معاهدات واتفاقيات في جذور النزاع على شط العرب بين العراق وإيران الى هذه اللحظة..

معاهدات واتفاقيات في جذور النزاع على شط العرب بين العراق وإيران الى هذه اللحظة..

الباحثة شذى خليل*

ظلت مشكلة ترسيم الحدود بين العراق وإيران، سيما في الممر المائي “شط العرب”، مصدر التوتر الرئيس بين العراق وإيران منبع الكثير من الخلافات والتصادمات التي بلغت ذروتها في حرب دامية ضروس بين البلدين استمرت لثمانية أعوام.
وحسب مصادر معتمدة من أساتذة ومؤرخين جامعيين، تمتد مشكلات الحدود بين العراق وإيران على مرّ التاريخ، وتُعد أم الأزمات منذ البدايات الأولى للتدخلات الإيرانية بالشأن العراقي أيام البابليين، ويعود سبب عدم ترسيم الحدود بين البلدين، حسب الدلالات التاريخية، إلى عدم وجود رغبة حقيقة لدى إيران بذلك، لكي تبقي حالة من الانفلات وحالة من أسباب التوسع.
جذور الخلاف:
تعترف الحكومة العثمانية، بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية التامة على مدينة المحمرة ومينائها، وجزيرة الخضر (عبادان) ومرساها والاراضي الواقعة على الضفة الشرقية -أي الضفة اليسرى- من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس، فضلا عن ذلك يحق للسفن الفارسية الملاحة في النهر المذكور بملء الحرية من محل مصب شط العرب في البحر الى نقطة اتصال الحدود بين الجانبين.
المادة الثانية من البروتوكول الملحق بمعاهدة ارضروم الثانية عام 1847 في عام 1937 تم توقيع أول معاهدة بين إيران والدولة العراقية الحديثة لترسيم الحدود بين البلدين، استندت إلى المعاهدات السابقة بين الدولتين العثمانية والفارسية.
ويرجع أول تحديد للحدود بين العراق وإيران إلى زمن بعيد يسبق حتى معاهدة “ويستفاليا” التي وضعت أسس القانون الدولي عام 1648 عندما وقعت اتفاقية عثمانية فارسية باسم معاهدة “زوهاب” في 17 مايو /ايار عام 1639 وهي معاهدة السلام وترسيم الحدود بين الدولتين العثمانية والفارسية.
وسبقت هذه المعاهدة معاهدة أخرى بين الدولتين وهي معاهدة عسكرية لوقف القتال بين الجانبين عرفت باسم معاهدة “أماسية” عام 1555.
بدأ الاهتمام بالحدود في منطقة شط العرب في أربعينيات القرن التاسع عشر مع تزايد نفوذ شيخ المحمرة في تلك المنطقة، وتنازع العثمانيون والفرس على السيادة على هذه المناطق التي تسكنها عشائر عربية.
وحددت اتفاقية أرضروم الثانية التي وقعت في 31 مايو/ ايار 1847 بين الحكومتين العثمانية والفارسية، بتوسط من القوى الكبرى في حينها بريطانيا وروسيا، لأول مرة، حددت الحدود في شط العرب التي وصفت في عبارات عامة دون تحديد دقيق.
وقد تنازلت الحكومة الفارسية للحكومة العثمانية عن مطالبتها بمدينة السليمانية إلى جانب جميع الاراضي المنخفضة –أي الاراضي الكائنة في القسم الغربي من منطقة “الزاب”، مقابل سيادتها على مناطق المحمرة والضفة الشرقية من النهر.
وحددت المادة الثانية من ملحق المعاهدة بعبارات غامضة هذه الحدود بقولها “تعترف الحكومة العثمانية، بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية (الإيرانية) التامة على مدينة “المحمرة” ومينائها، وجزيرة “الخضر” (عبادان) ومرساها والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية -أي الضفة اليسرى- من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بأنها تابعة لفارس، فضلا عن ذلك يحق للسفن الفارسية الملاحة في النهر المذكور بملء الحرية من محل مصب شط العرب في البحر الى نقطة اتصال الحدود بين الجانبين”.
