.
ويقول المختصون وخبراء الاجتماع إن هناك أسبابا كثيرة لميل الشباب لتعاطي الحشيش والمخدرات، أهمها ارتفاع مستويات البطالة والشعور المتزايد بالعدمية بين جيل الحرب واليأس من الوضع المتدهور وضآلة الأمل في المستقبل المجهول.
كما أن مروجي المخدرات يستغلون الفراغ وعدم وجود أي معنى أو هدف في حياة الشاب يسعى إليه للإيقاع بضحاياهم، إضافة إلى التمزّق الاجتماعي الناتج عن الحرب، والفقر والظروف النفسية التي يعيشها الشباب اليمنيون، قد زادت من حالات الاكتئاب لديهم، لذا يندفع الكثير من مرضى الاكتئاب إلى تعاطي المخدرات والحشيش.
ويبدأ الأمر بالنسبة لشريحة واسعة من الشباب المدمن بنصيحة من أحد الأصدقاء لتجربة المخدر لمرة واحدة، للحصول على النشوة أو لزيادة التركيز أو إراحة الأعصاب، لتكون تلك أولى خطواته للإدمان، والبعض منهم أصبحوا مدمنين دون معرفتهم، فهناك من يتناوله بطريقة غير مباشرة مع مشروبات أمام أسواق القات بعد أن يضيف إليها البائع بعض الأدوية التي تصنف ضمن المؤثرات العقلية.
وأصبح هناك مشروب يخلط معه نوع من الحبوب ليصبح مادة مخدرة متوفرا في أسواق القات.
وتتحدث سميرة (اسم مستعار) عن تجربة عائلتها القاسية مع المخدرات، وقالت “الشباب يريدون الهروب من الواقع المرير الذي يعيشونه، فاستغلت ميليشيات الحوثي هذا الأمر واستخدمت أساليب متنوعة لاستدراج الشباب العاطلين والمحبطين نفسيا إلى إدمان المخدرات كما حدث مع أخي البالغ من العمر 17 عاما”.
صيدليات تسهل تزويد الشباب بالأدوية المهدئة ذات التأثير المخدر دون وصفة طبية في ظل غياب الرقابة
وأضافت سميرة “تم استدراج شقيقي من قبل عناصر حوثية في منطقتنا، وتوريطه في تعاطي الحشيش والمخدرات، ومن ثم تم دفعه للقتال معهم حتى أصبح قرار عودته إلى المنزل بيدهم لأنه لم يعد قادرا على اتخاذ أي قرار يخص حياته، ثم مات بسبب جرعة كبيرة من الحبوب المخدرة”.
وتتولى قيادات حوثية عملية توزيع المواد المخدرة على المقاتلين في صفوفها، حيث يتم ذلك بشكل مستمر بعد خلط المسحوق المخدر مع ما يعرف بـ”البردقان” مع نبتة القات يوميا.
وعمل الحوثيون على تكييف المخدرات ومنحها طابعا يمنيا من خلال وضعها أو خلطها مع “الشمّة” والتي تتحول إلى إدمان فور تعاطيها في معسكرات وجبهات القتال، وبات استعمال “البردقان” المخلوط بالمخدرات أمرا مألوفا في أوساط المقاتلين الحوثيين.
كما تُعطى أقراص المخدرات للمقاتلين الحوثيين على أنها مسكنات للألم وأدوية لإيقاف النزيف، والتي تجد طريقها إلى السوق بسهولة، في ظل تواطؤ المشرفين الأمنيين والقيادات التابعة للحوثيين بهدف الإثراء واستقطاب الشباب للقتال أو التأثير عليهم لعدم التحرك ضدهم.
وقال سكان محليون في صنعاء إن المخدرات أصبحت تباع علنا في بعض أحياء المدينة بحماية قياديين حوثيين، حتى أن مروجي المخدرات يتباهون بـ”البضاعة الإيرانية” التي يتم تهريبها من إيران.
