مدريد تتنصّل من أخطائها تجاه الرباط باتهامات غير واقعية

مدريد تتنصّل من أخطائها تجاه الرباط باتهامات غير واقعية

دخلت العلاقات المغربية – الإسبانية منعطفا خطيرا بعد التصريحات التصعيدية من الطرف الإسباني فجرتها أزمة المهاجرين. واتهمت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلز الخميس المغرب بـ”ابتزاز على الحدود مع سبتة” التي اعتبرتها جزءا من بلادها، والتشكيك في السلامة الإقليمية للأراضي الإسبانية.

الرباط – اتهمت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلز المغرب بالاعتداء والابتزاز على الحدود مع سبتة، بسبب تفاقم أزمة المهاجرين التي تعتمدها إسبانيا كورقة ضغط على المغرب، في خطوة تعكس حسب مراقبين تصعيدا جديدا في العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد.

وكرّرت وزيرة الدفاع الإسبانية ما قاله مارغاريتيس شيناس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، عن أزمة سبتة عندما أورد أن “سبتة هي أوروبا، وهذه الحدود هي حدود أوروبية، وما يحدث هناك ليس مشكلة مدريد إنما مشكلة أوروبية”.

وعلق الأكاديمي والمحلل السياسي هشام معتضد قائلا “إن اعتبار سبتة أوروبية وحدودها أوروبية يعتبر خطابا خطيرا وتجاوزا غير مقبول به سياسيا على مستوى الخطاب الدبلوماسي تجاه الرباط والشعب المغربي”، مضيفا أن “المسؤول الأوروبي الذي لم تكن له القدرة السياسية على تفكيك التطورات الأخيرة في منطقة سبتة المحتلة ووضعها في إطارها البيئي والإقليمي اختار تبني رؤية استعمارية وتعبير سياسي خارج التاريخ والجغرافيا”.

وتتضامن وزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا مع زميلتها في الدفاع، عند قولها “إن بلادها حازمة في الدفاع عن حدود بلادها وأمنها، مؤكدة أن الهجرة الجماعية التي عرفتها سبتة خلال الأيام القليلة الماضية ردّ مدبر من المملكة على استقبال إسبانيا لحالة إنسانية مريضة، مشددة على أن بلادها لن تتراجع عن موقفها من نزاع الصحراء”.

وحذرت مصادر إسبانية من تداعيات “أخطاء لا تغتفر” ارتكبتها الحكومة من خلال المخاطرة بعلاقاتها مع المغرب، لكن وزيرة خارجية إسبانيا، لم تعر تلك التحذيرات أهمية قائلة إن بلادها “ملتزمة إزاء إبراهيم غالي بتقديم المساعدة الطبية حتى شفائه، وإذا كانت لديه قضايا لدى المحاكم الوطنية، فإنه يتعين عليه أن يخضع للإجراءات المتخذة في هذا الصدد مثل أي مواطن آخر”.

وأثرت الأزمة التي تسببت فيها أخطاء الحكومة الإسبانية على تنسيق البلدين في مجالات عديدة منها مكافحة الهجرة غير القانونية. وزاد التوتر منذ أبريل الماضي، عندما استقبلت مدريد رئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي بهوية مزورة ودون إعلام المغرب، حيث قالت السلطات الإسبانية إنه لدواع إنسانية، مما أثار سخط الرباط.

وقال وزير الخارجية ناصر بوريطة، الخميس، إن السبب الحقيقي “للأزمة” مع إسبانيا هو استقبال الأخيرة لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي بهوية مزورة.

وأضاف في تصريحات لوكالة المغرب الرسمية أن “الهجوم الإعلامي الإسباني تجاه المغرب على أساس أخبار زائفة لا يمكن أن يخفي السبب الحقيقي للأزمة وهو استقبال مدريد لزعيم ميليشيات البوليساريو بهوية مزورة”.

وأردف بوريطة: “يتعين على مدريد أن تعي بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وعلى بعض الأوساط في إسبانيا أن تقوم بتحيين نظرتها للمغرب “، داعيا إسبانيا، إلى “التحلي بالشفافية إزاء الرأي العام الإسباني”.

وأكدت كريمة بنيعيش، سفيرة المملكة المغربية في إسبانيا، في تصريح صحافي أنه “في العلاقات بين الدول، هناك أفعال لها عواقب يجب تحمّلها”، في إشارة إلى قرار إسبانيا استقبال زعيم جبهة البوليساريو وعدم تقديم أجوبة مقنعة بعد ذلك.