وظل الخلاف قائما بين الممثلين التركي والفارسي في لجنة المعاهدة على تفسير الفقرة الثانية، حتى اضطر ممثل بريطانيا في اللجنة الكولونيل وليامز عام 1850 إلى رسم خط للحدود يعكس بأقصى دقة ممكنة ما أشارت إليه هذه الفقرة، وقد رسم خط الحدود على امتداد الضفة الشرقية لشط العرب من نقطة اتصاله مع قناة “الجديدة” في الشمال حتى مياه الخليج في الجنوب.
وبقية المشكلة متجددة حتى بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 تحت الانتداب البريطاني، والتي رفضت الدولة الفارسية الاعتراف بها لثمانية أعوام، وكانت إيران في تلك المرحلة تمر ايضا بحالة تحول سياسي، إذ قام رضا شاه بهلوي الذي كان قائدا لفرقة القوزاق الفارسية في عهد دولة القاجاريين ووزيرا للدفاع بحل الحكومة، وتعيين نفسه رئيسا للوزراء حتى عام 1925 ، حيث خلع آخر شاهات القاجاريين وأعلن نفسه شاها جديدا وعلى رأس سلالة جديدة حكمت ايران هي السلالة البهلوية.
وفي عام 1932 زار ملك العراق آنذاك الملك فيصل برفقة رئيس وزرائه نوري السعيد، إيران وصدر بيان عن الزيارة يدعو الى التفاوض لحل الخلافات الحدودية بين البلدين.
وفي 18 تموز عام 1937 عقدت أول معاهدة صداقة بين العراق وإيران (تحول اسم فارس إلى إيران عام 1934) وأعقبها توقيع اتفاقية أخرى لحل الخلافات بين الجانبين بالطرق السلمية.
وفي 8 /12 /1938 جرى الاتفاق على تنظيم أعمال لجنة خاصة لترسيم الحدود بين البلدين.
في البروتوكول الملحق بمعاهدة عام 1937 أقرت إيران بالحدود على وفق محاضر جلسات لجنة ترسيم الحدود لسنة 1914 المنبثقة بروتوكول الاستانة عام 1913، وبحقوق العراق في مياه شط العرب وتنظيم حقوق الملاحة فيها عدا مناطق محددة، بعد أن حصلت على تنازل جديد من الحكومة العراقية بإعطائها مساحة جديدة (7.75 كم) أمام جزيرة عبادان على امتداد خط “الثالوك” فضلا عن السماح للسفن الحربية الإيرانية بالدخول عبر شط العرب حتى الموانئ الإيرانية.
شهدت تلك المرحلة تعاونا بين النظامين الملكيين العراقي والإيراني، سيما في شؤون الأمن الاقليمي، بيد ان الخلافات الحدودية -سيما حول شط العرب- ظلت كامنة، وكانت إيران تستغل الفرص للمطالبة باقتسام مياه النهر على أساس خط الثالوك (وهي كلمة ألمانية يقصد بها الخط المتكون من امتداد أعمق نقطة في المقاطع المتتالية للنهر).
تقدمت المفوضية الإيرانية في بغداد إلى وزارة الخارجية العراقية في 4 نيسان/ ابريل 1949 بمذكرة أرفقت بها مسودة لاتفاقية بشأن صيانة وتحسين الملاحة في شط العرب تشكل بموجبها لجنة تعطى صلاحيات واسعة في التشريع والتنفيذ والقضاء والإدارة واستيفاء العوائد، وقد رفضت الحكومة العراقية المقترح الإيراني.
استغل الشاه ما حدث في العراق من انقلاب سياسي وتحول من النظام الملكي إلى الجمهوري ليطالب بترسيم الحدود في شط العرب بالاعتماد على خط الثلوك.
توترت العلاقات بين البلدين كما رد رئيس الوزراء العراقي آنذاك، عبد الكريم قاسم، بالمطالبة بإقليم خوزستان (عربستان) ووصل الأمر إلى اشتباكات محدودة على الحدود بن البلدين لكنها لم تتطور إلى حرب واسعة.