والكثير ممن عُرف عنهم تعاطي المخدرات الإيرانية انتهى بهم المطاف كمجندين في صفوف ميليشيا الحوثي، التي تبتزهم كمدمنين أو تحميهم من العقوبات بسبب جرائم ارتكبوها.
وتعد بيئة الإدمان أرضا خصبة لعمليات الاستقطاب والتجنيد التي تنفذها الميليشيات الحوثية عبر حملات واسعة.
وأفاد ناشطون بأن استدراج الشباب من قبل الحوثيين يتم بالتوازي مع عملية نشر وترويج المخدرات في عملية ممنهجة. وأضافوا أنه لا يمكن أن يقبل هؤلاء الشباب بالقتال في صفوف الحوثيين طواعية في ظل ظروف صعبة ومرهقة، كعمليات التسلل الانتحارية.
وأكدت تقارير إخبارية أن المخدرات باتت من أهم الوسائل التي تعتمدها إيران في دعم الحوثيين وذلك إلى جانب مصادر تمويل مختلفة. وتعتمد ميليشيا الحوثي على تجارة المخدرات بشكل كبير لتمويل جبهات القتال والمجهود الحربي.
وتؤكد التقديرات أن الاتجار في المخدرات يعتبر من السبل التي استطاعت من خلالها الجماعة تحقيق ثروات مالية كبيرة، في مخطط تنفذه من أجل نشر الفوضى والمتاجرة بالممنوعات في عدد من المدن، وفي مقدمتها صنعاء.
وبحسب الانتشار يتصدر الحشيش قائمة أصناف المخدرات الأكثر انتشارا في اليمن، نظرا لزراعته في عدة مناطق يمنية، ورخص ثمنه، وأيضا تهريبه إلى اليمن من أكثر من دولة، تليه حبوب الهلوسة وفي مقدمتها الإنكستازين، ثم يأتي الهيروين والأفيون والكوكايين بكميات متفاوتة بين عام وآخر.
كما تشير بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى أن البلاد قد شهدت مؤخرا دخول أنواع أخرى من المخدرات، مثل “الإمفيتامين والفروتونين والبارتيورات والفاليوم”، التي يعتقد أنها دخلت عن طريق التهريب من دول القرن الأفريقي وبعض البلدان العربية والأجنبية.
وأطلق على الكثير من تلك المخدرات أسماء مثل “التمساح”، و”القذافي”، و”التدفق الأحمر”، و”الزهرة الصفراء”، و”غيبوبة الملك”.
ارتباط وثيق بين ميليشيات الحوثي وبين مافيا تهريب وتجارة المخدرات تابعة لإيران.
ولم تعد المخدرات المعروفة بسعرها المرتفع وحدها مقصد المدمنين الشباب، فالفقراء منهم يتعاطون أدوية تصنف ضمن “المؤثرات العقلية” والتي تستخدم دوليا في الأغراض الطبية كمهدئات ومنومات لتخفيف التوتر العصبي، وهي مواد مدرجة في اتفاقية المؤثرات العقلية للأمم المتحدة لسنة 1971 وعددها 12 نوعا.
وينظم قانون المخدرات اليمني لعام 1993 استيراد المؤثرات العقلية، ولم يفصل القانون بين الهروين أو الحشيش أو الكبتاغون الذي يعد ضمن أبرز أسماء المخدرات في العالم، وبين الديزبام والريستيل والبلتن والفاليوم التي تباع في الصيدليات كمخدر وعلاج، والتي ينتشر البعض منها بين الشباب يتناولونه مع القات.
وباتت بعض الصيدليات تسهل تزويد الشباب بالأدوية المهدئة ذات التأثير المخدر دون وصفة طبية بهدف الربح، في ظل غياب الرقابة من قبل وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ورغم أن وزارة الصحة تقول إن هذا النوع من الأدوية مراقب، إلا أن أحد الناشطين قام بتجربة الحصول على بعض أنواع هذه الأدوية مثل الديزبام والريستيل والفاليوم من الصيدليات.
