في 23 مارس/آذار 2018، فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسوما جمركية بنسبة 25% على الصلب المستورد من كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، مؤكدا للأميركيين أن الهدف من تلك الإجراءات هو الحد من المنافسة الأجنبية “غير العادلة” وإنعاش صناعة الفولاذ المتعثرة في الولايات المتحدة وخلق الآلاف من الوظائف ذات الأجور المرتفعة، وبعد 5 أشهر، كتب ترامب على تويتر “كان للرسوم الجمركية تأثير إيجابي هائل على صناعة الفولاذ في بلدنا”.
في تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” (foreign affairs) الأميركية، يقول الكاتبان بين ستيل وبنجامين ديلا روكا، إن تلك الرسوم لم تحقق الأهداف التي تحدث عنها ترامب، بل شكلت عبئا كبيرا على الشركات الأميركية الموردة للفولاذ، وكلّفتها خسائر سنوية تقدر بـ3 مليارات دولار.
انخفضت أسعار الفولاذ في الولايات المتحدة، بنسبة 14% مقارنة بما كانت قبل فرض الرسوم الجمركية، وخلال تلك الفترة، لم تتجاوز معدلات التوظيف في مصانع الفولاذ نصف المعدل العام في القطاع الخاص، وانخفضت أسعار أسهم شركات الفولاذ الأميركية بنسبة 20%.
وبحلول موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، كانت أسعار الفولاذ أقل بـ12% مما كانت عليه قبل فرض الرسوم الجمركية، وانخفض التوظيف في مصانع الفولاذ بنسبة 4.2%، وفقدت أسعار أسهم شركات الفولاذ الأميركية 28% من قيمتها.
في الواقع، فرضت هذه التعريفات تكلفة باهظة على قطاع التصنيع الأميركي بأكمله ووضعت الشركات الأميركية التي تستخدم الفولاذ في مأزق حقيقي على صعيد المنافسة في الأسواق العالمية، ويعمل حاليا 80 ألف أميركي فقط في شركات إنتاج الفولاذ، مقابل 4 ملايين عامل في الشركات التي تستخدم الصلب، بما في ذلك شركات صنع السيارات والطائرات والآلات والمعادن.
عوامل الفشل
يرى الكاتبان أن هناك 3 عوامل رئيسية جعلت هذه الإجراءات تفشل في تحقيق هدفها المعلن بحماية صناعة الفولاذ الأميركية، وهي:
ويؤكد الكاتبان أن حظوظ صناعة الفولاذ الأميركية في التعافي ارتفعت بشكل كبير منذ هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية أواخر العام الماضي.
فبين 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 و30 أبريل/نيسان 2021، ارتفعت أسعار أسهم الفولاذ بنسبة 87%، متجاوزة مستويات ما قبل الرسوم الجمركية.
كما ارتفع معدل التوظيف في مصانع الفولاذ بنسبة 1.4% بحلول فبراير/شباط الماضي، رغم انخفاض المعدل الإجمالي في القطاع الخاص بنسبة 1%، ويعود هذا الانتعاش جزئيا إلى عدد من العوامل، من بينها انخفاض إمدادات الفولاذ القادمة من مقاطعة “خبي” الصينية، وهي منطقة منتجة للفولاذ تضررت بشدة من الوباء.
غير أن فوز بايدن لعب بلا شك دورا رئيسيا في هذا الانتعاش، وتعهد الرئيس الأميركي الجديد بإنفاق تريليوني دولار على تحديث البنية التحتية في قطاع الفولاذ، وقطع ترامب وعودا مماثلة أثناء حملته الانتخابية في 2016، لكنه لم ينفذ شيئا بعد توليه المنصب.
ومع سيطرة الديمقراطيين حاليا على البيت الأبيض والكونغرس بمجلسيه، فإن الاستثمارات في البنية التحتية تبدو شبه مؤكدة، وقد اقترح الجمهوريون رصد مبلغ 568 مليار دولار في هذا الشأن.
وقال مسؤول تنفيذي في إحدى شركات الفولاذ الأميركية في ديسمبر/كانون الأول الماضي “سيكون مشروع قانون البنية التحتية ضخما ومفيدا جدا لهذه الصناعة”.
وحسب الكاتبين، فقد كان تعامل بايدن مع الأزمة الصحية -على صعيد إنتاج اللقاح وتوزيعه وتقديم الدعم المالي للعائلات المتضررة والشركات الصغيرة- أفضل بكثير من استجابة ترامب.
ورغم أن ترامب توقع انهيار الاقتصاد إذا فاز بايدن بالانتخابات، فإن ما حدث هو العكس تماما، حيث انتعش الاقتصاد الأميركي في ظل التوقعات المتفائلة بشأن نهاية الوباء وانحسار أضراره الاقتصادية.
ومع وجود بايدن في البيت الأبيض، هناك أمل حقيقي بأن تخف التوترات التجارية العالمية، وخلال حملته الانتخابية، كان بايدن حذرا في مناقشة مصير الرسوم التي فرضها ترامب، لكنه تحرك بعد تولي المنصب باتجاه إلغاء التعريفات المفروضة على الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
ومن شأن هذه القرارات التي تخفف التوتر التجاري مع حلفاء الولايات المتحدة إنعاش قطاع التصنيع الأميركي، وهو ما يعني بدوره ارتفاع مبيعات الفولاذ في الولايات المتحدة.
أهم الدروس
وما زالت صناعة الفولاذ في الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة، حيث انخفض معدل التوظيف منذ أن تولى ترامب منصبه مطلع 2017، ومن المرجح أن يستمر في الانخفاض مع زيادة الأتمتة، لكن حل هذه المعضلة لا يكون بفرض الرسوم الجمركية وإنهاك قطاع التصنيع مثلما فعل ترامب.
والمسار الأنسب لإدارة بايدن، بدلا من معاداة الدول الحليفة، هو توسيع نطاق المساعدات وإعادة تأهيل العمال الذين فقدوا وظائفهم في إطار برامج المساعدة على التكيف التجاري وﻗﺎﻧﻮن اﻻﺑﺘﻜﺎر واﻟﻔﺮص ﻟﻠﻘﻮى اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ.
وحسب الكاتبين، فإن الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من فشل السياسة التجارية خلال رئاسة ترامب، والذي يكرره الخبراء منذ كارثة تعريفات “سموت-هاولي” في ثلاثينيات القرن الماضي، هو أن الحروب التجارية ليست الحل الأنسب والأقل تكلفة، حيث فشلت التعريفات الجمركية على الفولاذ في إنعاش صناعة الفولاذ الأميركية، بل تسببت في ارتفاع التكاليف وانخفاض فرص التصدير للمصنعين الأميركيين.
وحتى في ظل استمرار الحرب الاقتصادية مع الصين، فإن استعادة العلاقات التجارية مع الحلفاء، ومؤشرات النمو التي تلوح في الأفق من خلال الاستثمار في البنية التحتية، تشكل مصدرا للتفاؤل بانتعاش قطاع الفولاذ في الولايات المتحدة.
المصدر : فورين أفيرز