فشل مراهنة حماس على معادلة البطل والضحية في آن واحد

فشل مراهنة حماس على معادلة البطل والضحية في آن واحد

غزة – خاضت حماس معركتها الخاصة مع إسرائيل من خلال إطلاق الصواريخ بكثافة غير مسبوقة، ونقلت المعركة من صورة تقليدية عن مواجهة بين احتلال وشعب محتل إلى حرب بين دولتين ورسمت لنفسها، فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، صورة البطل الخارق، وفي الخطاب الموجه للغرب سعت للظهور بمظهر الضحية التي فرضت عليها حرب غير متكافئة.

واستفادت في رسم الصورة الأولى بإعلام تقليدي موال لها مثل الإعلام القطري والتركي والإيراني وفي دول إسلامية بشرق آسيا ما تزال تنظر إلى ما يجري على أنه حرب دينية مقدسة. لكن الاستفادة الأكبر كانت من وسائل التواصل الاجتماعي التي قامت بنقل تصريحات قيادات حماس وخطاباتهم وبياناتهم على نطاق واسع وساهمت في خلق صورة البطل التي تبحث عنها الحركة.

ورغم أن صواريخ حماس ظلت خلال أيام المواجهة الجديدة مثلما كانت من قبل دون تأثير في مسار الحرب، خاصة أنها كانت تطلق دون دقة كافية فتسقط إما عن طريق القبة الحديدية أو في مناطق بعيدة عن أهدافها، فإن الإعلام الموالي لحماس، وأغلبه جمهور الإخوان المسلمين في المنطقة، قد عمل على الترويج لكون الحركة تخوض معركة مقدسة وأنها قادرة على ابتكار أشكال قتالية من سلسلة الخوارق التي تروى في التاريخ الإسلامي عن الأبطال.

ونفخ هذا الجمهور في فاعلية الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تقول حماس إنها نجحت من خلالها في استهداف بعض المواقع الإسرائيلية، وسرى الحديث عن “غواصة “حماس سريان النار في الهشيم، وهو أمر زادته تهديدات أبوعبيدة، الناطق باسم كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس، انتشارا.

وتم تصوير محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، الذي فقد في حروب سابقة يدا وذراعا وبات بعين واحدة، في صورة الكائن الخارق الذي يتحكم في مصير الحرب ويعطي المهل للإسرائيليين للتزود بالمؤونة، كما لو أنه قائد حقيقي على الأرض وليس شبحا تطارده الاستخبارات الإسرائيلية.

وقال أبوعبيدة في أحد بياناته إن “قرار قصف تل أبيب والقدس وديمونا وعسقلان وأسدود وبئر السبع وما قبلها وما بعدها أسهل علينا من شربة الماء”.

وإذا كانت صورة الأفعال الخارقة لحماس وللضيف ولأبوعبيدة، على وجه الخصوص، قد وجدت رواجا في الإعلام الموالي للحركة وجمهور الإسلاميين في المنطقة، فإنها بالمقابل قد زادت من التفاف الغرب حول إسرائيل، وباتت دول، كانت في السابق تعارض بشدة القصف الإسرائيلي في غزة، تقول إن إسرائيل من حقها الدفاع عن نفسها بمواجهة صواريخ حماس التي تضرّر منها مدنيون في إسرائيل.

ويقول مراقبون إن حماس، ومن قبلها حزب الله، قد تكون قد نجحت في تضخيم صورتها لدى الجمهور العربي الذي ما يزال يحن إلى القدس ويتعاطف مع الفلسطينيين، لكنها جلبت المزيد من المصائب للفلسطينيين أنفسهم بفتح الأبواب لحرب غير متكافئة مع إسرائيل وتركهم يواجهون مصيرهم أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية المتغطرسة التي تراجعت الضغوط عليها في موضوع المدنيين وضرب البنى التحتية بسبب صواريخ حماس وتهديدات أبوعبيدة التي عادت بالحرب إلى الخطاب الشعبوي في ستينات القرن الماضي.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن حماس قدمت للغرب دليلا إضافيا على أنها حركة تمارس العنف والإرهاب ولا تفرّق بين الجيش الإسرائيلي والمدنيين، تماما مثل إسرائيل، وأنها باتت جلادا بالرغم من الخطاب الذي يروّج لها كحركة مقاومة.

