سارع الرئيس التونسي قيس سعيد لاستباق محاولات تحجيم دوره في علاقة بالسلطة التنفيذية بتصعيد خطابه مجددا ضد خصومه، حيث حذر مساء السبت من مخططات لتقسيم وتفكيك الدولة من الداخل، مؤكدا أن من يراهن على ذلك “سيصطدم بنفس العزيمة التي نواجه بها الإرهاب” في خطوة قد تفاقم المواجهة بينه وبين رئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي من المرجح أن يدفع بتفعيل التعديل الوزاري في خطوة تصعيدية مع الرئيس سعيد.
تونس – استبق الرئيس التونسي قيس سعيد المحاولات الرامية إلى تحجيم دوره عبر تقليص صلاحياته الدستورية في علاقة بالسلطة التنفيذية، بالعودة إلى التحذير من مخاطر تقسيم الدولة من الداخل، بخطاب تصعيدي يدفع الصراع نحو مربعات أخرى من الصدام بعناوين سياسية وأخرى قانونية ودستورية.
وفي كلمة مُرتجلة ألقاها خلال زيارة مفاجئة قام بها مساء السبت إلى المنطقة العسكرية المُغلقة بجبل الشعانبي بمحافظة القصرين بغرب البلاد، رفع الرئيس قيس سعيد سقف المواجهة المباشرة مع خصومه السياسيين، بالتشديد على أن “من يعتقد أن بإمكانه أن يُقسم الدولة، ويُفككها سيصطدم بنفس العزيمة التي نُواجه بها الإرهاب”.
واعتبر أن “الخطر الحقيقي هو تقسيم الدولة ومحاولة ضربها من الداخل تحت تأويلات لنص دستوري أو نص قانوني ظاهره تأويل وباطنه لا يقل إرهابا عمن يتحصنون بالجبال ومن يحرّكهم بين الحين والآخر”.
وخاطب قيس سعيد خصومه بالقول “تونس وشعبها ليسا لقمة سائغة، ومن له الوهم أنه قادر على ضرب الدولة التونسية فهو مُخطئ، الخوف ليس من هؤلاء الذين يتحركون تحت جنح الظلام، لكن لا بد من الانتباه أيضا لمن يتحركون لضرب الدولة التونسية”.
وجدد التأكيد مرة أخرى على أن القوات المُسلحة عسكرية كانت أو أمنية “تبقى كلها تحت قيادة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يعمل على حماية الدولة التونسية من كل الانقسامات”.
وبحسب مصادر سياسية تحدثت لـ”العرب”، فإن عودة الرئيس قيس سعيد إلى مثل هذا الخطاب، وبهذه النبرة التصعيدية، مردها الشعور بأن الكيل طفح مع التجاوزات التي يقوم بها خصومه على مستوى السلطة التشريعية برئاسة راشد الغنوشي، وعلى صعيد الحكومة برئاسة هشام المشيشي.
نورالدين الطبوبي: أطراف تريد تمرير أجنداتها من خلال التحكم في المشيشي
واعتبرت أن قيس سعيد أدرك أنه لم يعد بالإمكان السكوت عما وصفته بـ”الجنوح المُخيف الذي تسير عليه الأمور”، وخاصة منها استمرار الغنوشي في مناوراته التي تستهدف تقليص صلاحياته، ومنها محاولة انتزاع حقه في الدعوة إلى الانتخابات والاستفتاء، إلى جانب تحريض رئيس الحكومة عليه عبر دفعه إلى تفعيل التحوير الوزاري المثير للجدل.
وأكدت أن المشيشي مُصمم على تفعيل هذا التحوير الوزاري، حيث يعتزم الإعلان خلال هذا الأسبوع عن فرض 6 وزراء من بين الـ11 وزيرا الذين شملهم التحوير الوزاري، عبر تمكينهم من أداء مهامهم بقرار حكومي استثنائي يُنشر في الجريدة الرسمية مُتجاوزا بذلك أداء اليمين الدستورية الذي يُفترض أن يتم أمام الرئيس.
