الصين تقترب من جني أرباح استثمارها الطويل في أفريقيا

الصين تقترب من جني أرباح استثمارها الطويل في أفريقيا

نجحت الصين في تعزيز دورها في القارة الأفريقية من باب توسيع مشاريع البنية التحتية في القارة التي كانت مصحوبة بمبادرات تنموية عادت بفوائد مباشرة عليها، وعلى غرار ارتفاع حصتها الاقتصادية مقارنة بالدول الغربية المنافسة، استطاعت الاستفادة من استثمارها الطويل في أفريقيا أمنيا وعسكريا، حيث وظفت سياسة فخ الديون التي تنتهجها لإجبار بعض الدول على تقديم تنازلات مثل جيبوتي التي تشكل مشروعها الرئيسي في المنطقة.

واشنطن – تمكنت الصين في السنوات الأخيرة من تعزيز نفوذها في أفريقيا وإيجاد موطئ قدم لها في القارة قادر على مزاحمة القوى العالمية انطلاقا من استثمارها المكثف في البنية التحتية الأفريقية، مقابل فرضها ضمانات للوصول إلى الفرص العسكرية أو الاقتصادية الإستراتيجية.

وكان الدعم المقدم من بكين مصحوبا في الكثير من الحالات بتدفق العمالة الصينية لإثبات جدية نواياها في دعم هذه الدول، كما عملت بكين على تقوية العلاقات مع عدد من الحكومات والنخب في القارة مستفيدة من سجلها الاستعماري النظيف مقارنة بالقوى الغربية المنافسة.

وحسب تقرير لمركز صوفان للأبحاث والتحليل ستجني الصين ثمار استراتيجيها الناجعة في أفريقيا، فالصين اليوم على أبواب الاستفادة من استثمارها الطويل في القارة.

جيبوتي.. الهدف الرئيسي
يقع المشروع الرئيسي للصين في المنطقة في المستعمرة الفرنسية السابقة في جيبوتي، حيث أنشأت بكين أول قاعدة عسكرية لها خارج الصين منذ عام 2017. وانضمت بذلك إلى اللاعبين الغربيين الرئيسيين في البلاد، بما في ذلك فرنسا، التي تمتلك أكبر قاعدة لها في أفريقيا في جيبوتي، والولايات المتحدة، على بعد أميال قليلة فقط من قاعدة الصين.

ويمكن اعتبار قاعدة الصين في جيبوتي رمزا للتكافؤ المنشود مع القوى الغربية في أفريقيا. كما تحافظ الصين أيضا على نفوذها في جيبوتي من خلال حيازة 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد على هيئة ديون. وإذا كانت جيبوتي غير قادرة على سداد هذه القروض، يمكن أن تفرض الصين بعض التنازلات على جيبوتي، مثل المطالبة بحقوق إنشاء قواعد عسكرية أكبر في البلاد.

واستخدمت الصين هذا النهج أي ” فخ الديون” مع سريلانكا عندما تخلفت كولومبو عن سداد ديونها لبكين، مما أدى إلى تأمين الوصول إلى قاعدة بحرية قبالة الساحل السريلانكي.

وتتكامل الإستراتيجية البحرية للصين بشكل وثيق مع مبادرة الحزام والطريق البرية، التي تربط الصين بأفريقيا وأوروبا من أجل التجارة.

ومن بوابة دعم التنمية في جيبوتي، حققت الصين مكاسب أمنية في البلاد، مثل حقوق إنشاء القواعد العسكرية الحالية وربما المستقبلية، بينما تشتري أيضا ديون جيبوتي وتستخدم البنوك والشركات الصينية لتمويل وبناء جميع مشاريع البنية التحتية في جيبوتي تقريبا، بما في ذلك خط السكك الحديدية بين جيبوتي وإثيوبيا.

ويعد خط السكة الحديدية هذا ضروريا لتمكين الصادرات الصينية من الوصول إلى إثيوبيا غير الساحلية عبر جيبوتي، وهو نموذج مصغر لكيفية خدمة تطوير البنية التحتية الصينية في أفريقيا لخدمة أهدافها الإستراتيجية.

منذ عهد ماو تسي تونغ إلى اليوم والصين تروج للتضامن الشيوعي في أفريقيا من باب دعمها للأمن والتنمية

وفيما يستمر الجدل بين الخبراء حول كيفية النظر إلى نفوذ الصين من خلال توظيفها لنموذج التنمية في أفريقيا. اعترف البعض بأن حصة الصين الاقتصادية في أفريقيا قد أدت إلى انخفاض الحصة السوقية الإجمالية للدول الغربية في القارة، فيما التجارة العالمية في أفريقيا آخذة في الازدياد بشكل عام.