ولم تقدر حماس على ترويج خطابها التقليدي القائم على الازدواجية، وإذا كانت صورة البطولة قد انطلت على جمهور غير محدود من العرب، فإن صورة الضحية فشلت في كسب التعاطف الغربي بما في ذلك لدى المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان وبموضوع اللاجئين.

وانتكس التعاطف الدولي مع الفلسطينيين، وخاصة لدى دول غربية قبلت باستقدامهم في العقود الأخيرة بصفتهم لاجئين سلميين، وقد تضطر الدول والجمعيات الغربية إلى تغيير نظرتها بسبب اختراق خطاب العنف للجمهور الفلسطيني مثل ما حدث في النمسا مؤخرا برفع العلم الإسرائيلي مع أنها كانت من أكبر المتعاطفين مع الفلسطينيين في أوروبا.

وقال الكاتب السياسي الأميركي نيكولاس كريستوف إن حماس وإسرائيل متورّطتان في جرائم حرب في الصراع الحالي في غزة.

ويرى المحلل السياسي البريطاني دونالد كاينتاير أن رفض القتال من قبل الحكومات الديمقراطية الغربية لا يعني إطلاقاً التغاضي عن استخدام حماس للصواريخ أو تبريره خلال التصعيد الحالي. لكنه بمثابة “تذكير بأن العالم يتجاهل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني حتى تخرج الأمور عن السيطرة بالكامل”.

وسعت حماس عن طريق خطاب الضحية لاختراق الجبهة المقابلة الداعمة لإسرائيل، وظهر قياديون في حماس في وسائل إعلامية غربية وإسرائيلية، وعملوا على نفي الاتهامات الخاصة باستهداف المدنيين وخاصة نفي الرغبة في إظهار البطولة في مواجهة إسرائيل.

وقال يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحماس في حديث لصحيفة إيطالية إن “أيّ حرب جديدة ليست في مصلحة أحد وبالتأكيد ليست في مصلحتنا، فلا أحد لديه الرغبة في المواجهة بمقلاع ضد قوة نووية”.

وفيما عمل الإعلام الموالي لحماس على نقل تصريحات في غالب الأحيان مجتزأة عن اعتراف “خبراء” ومسؤولين إسرائيليين سابقين يتحدثون عن انتصار حماس على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والأثر الاستراتيجي لصواريخ حماس في هزّ صورته وشعبيته في الشارع الإسرائيلي، لكن النتائج على الأرض تقول عكس ذلك، فهو ما يزال ممسكا بقرار استمرار الحرب وحوّل الضغوط الدولية بشأن المدنيين إلى ورقة بيديه من خلال اتصالات وتصريحات مسؤولين غربيين تشدد على حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها، وتتفهم استمراره في ضرب البنى التحية في قطاع غزة.

ويعتقد مراقبون فلسطينيون أن المكاسب الحالية لحماس من الحرب، وأساسا ما تعلق بالتعاطف في الشارع، ستتعرض إلى هزة شديدة بعد وقف الحرب حين يقف الفلسطينيون على الخسائر التي تعرضوا لها، وفقدان المكاسب الصغيرة التي كانت بين أيديهم والتي فقدوها في حرب غير متكافئة واستعراض سياسي بين حماس ونتنياهو.

ونجحت حماس في الضغط على حركة فتح والرئيس محمود عباس وجرّتهما إلى أجندتها من خلال دعم المواجهة غير المتكافئة مع إسرائيل، وهو موقف يرتبط، وفق المراقبين، بحسابات سياسية آنية للرئيس عباس الذي يستمر بالتحالف مع حماس لمواجهة المعارضة داخل فتح.

ويقول المراقبون إن الرئيس عباس سيكون أحد أبرز ضحايا حرب حماس وإنه سيفقد الدعم العربي والغربي لشخصه وللسلطة الفلسطينية، وقد تكون هذه المواجهة قد كتبت نهايته كشخصية فلسطينية وفاقية.

العرب