ولإبعاد التهمة على حكومتها وزيرة الخارجية الإسبانية، الكرة في ملعب الرباط، بالقول إن بلدها “لم يبدأ هذا التصعيد، وربطت بين التدفق غير المسبوق لمهاجرين نحو سبتة، وقضية الصحراء المغربية، عندما حذرت من أن هذه الأعمال “لن ترغم إسبانيا على تغيير موقف حكومة بلادها إزاء قضية الصحراء”.

وأكد معتضد في تصريح لـ”العرب”، أن تصريحات وزيرتي الخارجية والدفاع في الحكومة الإسبانية تناقض تحركات مؤسستيهما على الميدان، فالأجهزة الإسبانية واعية تماما بأهمية التعاون الأمني والاستراتيجي مع المغرب خاصة وأن مدريد بحاجة أكثر إلى الرباط سياسيا أكثر من أي وقت مضى.

ويرى متابعون أن مدريد تكابر في ملف زعيم البوليساريو رغم أنها تعي جيدا أنه لا جدوى من الضغط على المغرب من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فحاجة مدريد وأوروبا إلى الرباط أقوى واستراتيجية في مجالي محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية، ولن يزيد تجاهل الخطأ الذي ارتكبته الحكومة الإسبانية بحق المغرب سوى من برود الأجواء ويصعب من توطيد علاقات البلدين مجددا.

وحاولت الحكومة الإسبانية إقحام الجانب الأوروبي في مسألة المهاجرين للتملص من مسؤوليتها القانونية والحقوقية والسياسية سواء على مستوى ملف الهجرة أو التعاطي السلبي مع ملف زعيم البوليساريو المتابع من طرف القضاء الإسباني بتهم الاغتصاب والاختطاف والابتزاز.

ودخلت المفوضية الأوروبية على خط الأزمة بين البلدين بحديث مارغاريتيس شيناس، نائب رئيسها عن “عدم السماح لأحد بترهيبها”، مضيفا أن “أوروبا لن تقع ضحية التكتيكات”، وفق تعبيره.

وأكد معتضد “أن هذه الاتهامات الخطيرة للمفوضية الأوروبية تترجم مدى محدودية فكر وتبصر المسؤول الأوروبي، وتبرهن عن انطواء فكري في تحليل ما يقع على الميدان وانزواء أيديولوجي لتبرير كل الظواهر الإنسانية والاجتماعية في المنطقة”. ولفت إلى أن المغرب لا يمكنه أن يرهب أو يبتزّ الاتحاد الأوروبي بورقة الهجرة لأن المؤسسات المغربية تعتبر التعاون الإيجابي والبناء وحسن الجوار قيما أساسية وقناعات فكرية تؤطر عملها الدبلوماسي وسياستها الخارجية.

ويرى مراقبون أن إسبانيا تحاول الضغط على المغرب باستدعاء الأوروبيين إلى جانبها بورقة الهجرة غير النظامية، وإخفاء الأسباب الحقيقية وراء الأزمة الحالية منها عدم رضا مدريد عن إغلاق المغرب لأسباب اقتصادية واجتماعية، المعبر البري الجمركي “بني أنصار”، على حدود مليلية المحتلة، وإغلاق معبر باب سبتة الثاني “تارخال 2″، إلى جانب قرار الرباط ترسيم المغرب حدوده البحرية وتحديدها قبالة جزر الكناري.

وخفّ مستوى محاولات عبور المرشّحين للهجرة السّرية نحو سبتة المحتلة حيث تم نشر تعزيزات أمنية على مستوى الحاجز الحدودي البحري من الجانب المغربي، كما تم منع هؤلاء بتسلق التل الذي يؤدّي إلى مدخل المعبر الحدودي.

ووصل قرابة 8 آلاف مهاجر بشكل غير قانوني إلى سبتة المحتلة منذ الاثنين، حسب الحكومة الإسبانية، أعادت منه قرابة أربعة آلاف إلى الجانب المغربي.

وختم معتضد تصريحه لـ”العرب” بالتأكيد على أنه بخصوص إشكالية الهجرة، فإن “على الاتحاد الأوروبي أن يتحلى بالشجاعة الكبيرة والمسؤولة للاعتراف بالمجهودات الجبارة التي يقوم بها المغرب لتدبير هذا الملف المركب والمعقّد من أجل كسب رهاناته وضبط مكوناته المتغيرة”.

العرب