ظلت المشكلة معلقة طوال عقد الستينيات وفي عام 1964 اتفقت الحكومتان الإيرانية والعراقية على استئناف المباحثات في طهران حول المشاكل الحدودية ومشكلة شط العرب وظلت هذه المحادثات متعثرة لأربع سنوات دون نتيجة واضحة.
في عام 1969 استغل الشاه ضعف النظام البعثي الجديد الذي كان قد وصل إلى السلطة قبل عام واحد فقط وقام بإلغاء معاهدة عام 1937 من جانب واحد، كما قامت إيران بتحشيد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية على طول خط الحدود مع العراق.
جعلت إيران أمرا واقعا على الملاحة في شط العرب بمعزل عن اشتراطات المعاهدة السابقة، معلنة أنها ستعتبر المياه العميقة وسط النهر (خط الثالوك) حدا لتقاسم السيادة على الممر المائي، ولم تقم الحكومة العراقية برد واضح إلا أنها وجهت أنظارها نحو ميناء ام قصر وخور الزبير كمنافذ على الخليج.
في عام 1975 أبرم العراق وإيران قبل 46 عاما اتفاقية حدودية وقّعها صدام حسين نائب الرئيس العراقي آنذاك، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، برعاية الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين.
تضمنت الاتفاقية التي وُقّعت في الجزائر في 6 مارس/آذار 1975 مجموعة بنود أبرزها تقاسم شط العرب بين الدولتين مناصفة، وهدفت بغداد من هذا الاتفاق إلى إخماد التمرد الكردي المسلح في شمالي العراق، الذي كان مدعوما من إيران حينئذ، ولكن صدام حسين ألغى تلك الاتفاقية عام 1980 مع بدء الحرب العراقية الإيرانية، لتبقى مشكلة الحدود واحدة من أعمق أسباب النزاع في تاريخ الصراع العراقي الإيراني.
كان من أبرز بنود الاتفاقية إجراء تخطيط نهائي لحدود الدولتين البرية بناء على برتوكول القسطنطينية عام 1913، ومحاضر لجنة تحديد الحدود لسنة 1914، .
تضمنت كذلك تحديد الحدود النهرية حسب خط التالوك، وقيام كل من الدولتين بإعادة الأمن والثقة المتبادلة على طول حدودهما المشتركة، والتزام إجراء رقابة مشددة وفعالة على هذه الحدود من أجل وضع حد نهائي لكل حالات التسلل ذات الطابع التخريبي.
يؤكد المختصون في هذا المجال توقيع صدام حسين على الاتفاقية خرقا للمادة (3) من الدستور العراقي المؤقت عام 1970 التي تنص على أن سيادة العراق وأرضه وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها.
ينوّه أستاذ العلاقات الإستراتيجية الدكتور المساعد محمد ميسر فتحي بأن الاتفاقية منحت إيران مجالات حدودية واسعة لم تحصل عليها في المعاهدات السابقة، فقد حققت مكاسب مباشرة بمجرد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ.
إن وضع إيران في شط العرب جعلها الشريك في السيادة على الجزء الأكبر منه استنادا إلى إعادة تحديد الحدود فيه على أساس خط الثالوك.
يرى الباحث المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية فراس إلياس أن الخطأ الذي اقترفته القيادة العراقية هو توقيع اتفاق سياسي وليس إستراتيجي مع إيران، مما جعل صدام حسين يدرك أن هذا الاتفاق حقق مصلحة إيرانية أكثر مما يحقق مصالح الطرفين.
