في الصراع الدولي وأدواته

في الصراع الدولي وأدواته

china-russia-US

كانت روسيا والصين تخوضان الصراع الدولي بالأيديولوجيا ودعم الأحزاب الشيوعية وتحويلها إلى أدوات في الصراعات الدولية والوطنية والقومية، لكنهما تحولتا إلى الرأسمالية، الأولى بعد انهيار الحزب والدولة السوفياتية، والثانية بعد «ثورة» الرئيسين دينغ كيساو بينغ وجيانغ زيمين الذي ابتدع نظرية الاقتصاد الاجتماعي بدلاً من الاقتصاد الشيوعي. هذا التحول لم ينعكس على الداخل فحسب، بل طاول العلاقات الخارجية، فأصبحت بكين وموسكو تبحثان عن أسواق لمنتجاتهما، وحماية هذه الأسواق والتوسع فيها، مستخدمتين قواعد المنافسة الرأسمالية، ويلاحظ أي مواطن عادي في أوروبا أو الولايات المتحدة أو في دول العالم الثالث انتشار المنتجات الصينية، وفي استطاعتنا القول إن الصين شهـــدت ثورة صناعية ولو متأخرة أكثر من قرنين عن أوروبا. هذه الثورة جعلتها أقرب إلى الدول الرأسمالية منها إلى الدول الاشتراكية أو النامية. فهناك أسس مشتركة بين الصناعيين، بغض النظر عن ملكية وسائل الإنتاج، على ما يقول المؤرخ الفرنسي ريمون آرون. ولا بد لهذه الأسس من أن تفرز علاقات مختلفة على المستويين الداخلي والخارجي، إذ يصبح التنافس بين النظم السياسية محركاً للتاريخ، وليس الصراع الطبقي (آرون). أما روسيا التي تعتمد على النفط والغاز، في الدرجة الأولى، فحـــاولت، وتحــاول، المحافظة على خطوط الإمداد، وإنشاء خطوط جديدة.

بمعنى آخر، أصبح تنافس الدولتين مع الغرب رأسمالياً- رأسمالياً، وليس رأسمالياً- شيوعياً. أي أن الصراع الأيديولوجي انتهى ليحل مكانه البراكسيس (الواقع). وهذا ما لم تدركه دول كثيرة في العالم الثالث، دول ما زالت تتحكم بها أنظمة متخلفة لم تتطور مثلما تطور النظام الصيني أو الروسي، على رغم أن الصراع يدور على أرضها والمنافسة على مواردها.

الموقفان الروسي والصيني من الحروب في سورية وعليها، على سبيل المثال، وقبلها الحرب على العراق وليبيا، يوضحان المدى الذي وصل إليه الصراع بين الرأسماليين الجدد (في موسكو وبكين) والرأسماليين القدماء. صحيح أن الدولتين تخشيان انتقال التطرف الإسلامي إلى عقر داريهما. لكن الصحيح أيضاً أنهما تحاولان من خلال ذلك ترسيخ نظام عالمي جديد لا يتحكم به الغرب وحده، وقد وضعتا أسساً لذلك من خلال منظومة شنغهاي المتوقع أن تتطور لتصبح أشبه بالاتحاد الأوروبي اقتصادياً وبالحلف الأطلسي عسكرياً، والتدخل في سورية وغيرها جزء أساسي من بناء هذا النظام الجديد. فالقاعدة العسكرية في اللاذقية رد على القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. والاتفاق في منظومة شنغهاي يضمن لها العودة إلى حديقتها الخلفية في آسيا الوسطى، بعدما كادت واشــنطن تسيطر على كل دول الاتحاد السوفياتي السابق وتطوقها من كل الجهات.

الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين ومعهما دول البريكس من جهة أخرى، تخوض صراعاً على تثبيت قواعد الاشتباك في نظام عالمي جديد، نظام نحن أدواته، يخرج من رحم معاناتنا وتدمير بلداننا بأيدينا.

مصطفى الزين

صحيفة الحياة اللندنية