السلة فلسطينية والعنب لإيران

السلة فلسطينية والعنب لإيران

لو تُركت الانتفاضة الجديدة على عفويتها وشعبيتها وشجاعة جماهيرها الصامدة الصابرة، وبقيت دون صواريخ لأحرجت الإسرائيليين والأميركان ومجلس الأمن الدولي الذي فقد البصر والبصيرة.
في كل مرة، وعندما يعتقد العالم بأن أوراق القضية الفلسطينية قد طويت وأصبحت ملفا مُغلقا ومختوما بالشمع الأحمر ومركونا على الرفوف العالية، وصار على الشعب الفلسطيني التسليم بقضاء الله وقدره، والقبول بالعيش تحت وصاية المنتصر الإسرائيلي، والاكتفاء بالبكاء على الأطلال المتبقية من فلسطين، يرتكب المستوطنون اليهود حماقة من حماقاتهم اللاأخلاقية فيفتحون أبواب جهنم جديدة على أنفسهم وحكومتهم، وعلى الشعب الفلسطيني، ويُثبتون للعالم أن فلسطين قضيةٌ حيّة لم تمت، ولن تموت.

فما فعله اليهود، حكومة وجيشا وشعبا، في القدس وغزة، مؤخرا، لا يمكن وضعه بغير خانةِ الغرور والغطرسة والغباء.

فالغارات الجوية والبحرية والبرية على المنازل والمؤسسات والمساجد والمستشفيات ودوائر الأمن في قطاع غزة، والمستمرة منذ أيام، والتي يرفض نتنياهو وقفها، برهانٌ مؤكد على أن الثقة بإسرائيل سذاجة، وأن أوراق التطبيع القديمة والجديدة لم ولن تخفف من غلوائها وأطماعها، ولو بمقدار.

إن دموية نتنياهو الجديدة قتلت الأحلام التي راودت المتفائلين العرب والأجانب في إمكانية حفلات التطبيع الأخيرة في تسهيل ولادة سلام عادل وشامل يضع نهاية لعصور الغزو والاستيطان، ويجنب الفلسطيني واليهودي، معا، الخوف من الغد، وسيولاً من الدم والدموع.

ولو تُركت الانتفاضة الجديدة على عفويتها وشعبيتها وشجاعة جماهيرها الصامدة الصابرة، وبقيت دون صواريخ لأحرجت الإسرائيليين والأميركان ومجلس الأمن الدولي الذي فقد البصر والبصيرة، وعرب التطبيع، ولأعادت فتح الملفات القديمة، ولابتدأ الحساب والكتاب.

ولكن الحرب التي أشعلتها كتائب القسام والجهاد الإسلامي التابعة لحماس الموالية لإيران ضد إسرائيل نتنياهو عبثية استعراضية خاسرة، مقدما، لأنها بين قوتين غير متكافئتين، ولأن العامل الدولي ما زال منحازا لإسرائيل، حتى وهو يعرف أنها ظالمة، وأن ظلمها بلا حدود.

نعم إن صواريخ حماس قتلت بضعة يهود، ولكن ليس بينهم عسكري محارب واحد، وأطلقت صفارات الإنذار، وأرعبت المستوطنين، وأصابت بضع سيارات، وكسرت زجاج بضعة منازل، إلا أن شهداءنا وجرحانا والمدفونين من أبنائنا وبناتنا تحت الأنقاض أكثر، وبالمئات. والأكثر إيلاما أنها تضحيات مجانية دون ثمن.

الحرب التي أشعلتها كتائب القسام والجهاد الإسلامي التابعة لحماس الموالية لإيران ضد إسرائيل نتنياهو عبثية استعراضية خاسرة، مقدما، لأنها بين قوتين غير متكافئتين، ولأن العامل الدولي ما زال منحازا لإسرائيل، حتى وهو يعرف أنها ظالمة، وأن ظلمها بلا حدود

فهويتها الإيرانية المكشوفة أفقدتها ما كان يلزمها من وقفة عربية ودولية صادقة وحازمة وشاملة تخلط أوراق القضية، وتجبر الجميع على العودة إلى العقل والعدل، ولو على مراحل.

