تدشّن مدينة عدن وعدد من مناطق جنوب اليمن، بدءا من الجمعة، موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة من سوء الأوضاع المعيشية وعدم الاستقرار الأمني وتردّي الخدمات، تتوقّع مصادر محلّية أن تبلغ مديات غير مسبوقة وأن تفضي إلى نتائج سياسية مؤثّرة، حيث تأتي بمثابة إعلان أخير عن فشل السلطة التي تدير تلك المناطق عن طريق حكومة غير متجانسة.
عدن- كشفت مصادر سياسية يمنية لـ”العرب” عن تصاعد الخلاف بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية إلى درجة غير مسبوقة منذ التوقيع على اتفاق الرياض، مشيرة إلى تلويح قيادة الانتقالي باتخاذ قرارات صعبة على خلفية ما تعتبره سياسة حكومية ممنهجة للحيلولة دون معالجة أزمة الخدمات الخانقة التي تمر بها مدينة عدن وخصوصا انقطاع التيار الكهربائي.
وتشهد العاصمة اليمنية المؤقتة حالة متصاعدة من السخط الشعبي نتيجة انهيار الخدمات في المدينة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، في ظل تبادل للاتهامات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي حول المسؤولية عن تردي الأوضاع، وبروز مؤشرات على توظيف هذا الملف في سياق الصراع السياسي المحتدم بين الانتقالي وأطراف في “الشرعية” اليمنية معارضة لاتفاق الرياض.
وفي مؤشر على إمكانية ذهاب الخلاف إلى مستوى أكثر خطورة بين الحكومة والانتقالي لوح عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي في اجتماع، ضم رئيس وأعضاء اللجنة الاقتصادية والدائرتين واللجنتين الاقتصادية والقانونية بالأمانة العامة والجمعية الوطنية للمجلس وعدد من كوادر وقيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، الثلاثاء باتخاذ إجراءات جديدة لمواجهة تداعيات الانهيار الاقتصادي المتسارع وتردي الخدمات وتأخر صرف الرواتب و”سياسة العقاب الجماعي الممنهجة التي تمارسها قوى متنفذة في هرم الرئاسة اليمنية”، بحسب ما جاء في بيان صحافي نشره إعلام الانتقالي.
وفي تصريح لـ”العرب” قال منصور صالح نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي إن سبب الخلاف هو فشل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها في تحسين الخدمات في عدن وباقي المحافظات، وهو بند وشرط أساسي في اتفاق الرياض، مع عجزها حتى عن الكشف عمن يقف خلف إفشالها.
منصور صالح: الحكومة عاجزة حتى عن كشف ومواجهة من يعمل على إفشالها
وأضاف “للأسف منذ عودة الحكومة لم تنجز شيئا، بل إنها وبدلا من البقاء والوفاء بالتزاماتها هربت إلى حضرموت”، موضّحا “نحن نعتقد أن الحكومة تتعرض لضغوط ومحاولة لإفشالها ولا تبدو قادرة على مواجهة هذه الضغوط”.
وذكر صالح أن رئيس المجلس الانتقالي دعا الحكومة للعودة إلى عدن. وتابع “نأمل أن تعود قريبا وعليها أن تدرك أن شعبنا لن يرهن حياته ومعيشته لحكومة تتهرب من التزاماتها وتعجز عن مهام روتينية بالنسبة إلى أي حكومة”.
وكان رئيس الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض ومعظم وزرائها قد غادروا مدينة عدن تباعا في أعقاب التظاهرة الشعبية التي شهدتها عدن منتصف مارس الماضي ووصلت إلى بوابات قصر معاشيق مقر الحكومة، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات وتأخر صرف رواتب موظفي الدولة.
وتتهم دوائر حكومية المجلس الانتقالي بالوقوف خلف تلك التظاهرات، في الوقت الذي يعتبر فيه المجلس أن الحكومة تسعى للتهرب من استحقاقات اتفاق الرياض وتعمل على ممارسة عقاب جماعي على سكان المناطق المحررة التي يتزايد فيها حضور الانتقالي الشعبي والعسكري والسياسي.
وتترافق الاتهامات المتبادلة بين الطرفين مع مؤشرات على إمكانية تجدد المواجهات العسكرية التي شهدتها محافظة أبين قبل تشكيل الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض، وإمكانية امتداد تلك المواجهات إلى مناطق جديدة تحتشد فيها قوات شبه رسمية تابعة لجماعة الإخوان في منطقة طور الباحة بمحافظة لحج ومناطق أخرى شمال عدن.
