أغلق تسجيل الكيانات والأحزاب والكتل والتحالفات السياسية في المفوضية العليا للانتخابات العراقية في الأول من أيار/مايو الجاري، وباتت التحالفات الانتخابية معلنة. فكيف تم تشكيل الكيانات السياسية؟وهل هناك خريطة سياسية تختلف في معطياتها عما سبقها من دورات انتخابية؟ وهل ستبقى الترويكا العراقية (شيعة، سنة، كرداً) هي المسيطرة على التوصيفات السياسية للكيانات؟ أم ستتمكن بعض التحالفات من اختراق الحدود التي تزداد صلابة مع كل دورة انتخابية، لتكون عابرة للطائفة والإثنية بحق؟
النظرة الأولى لنتائج تسجيل الكيانات والتحالفات والكتل والأحزاب السياسية التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات بلغت 44 تحالفا، وضمت قرابة 260 حزبا وكيانا سياسيا، ووصل عدد المرشحين المسجلين رسمياً لدى المفوضية إلى 1640 مرشحا، ومثلت هذه الأحزاب طيفا شديد التشظي تكون من الكيانات القديمة، وأضيف لها بعض الكيانات السياسية الجديدة التي طرحت نفسها ممثلة ومتحدثة باسم انتفاضة تشرين، وساحات الاحتجاج.
وتجدر الإشارة إلى أن 25 مليون عراقي يحق لهم المشاركة في الانتخابات المقبلة في 83 دائرة، لانتخاب 329 نائباً، وستتم الانتخابات تحت قانون جديد قائم على مبدأ الفوز لأعلى الأصوات، وليس على القانون السابق الذي طبق في أربعة انتخابات سابقة، والقائم على احتساب متوسط القاسم الانتخابي لكل حزب أو كتلة سياسية، وفقاً لطريقة «سانت ليغو». ووفقا لحسابات مراكز الفعل السياسي القديمة يمكننا الإشارة إلى أن الساحة السياسية السنية، تشهد تنافسا بين ثلاث بؤر لتجمع القوى السياسية يمكننا تسميتها بأسماء محافظاتها، اذ هنالك الكتلة السنية الأنبارية وهي تتمحور اليوم حول تحالف «تقدم الوطني» بزعامة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، الذي يسعى لتجميع القوى السنية في كتلة سنية يتوقع المراقبون أنها ستدخل في نوع من الشراكة، أو الائتلاف الانتخابي قصير المدى مع الكرد، أو الشيعة، وقد تحدثت بعض التسريبات عن ترتيبات محمد الحلبوسي مع نجيرفان بارزاني رئيس حكومة أقليم كردستان لهذا الأمر في زيارته لأربيل قبل أيام. وقد انشق عن سنة الأنبار زعيم حزب الحل جمال الكربولي، الذي انضم لكتلة سنة صلاح الدين، التي تتجمع حول رجل الأعمال خميس الخنجر، الذي يقود تحالف «عزم العراق» ، والذي ضم إلى تحالفه كتلة سنة ديالى عبر انضمام حزب (التجمع المدني للإصلاح) الذي يقوده رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، ما شكل بؤرة منافسة وبقوة لكتلة تقدم، التي يقودها الحلبوسي في الشارع السني.
موجة عالية من الرفض تتمحور حول مقاطعة الانتخابات التي لا يتأمل الكثير من شباب حراك تشرين خيرا فيها، ويشككون في نزاهتها
أما الكتلة السنية الثالثة فهي الكتلة الموصلية، التي يقودها نائب رئيس الجمهورية السابق أسامة النجيفي، الذي شكل مع رجل الأعمال العراقي جمال الضاري ائتلاف «المشروع الوطني للإنقاذ» وأكد قادة الائتلاف الجديد على أن «التحالف الوليد سيكون مفتوحا أمام الجميع، ممن يتطابق معنا في الرؤى والأهداف». من ذلك يبدو أن تشظي الصوت السني بات واضحا في البرلمان المقبل، وأن هناك العشرات من الأحزاب السنية الصغيرة، ستتجمع تحت قيادات هذه الكتل الثلاث التي بدورها ستذهب سعيا وراء مصالح كل كتلة أو ائتلاف، للخوض في تحالفات مصلحية مع كتل شيعية أو كردية، لتمرير أجندات سياسية آنية تحقق مطامع قيادات الائتلافات.