فصواريخها العبثية لم تفعل سوى أنها فتحت شهية نتنياهو للمزيد من القتل، والكثير من التدمير، بذريعة الدفاع عن النفس، وأيده في ذلك الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته وأكثر من زعيم أوروبي منافق طالب القاتل والمقتول بضبط النفس بعد خراب البيوت.

إنها حرب إيرانية مع إسرائيل، ولكن بدم الإنسان الفلسطيني ورزقه وكرامته، لا من أجل محو إسرائيل، كما وعد الخميني ووريثه علي خامنئي من قبل ما يقرب من نصف قرن، ولكن لتحقيق حزمة أهداف سياسية توسعية طائفية عنصرية أنانية، أولها للاستهلاك الداخلي، حيث أراد أن يقنع مواطنه الإيراني الغاضب على جبنه وعدم رده على مسلسل الغارات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية المدمرة المُهينة على مجاهديه ومخازن سلاحه في سوريا والعراق ولبنان، وفي إيران ذاتها، ويقول له إنه ردَّ أخيرا من غزة بصواريخ إيرانية ولكن بأيدي وكلائه في جمهورية حماس.

وثانيها إشغال حكومة نتنياهو وحملها على التوقف عن الضغط على إدارة بايدن لمنعها من العودة إلى الاتفاق النووي القديم دون تعديل، ومن رفع العقوبات وإطلاق الأموال المجمدة.

وثالثها الضغط على إدارة بايدن التي تشتهي العودة إلى الاتفاق النووي، دون تعديل، ولكنها محكومة بضغوط داخلية من بعض حزبها الديمقراطي، ومن كل خصمها الجمهوري، ومن حلفائها في المنطقة.

ورابعها إبطال أو تعطيل اتفاقات التطبيع العربية – الإسرائيلية القديمة والجديدة، أو تعقيدها على الأقل، بجرّ نتنياهو إلى حملات قمع وتدمير جديدة، ثم بتوظيف الغضب الشعبي الساخن الذي كان لا بد أن يشتعل بسببها في دول التطبيع العربية ذاتها، وفي خارجها، على جرائم نتنياهو ضد المدنيين الفلسطينيين.

وخامسها وقف الهجمات الإسرائيلية على مواقع الحرس الثوري والميليشيات، وعدم المغامرة مجددا بالتسلل إلى داخل إيران لممارسة الاغتيال أو لتفجير مواقع حساسة.

لقد كان الواجب الوطني والأخلاقي والجهادي يفرض على حماس، قبل أن تطلق صواريخها على مدن داخل فلسطين المحتلة، أن تسأل الولي الفقيه، هل هو جاهز ومستعد لاغتنام فرصة الحرب الجديدة التي تنوي إشعالها فيعلن النفير العام ويقرر الدخول الشامل إلى فلسطين، جوا وبحرا وبرا، من جنوب لبنان والجولان وغزة، بكل جيوشه وصواريخه ومسيَّراته وبوارجه وطائراته وميليشياته العراقية واللبنانية والسورية واليمنية، ليجعلها الحرب الأخيرة التي يفي فيها، أخيرا، بوعده، فيحرر فلسطين من النهر إلى البحر، ويمحو إسرائيل في سبعة أيام؟ وهو الذي عودنا على خوض حروبه بالواسطة، ومن بعيد. فإن نجحت فهو صاحب نجاحها، وإن فشلت فهو لم يخسر سوى حزمة صواريخ وبعض الخام والطعام والمزيد من الخيام.

لكن العتب ليس عليه، بل على قادة حماس والجهاد الإسلامي الذين خربوها وجلسوا على تلها. أشعلوها ثم تواروْا عن الأنظار وتركوا رفاقهم ومواطنيهم يتلقون صواريخ نتنياهو، وحيدين، ودون معين.

إبراهيم الزبيدي

العرب