ولا تتنافس الصين بالضرورة مع الغرب اقتصاديا في أفريقيا، حيث تسمح أيضا لأفريقيا بتنويع شركائها التجاريين. ومن ناحية أخرى، غالبا ما تربط الدول الغربية المساعدات الاقتصادية والأمنية بتقدم الدول الأفريقية حول مؤشرات مثل التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، ومما لا شك فيه تخدم الشروط الغربية مصالح الصين بالأساس.

وتأتي المساعدات الصينية أيضا بشروط، لكن ليس بنفس الطريقة؛ حيث تركز الشراكة مع هذه الدول على التنمية الاقتصادية من خلال بناء مشاريع البنية التحتية التي تخدم المصالح الاقتصادية الصينية بشكل مباشر.

وفي المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة، نمت الصين أيضا بشكل استباقي في قضايا الأمن والتنمية. وبعد عشرين عاما من صمتها بشأن قضايا مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن، استخدمت الصين رئاستها للمجلس في مارس 2020، على سبيل المثال، للتركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف في أفريقيا.

وفي حين أن بيانها الرئاسي لم يثر سوى القليل من الجدل، فإن حقيقة الاجتماع والنتيجة نفسها تشير إلى زيادة التركيز على المكاسب الأمنية للمساعدة الإنمائية.

واستغلت الصين مؤخرا رئاستها للمجلس للتركيز على أفريقيا مرة أخرى، حيث نظمت اجتماعا رفيع المستوى حول “معالجة الأسباب الجذرية للصراع مع تعزيز التعافي بعد الوباء في أفريقيا”. تم اعتماد بيان رئاسي آخر اقترحته الصين في أعقاب الاجتماع.

وبهذه الخطوة، تحاول بكين تعزيز التنمية والأمن في القارة كأولوية رئيسية.

بينما تحاول الصين التعامل مع المواطنين الأفارقة من خلال إطلاق العديد من مبادرات القوة الناعمة، فإن بكين تقدم غالبا خدماتها للنخب الأفريقية بهدف كسب ثقتهم.

على سبيل المثال، كانت المستشفيات الميدانية الصينية التي أُنشئت في مالي أثناء مكافحة التمرد ضد الجماعات الجهادية في عام 2012 مخصصة للجنود على وجه التحديد، وليس للمدنيين الجرحى، والهدف من ذلك بناء الثقة بين الجنود الماليين الذين قد يصبحون يوما ما ضباطا رفيعي المستوى في الجيش والحفاظ على علاقاتهم القيّمة للصفقات المستقبلية.

منذ عهد ماو تسي تونغ تروج الصين للتضامن الشيوعي في أفريقيا إلى اليوم من باب دعمها للأمن والتنمية.

وتدعو بكين الآلاف من الجامعات وطلاب الدراسات العليا الأفارقة إلى الصين كل عام. وتهدف على المدى الطويل، إلى بناء العلاقات بين النخب الأفريقية والحكومة الصينية ومجتمع الأعمال. وفي الوقت نفسه، كان التحريض ضدها ضئيلاعلى الرغم من تعرض المواطنين الصينيين للهجوم من قبل الجماعات الجهادية، بما في ذلك الهجمات على الفنادق التي شنها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وعمليات الخطف من قبل جماعة بوكو حرام، لكن لا يبدو أنهم كانوا مستهدفين لكونهم صينيين.

ويلاحظ الخبراء والمحللون أن الصين لم تترك سوى القليل من الانطباعات التاريخية السلبية عند الأفارقة، كما أن نهج الصين تجاه تايوان وبحر الصين الجنوبي أو حتى مقاطعة شينجيانغ لا تكتسب الكثير من الاهتمام أو تسبب الكثير من الجدل في القارة.

بالإضافة إلى ذلك تتسم مشاريع التنمية الصينية في أفريقيا بالوضوح، مثل السكك الحديدية والموانئ والطرق، والتي تترك انطباعا إيجابيا على المجتمعات المحلية التي تستخدم مثل هذه المشاريع.

مع ذلك، يمكن أن تكون جودة بعض مشاريع البنية التحتية دون المستوى الأمثل في بعض الأحيان، وكانت هناك اتهامات بالفساد في ظل ضبابية تكاليف هذه المشاريع على الأقل بالنسبة المواطنين العاديين، مثل الدول الأفريقية التي أصبحت مدينة للصين، على الرغم من أن بكين ألغت ديون بعض الدول الأفريقية في عام 2020.

ويخلص تقرير مركز صوفان أنه في حين أسفرت “اللعبة قصيرة الأجل” عن نتائج ملموسة، وبعض ردود الفعل الإيجابية، ووفرت للصين موطئ قدم في القارة، فإن “اللعبة طويلة الأجل” ليست مؤكدة، حيث أن تسليح الصين القوي للحكومات الأفريقية للتنازل عن مطالبها الأمنية أو الاقتصادية، يمكن أن يؤدي إلى زيادة شك الأفارقة في مصلحة الصين الأمنية التي تضمنها من خلال نموذج التنمية في أفريقيا.
العرب