غزة – رغم التصريحات اليومية القوية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي تهاجم إسرائيل فإنه ظل على الهامش، فلا إسرائيل التفتت إليه ولا حماس التي تعتبره سلطانا عثمانيا لدولة الإسلام السياسي الصاعدة سعت إلى إشراكه في الأزمة لأنها تعرف أنه “سيختطفها”، وتركت الأمر لعدوّه اللدود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
ويقول متابعون للشأن الفلسطيني إن حماس باتت تعرف طبيعة تحركات أردوغان وحساباته، وهي حسابات شخصية تتمركز حول إظهار نفسه كسلطان أو زعيم للمسلمين، وكثيرا ما ركب على تحركات الفلسطينيين وخدم بها نفسه إعلاميا دون أن تحصل حماس وقطاع غزة على شيء سوى الوعود.
وبات واضحا بالنسبة إلى حماس أن دخول أردوغان على خط الأزمة سيعني آليا محاصرتها وخسارة الدعم العربي وكذلك دعم المنظمات الدولية، فعلاقات الرئيس التركي سيئة فلسطينيا وعربيا ودوليا ولا يمكنه أن يجلب لها أيّ مكاسب.
وفي مقابل الدعم الذي تحصل عليه حماس من دول عربية، فإن تركيا لا تكتفي سوى بالتوظيف السياسي لحروب غزة المتتالية.
وفشلت تصريحات الرئيس التركي التي هاجم فيها الأوروبيين والأميركيين وإسرائيل، والأخرى التي سعى فيها للظهور بمظهر الوصيّ على قطاع غزة، في لفت الأنظار إليه غربيا ومنحه مهمة الوسيط في الحرب.
وكان مسؤولون أميركيون قد اتصلوا بدول مثل مصر وتونس وقطر من أجل لعب دور لتهدئة التصعيد بين إسرائيل وحماس، ولم يشيروا في تصريحاتهم إلى أيّ دور تركي مفترض كما كان أردوغان يراهن على ذلك من خلال توظيف علاقاته.
وقال أردوغان الاثنين إنّ يدَي الرئيس الأميركي جو بايدن “ملطّختان بالدماء” بسبب دعمه إسرائيل.
وخاطب أردوغان بايدن قائلا “تكتب التاريخ بيدَين ملطّختَين بالدماء”، آخذا على الإدارة الأميركية خصوصا أنّها وافقت على بيع أسلحة إضافية للدولة العبرية “التي تشن هجمات غير متكافئة على قطاع غزّة”.
وكذلك وجّه أردوغان انتقادات حادّة لإسرائيل قائلا “إنّهم قتلة لدرجة أنّهم يقتلون أطفالا بعمر خمس وستّ سنوات. لا يُشبعهم إلا سفك الدماء”.
وردت الولايات المتحدة على تصريحات أردوغان المهاجمة لإسرائيل معتبرة أنها تدخل في خانة معاداة السامية.
وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مساء الثلاثاء إن “الولايات المتحدة تندد بشدة بتصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة الأخيرة بشأن الشعب اليهودي، باعتبارها تعليقات معادية للسامية”.
ومن شأن هذه الاتهامات المتبادلة أن توسع الهوة بين حكومة أردوغان وإدارة جو بايدن خاصة بعد قرار واشنطن الاعتراف بمذابح الأرمن.
ويعتقد محللون أن خطط أردوغان في جلب الانتباه، وفرض دور الوسيط في الصراع بين غزة وإسرائيل قد تحقق نتائج عكسية على مصالح تركيا، معتبرين أن تهمة معاداة السامية قد تضاعف القيود والمطبات أمام مساعي أنقرة لجذب المستثمرين الأجانب والشركات الدولية الكبرى والحصول على القروض التي تساعد الاقتصاد التركي على الخروج من أزمته.
ويقول أيتون أورهان الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية في أنقرة، في مقابلة مع “كوميرسانت”، إن تركيا تبدو “بطلة العالم في انتقاد إسرائيل”، موضحا حسب تقديره أن هذا الأمر مرتبط برغبة تركيا في أن تتزعم العالم الإسلامي.
وأضاف أورهان أن تركيا لا تملك أيّ شيء تفعله باستثناء التصريحات الصاخبة وأنها على عكس المعلن ظاهريا لا تريد إفسادا كثيرا علاقاتها بإسرائيل لأنها تسعى إلى توقيع اتفاقية معها حول شرق المتوسط “فلهذا الأمر أهمية مفصلية من وجهة نظر أنقرة للوصول إلى حقول الغاز قبالة سواحل قبرص”.
ويرى مراقبون أن أردوغان يريد أن يدخل إلى غزة كوسيط يلقى القبول من الجهتين، وهو أمر لن تسمح به إسرائيل كما تعارضه مصر التي لعبت خلال المراحل المختلفة من مفاوضات السلام دورا محوريا.
وقال مدير السياسة في منتدى السياسة الإسرائيلية في العاصمة واشنطن مايكل كوبلو، في لقاء مع صحفية من موقع أحوال تركية الأربعاء إن إسرائيل ومصر متفقتان في رغبتهما على إبقاء تركيا خارج غزة.
وأضاف كوبلو إن هناك طريقتين لتعزيز تركيا لنفوذها في غزة، فإما أن تقرر تل أبيب السماح لأنقرة بالمساعدة في إعادة الإعمار أو تمنحها القاهرة الضوء الأخضر. لكن مصر تبقى مترددة في منحها هذه الفرصة. بينما تخشى إسرائيل دعم تركيا لحماس ونفوذها المتزايد في القدس.
وتابع “أعتقد أن إسرائيل ومصر ستكونان على نفس الموقف على الأرجح لرغبتهما في إبقاء تركيا خارج غزة قدر الإمكان”.
العرب