وأضاف الناشط أن “بعض الصيادلة رفضوا البيع رفضا قاطعا دون وصفة طبية، والبعض الآخر قال بأنها ممنوعة، فيما آخرون أشاروا إلى صيدليات معينة توفر هذه الأدوية علانية بسبب نفوذ أصحابها ويبيعونها بعلم وزارة الصحة”.
وأكد أحد الصيادلة أن من يرفض بيع الحبوب المخدرة يتعرض للتهديدات باستمرار، وأن بعض المدمنين يصطحبون معهم مرضى نفسيين إلى الصيدلية ويسعون بكل الوسائل للحصول على الحبوب المخدرة، وهناك أطباء يقومون بكتابة وصفات طبية لمدمنين وليسوا مرضى.وخلال السنوات الأربع الأخيرة تمكنت الأجهزة الأمنية في مأرب والجوف وحجة من إحباط العشرات من المحاولات لتهريب المخدرات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء.
وأوضح تقرير حديث صادر عن وزارة الداخلية اليمنية أن الأجهزة الأمنية تمكنت من ضبط 39 طنا من المخدرات كانت في طريقها إلى ميليشيا الحوثي، مؤكدة أن هذه الأرقام جزء من آلاف الأطنان التي يتم تهريبها عبر طرق ومنافذ عدة.
وأشار التقرير إلى وجود ارتباط وثيق بين ميليشيات الحوثي وبين مافيا تهريب وتجارة المخدرات تابعة لإيران.
وكانت الحكومة اليمنية ضبطت خلال الأعوام الماضية شحنات من المخدرات مصدر قدومها من لبنان وإيران، واتهمت الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله بإرسالها إلى ميليشيا الحوثي في صنعاء.
ضبط المخدرات
الأمر يبدأ بنصيحة من أحد الأصدقاء لتجربة المخدر لمرة واحدة، لتكون تلك أولى الخطوات للإدمان بالنسبة إلى بعض الشباب
وأكد تقرير وزارة الداخلية وجود ارتباط وثيق بين الميليشيات الحوثية وبين عصابات ومافيا تهريب وتجارة المخدرات المرتبطة بإيران وحزب الله اللبناني، حيث تعتمد الميليشيات على المخدرات كمصدر دخل رئيسي في تمويل أنشطتها وبقائها.
في 13 نوفمبر 2020، اعتقلت قوات خفر السواحل اليمنية سفينة كان على متنها ستة بحارة إيرانيين وباكستاني واحد، محملة بنحو طن من المواد المخدرة، قبالة سواحل مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة.
وفي 26 أكتوبر 2020، أحبطت إدارة أمن عدن ثلاثة أطنان من الحشيش معبأة في أكياس خاصة بالسكر في إحدى الحاويات، وكانت الكمية المضبوطة قد أتت على متن سفينة قادمة من البرازيل.
لكن في صنعاء تبدو الأمور مختلفة في ما يخص مصير المواد المخدرة المصادرة، ففي عام 2018 ضبطت الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين كميات كبيرة من المخدرات في أحد المنازل بصنعاء.
وكشف ضابط في إدارة مكافحة المخدرات لوسائل إعلام محلية، أن مسلحي ما يعرف باللجان الشعبية الذين رافقوا عناصر تابعين لإدارة مكافحة المخدرات في ضبط مكان حيازة المخدرات، رفضوا تسليمها إلى إدارة مكافحة المخدرات الجهة المخولة قانونيا بضبط المخدرات والتحفظ عليها.وأضاف “أن مشرفين حوثيين كانوا موجودين أثناء ضبط 400 كيلوغرام من المخدرات، قاموا بنقلها إلى أماكن مجهولة”.
العرب