ومنذ التوقيع على اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي سادت أجواء من عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين، مع بروز تيارات مؤثرة مناهضة للاتفاق الذي نفذت أهم بنوده السياسية من خلال التوافق على شكل الحكومة التي شارك فيها وزراء من الانتقالي لأول مرة، في الوقت الذي تعثر فيه تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق بشكل كامل، بالتوازي مع فشل خيارات الحسم العسكري التي راهن عليها الطرفان في محاولة لتغيير موازين القوة العسكرية عبر مواجهات استمرت شهورا في محافظة أبين (شرق عدن) تحولت في مرحلة لاحقة إلى حرب استنزاف مستمرة بين الطرفين.
واعتبر مراقبون للشأن اليمني أن العودة المفاجئة لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ومعظم قياداته السياسية والعسكرية، التي ظلت خارج اليمن منذ التوقيع على اتفاق الرياض، مؤشر لافت على تصعيد مرتقب قد تشهده الفترة القادمة مع الحكومة اليمنية التي يتهمها المجلس بمحاولة تعميق الأزمات في عدن لخلق حالة نقمة شعبية تجاه الانتقالي الذي تتهمه الحكومة في المقابل بأنه المتسبب في انهيار منظومة الخدمات وتردي الوضع المعيشي في عدن.
وفي الوقت الذي تحاول فيه قيادات الانتقالي تحسين موقفها السياسي والعسكري لمواجهة الضغوط الحكومية وحجز مقعد على طاولة مشاورات الحل النهائي تعمل أطراف مؤثرة داخل الحكومة على تعزيز حضورها في مناطق جنوبية محررة مثل حضرموت والمهرة ولحج لتوسيع النطاق الجغرافي لنفوذها جنوبا واستنساخ تجربة محافظة شبوة التي خرجت بشكل شبه كلي من دائرة تأثير المجلس.
ويؤكد مراقبون ان وضع الحكومة اليمنية بات أكثر تماسكا في المحافظات الجنوبية التي كانت توصف بالمحايدة قبل توقيع اتفاق الرياض، بينما شهدت حالة الزخم السياسي والشعبي في مناطق نفوذ الانتقالي تراجعا ملحوظا بعد تشكيل الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض، والتي شارك فيها المجلس بعدد من الوزراء، الأمر الذي ألقى بظلاله على حدة الخطاب الثوري للمجلس وتقليص مساحة حضوره الشعبي والإعلامي في الشارع الجنوبي.
ويشير خبراء في الشأن اليمني إلى ان أكبر المخاطر التي تهدد مكاسب المجلس الانتقالي التي تراكمت خلال السنوات الماضية تتمحور حول تعدد أشكال المناهضين له داخل دائرة التأثير الجنوبية وخارجها، وفي مقدمة هؤلاء الكتلة الجنوبية داخل الشرعية المؤيد للوحدة والتيار الحراكي المطالب بالانفصال المدعوم من إيران وقطر بزعامة حسن باعوم والذي باتت مطالبه المتعلقة بفك الارتباط مع الشمال تتجاوز خطاب الانتقالي ذاته.
المجلس الانتقالي يعتبر أن الحكومة تسعى للتهرب من استحقاقات اتفاق الرياض وتعمل على ممارسة عقاب جماعي على سكان المناطق المحررة
كما يواجه الانتقالي أطيافا أخرى من الخصوم والأعداء غير المنضبطين أو غير الملتزمين باستحقاقات اتفاق الرياض، أو أي إطارات سياسية، وفي مقدمة هؤلاء ما يسمى “الحشد الشعبي” المدعوم من قطر والذي يتحفز على تخوم محافظة لحج لفتح جبهة جديدة باتجاه عدن في أي جولة مواجهات مرتقبة.
ويواجه الانتقالي خصوما أيديولوجيين داخل مساحة وجوده الجيوسياسية المفترضة التي تضم مختلف أطياف وتيارات الإسلام السياسي، وخصوصا جماعة الإخوان التي باتت تنشط إعلاميا وشعبيا في عدن ومحافظات جنوبية أخرى لتأليب الرأي العام ضد قيادة المجلس وتحميلها مسؤولية الفشل الأمني والانهيار الخدمي في تلك المناطق، إضافة إلى التصعيد الذي تبديه تنظيمات إسلامية مسلحة مثل القاعدة تجاه الانتقالي بوصفه عدوا وجوديا وامتدادا للنفوذ الغربي.
وكان تنظيم القاعدة في اليمن قد وزع مؤخرا إصدارا مرئيا جديدا عبر ذراعه الإعلامي “مؤسسة الملاحم”، تضمن توثيقا لسلسلة من الهجمات قام بها التنظيم ضد نقاط تابعة للحزام الأمني في محافظة أبين، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، كما احتوى الإصدار على خطاب تحريضي تكفيري ضد المجلس وعناصره وأنصاره.
العرب