أما الساحة الشيعية، فإن الحديث يكاد يكون مشابها لما يحدث في الساحة السنية، فكيانات انتخابات 2018 مازالت موجودة، ومنها كتلة سائرون، التي باتت خالصة للتيار الصدري دون شركاء، وهي تسعى حسب تصريحات السيد مقتدى الصدر للحصول على الحصة الأكبر في البرلمان المقبل ما يؤهلها لترؤس الحكومة المقبلة، بينما تعمل بمواجهتها كتل شيعية كبيرة، وتمثل قوى منافسة شرسة على مقاعد البرلمان، مثل كتلة الفتح بقيادة هادي العامري وقيس الخزعلي، التي تألفت من حركات وكيانات تمحورت حول حركتي بدر وصادقون، وقد باتت هذه الكتلة تمثل صوت فصائل المقاومة الإسلامية الولائية القريبة من طهران، وهي صاحبة صوت عال في الشارع الشيعي، نتيجة ما تمتلكه من إمكانات مالية واقتصادية، ومن تمسكها بسلاح ميليشياتها خارج سيطرة الحكومة، ما ينعكس على شكل سطوة غير خافية في الشارع العراقي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
وكذلك هنالك كتلة دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، المتمحورة حول حزب الدعوة/جناح المالكي وقد تجمعت حوله حركات مثل حركة إرادة بقيادة حنان الفتلاوي، وحزب الله العراقي وبعض الأحزاب الإسلامية الصغيرة. أما تيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم فقد ائتلف مع كتلة النصر الممثلة لحزب الدعوة/جناح رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وانضم لهم حزب المؤتمر العراقي في ائتلاف اطلق عليه (تحالف قوى الدولة الوطنية). أما المجلس الإسلامي الأعلى فسيخوض الانتخابات المقبلة بكتلة صغيرة تحت مسمى (نصحح) بقيادة همام حمودي، وتضم المجلس الأعلى ومنظمة العمل الإسلامي. وتبدو حالة التشظي واضحة أيضا في الشارع الشيعي، إذ لم تعد هنالك كتلة مثل (الائتلاف العراقي الموحد) الذي حاز نصف مقاعد البرلمان في انتخابات سابقة وضم التيارات الشيعية الكبرى: حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري في كتلة واحدة، فرضت وجودها على الحكومة والبرلمان، ونحن اليوم إزاء مشهد يذكرنا بوضع الكتل السياسية الشيعية المتناحرة في انتخابات 2018.
الكرد بدورهم أعلنوا عن مشاركتهم في الانتخابات المقبلة بكتلتين، الأولى هي (تحالف كردستان) المشكل من الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير، ويترأس التحالف الجديد لاهور شيخ جنكي القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني. أما الكتلة الثانية فهي كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، أما «الحركة الإسلامية الكردستانية» فقد أعلنت رسميا عن مقاطعتها الانتخابات المقبلة، معللة سبب ذلك بعدم وجود ضامن لإجراء انتخابات نزيهة في البلاد. ويبدو حال الكرد ليس بأفضل من حال فرقائهم العرب من ناحية التشتت وتوزع مركز الثقل السياسي.
ولابد أن نقف أيضا عند كيانات طرحت نفسها بوصفها عابرة للإثنية والطائفية، ومنها ائتلاف (الوطنية) بقيادة إياد علاوي، وطالما اعتبرت كتلة علاوي ممثلا للسنة، على الرغم من أن زعيمها سياسي شيعي، إلا أنها هذه المرة تحاول أن توصف نفسها بأنها منفتحة على الجميع وقريبة من مطالب ساحات الاحتجاج. وكذلك هناك تحالف القوى المدنية الذي سيضم حركات وأحزاباً علمانية يقف في مقدمتها الحزب الشيوعي، إذ صرح سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي قائلا؛ إن» الحراك جارٍ لإعادة إحياء التحالف المدني الديمقراطي، الذي تفكك في وقتٍ سابق، ونعمل حالياً على إعادة تفعيله، والدخول في الانتخابات المقبلة، وفق السياقات التي يؤمن بها الحزب، ومراعاة المدنية والديمقراطية». وأشار فهمي في تصريح إعلامي إلى أن «التحالف» يضم حالياً «التيار المدني وحزب الأمة بقيادة مثال الألوسي، وهناك تواصل مع أحزاب وكيانات جديدة» مؤكداً «انفتاح الحزب الشيوعي على جميع الكيانات السياسية الشابة، علماً أن عدداً من الكيانات السياسية التقليدية تواصلت معنا، ولكننا نعمل حالياً على التواصل مع الأحزاب الجديدة».
أما ما بات يعرف بأحزاب»تشرين» كناية عن الكتل والكيانات السياسية التي انبثقت من ساحات الاحتجاج، فما زالت صورتها مشوشة في الانتخابات المقبلة، إذ يبدو أن هنالك اتجاهين يتنازعان التشرينيين، الأول الدخول في ائتلافات مع أحزاب موجودة في الساحة السياسية لضمان الحصول على دعم، وبالتالي توفر إمكانية وصول أصوات بعض التشرينيين إلى البرلمان الجديد. بينما في المقابل هنالك موجة عالية من الرفض تتمحور حول مقاطعة الانتخابات التي لا يتأمل الكثير من شباب حراك تشرين خيرا فيها، ويشككون في نزاهتها، ويعتقدون جازمين أنها لن تنتج في ظل الظرف العراقي الحالي إلا تدوير الوجوه الفاسدة القديمة.
صادق الطائي
القدس العربي