وقالت لـ”العرب” إن المشيشي أبلغ عددا من مسؤولي حزامه السياسي والبرلماني، منهم راشد الغنوشي، وبعض نواب حزب قلب تونس، وكتلة الإصلاح (18 نائبا) برئاسة حسونة الناصفي، إنه سيُعين بقية الوزراء وعددهم 5 كمستشارين برتبة وزير مكلفين بملفات تهم نفس الحقائب الوزارية المُسندة لهم.
وأضافت أنه أبلغهم أيضا بأنه سيقدم على هذه الخطوة، ومن له اعتراض عليه الذهاب إلى القضاء (المحكمة الإدارية)، ما يعني أن المشيشي بدأ يندفع نحو مربع المواجهة المفتوحة مع قيس سعيد الذي يبدو أنه استشعر خطورة القفز على مسألة أداء اليمين الدستورية، فسارع إلى استباق ذلك بهذا الخطاب التصعيدي.
ويدرك الرئيس قيس سعيد أن السكوت عن مثل هذا الأمر من شأنه تهديد تماسك السلطة التنفيذية، والاستقرار في البلاد برمته، باعتبار أن هذا التوجه لرئيس الحكومة وحزامه البرلماني يُؤسس لمرحلة جديدة تحمل في طياتها معالم تحلل الدولة وتقسيمها.
الرئيس قيس سعيد اعتبر أن الخطر الحقيقي هو تقسيم الدولة ومحاولة ضربها من الداخل تحت تأويلات لنص دستوري أو نص قانوني
ومع ذلك، رأى مراقبون أن الرئيس قيس سعيد يكون بهذا التحذير قد بعث بأكثر من رسالة سياسية، في توقيت حملت فيه المعطيات والوقائع المباشرة التي سبقت زيارته لجبل الشعانبي، معالم التصعيد والتوتر، وتاليا التشنج الذي عكسته سلسلة التصريحات التي تم فيها الغمز باتجاه تحميله مسؤولية الأزمة الراهنة.
وصدرت تلك التصريحات عن نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، وعن رئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي صعد بشكل لافت من خطابه ضد الرئيس قيس سعيد بعبارات لا تخلو من التحدي الذي عمق مساحة اللاثقة التي تسود بين فرقاء الصراع.
ودعا الطبوبي في كلمة ألقاها بمناسبة احتفال تونس بعيد العمال، الرئيس قيس سعيد إلى تفعيل دوره كضامن لاحترام الدستور، وحام للوطن وأمنه القومي من التهديدات الداخلية والخارجية، والحرص على تجميع الفرقاء والتأليف بينهم على قاعدة الولاء لتونس وحدها.
واعتبر أن أي تأجيل للحوار الوطني الذي ينادي به، سيُفاقم الوضع، باعتبار أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه تونس اليوم “يُنذر بأسوأ المخاطر”، لافتا إلى أن القطيعة بين مكونات السلطتين التشريعية والتنفيذية التي “تُنذر هي الأخرى بتفكك أجهزة الدولة”.
ولم يتردد في المقابل، في توجيه انتقادات حادة لرئيس الحكومة الذي اتهمه بتعميق الأزمة من خلال الخطوات التي اتخذها بدءا بالتحوير الوزاري المثير للجدل، ووصولا إلى التعيينات الأخيرة في مناصب حساسة في الدولة، وحذره قائلا “هناك أطراف تدعي دعمها لك، وهي تريد تمرير أجنداتها من خلال التحكم في قراراتك”، وذلك في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية.
وكان هشام المشيشي قد اتهم ضمنيا الرئيس قيس سعيد بتعطيل مؤسسات الدولة، عندما قال في تصريحات أدلى بها الجمعة الماضي، “للأسف هناك سعي لضرب الدولة، وللأسف أيضا أن أطرافا مؤسساتية انخرطت في هذا السعي”، مؤكدا أن حكومته “ستتصدى لهذه المحاولات”.
العرب