إن تسرع القيادة العراقية في ذلك الوقت في إبرام الاتفاقية وعدم النجاح في استقراء الأوضاع المتغيرة في الداخل الإيراني، والرغبة في إنهاء التوترات في الداخل العراقي، دفع بالقيادة العراقية إلى تقديم تنازلات جوهرية للجانب الإيراني، من أجل الحفاظ على النظام السياسي، وهنا تعمقت الأزمة بين البلدين بدلا من حلها.
في 17 /9/1980 ألغى صدام حسين اتفاقية الجزائر التي وقعها مع الشاه عام 1975 داعيا الى عودة السيادة العراقية على كامل شط العرب، فضلا عن مطالبة إيران “بالاعتراف بالسيادة العراقية على التراب الوطني العراقي ومياهه النهرية والبحرية، وإنهاء الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج العربي عند مدخل مضيق هرمز، وكف يد إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق”. لكن إيران دانت ذلك واعتبرته إعلانا للحرب عليها.
وبحسب المؤرخين فإن توقيع اتفاق الجزائر جاء في ظروف سياسية صعبة مرّ بها الطرفان، ولعل هذه الظروف هي من أنتجت حالة الحرب بينهما فيما بعد، وهو ما جعل هذه الاتفاقية محط انتقاد مستمر بين الجانبين حتى اللحظة.
الأهمية الاستراتيجية لنهر شط العرب لكل من إيران والعراق:
يتكون نهر شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات في العراق، ويشكل النهر الحدود بين العراق وإيران على آخر 50 ميلاً من النهر، ويستمر في التدفق إلى الخليج العربي، نظرًا لكونه نقطة الوصول الوحيدة للعراق إلى الخليج العربي، فإن نهر شط العرب له أهمية إستراتيجية لنقل وتصدير البلاد.
ونظرًا للمناخ الجاف والرطب في هذا الجزء من الشرق الأوسط، فإن مياه النهر ضرورية للزراعة، على الرغم من أن إيران لديها مداخل أخرى إلى الخليج، إلا أن كمية كبيرة من النفط الخام المنتج في إيران يتم نقلها عبر نهر شط العرب.
بعض المراجع ترمز لهذا النهر أيضًا إلى الخط الثقافي بين الفرس والعرب، وتوضح هذه الحدود خطوط الصدع العديدة بين إيران والعراق: الشيعة مقابل الحكومة السنية؛ وريث الإمبراطورية الفارسية مقابل وريث الإمبراطورية العثمانية؛ حكومة أصولية / علمانية، وكان ترسيم حدود شط العرب نقطة خلاف بين العثمانيين والفرس لقرون، وسعت كلتا الإمبراطوريتان للسيطرة عليه بعد الحرب العالمية الثانية، وحل الإمبراطورية العثمانية، تحول النزاع إلى الصراع العراقي الإيراني.
في الختام، تستمر الخلافات الحدودية بين العراق وإيران، وأن هناك تجاوزات إيرانية على الحدود العراقية، وبالتحديد في منطقة الفكة البترولية المهمة التي سيطرت عليها إيران بعد عام 2003، وبدأت استغلالها.
كان ومازال اختلاف التراث الثقافي بين إيران والعراق عاملاً جعل قضية السيادة بين الفرس من جانب والعرب من الجانب الآخر أكثر بروزًا.
وفي الواقع، كان هذا هو الحال على وجه الخصوص بالنسبة للعراقيين الذين اعتبروا شط العرب “عراقيًا بالكامل وعربيًا كليًا” يقيِّم الجزء الثاني من دراسة الحالة هذه جهود التعاون التي حاولتها أطراف ثلاثة من أجل تسوية نزاع شط العرب.

المصادر :

المصادر :

https://climate-diplomacy.org/case-studies/iraq-iran-water-dispute-war

https://www.jstor.org/stable/4324304?seq=1

https://www.britannica.com/place/Shatt-Al-Arab

 

External Involvement in the

Persian Gulf Conflict*

by

Nader Entessar

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية