تتسارع الأحداث وتنتظر الوسائل والأدوات الاعلامية ما سيكون اليه المشهد السياسي الايراني بعد الثامن عشر من حزيران 2021 موعد انطلاق الانتخابات الايرانية وما ستسفر عنه النتائج الميدانية وفق الرؤية السياسية التي ينتهجها النظام الايراني وعبر التوجهات المستقبلية لكيفية التعامل مع الأوضاع الداخلية ومنها الاقتصادية ومعالجة الأثار الجانبية التي أفرزتها العقوبات الامريكية على جميع مجالات الحياة في ايران ، وما هي الوسائل المتبعة في كيفية الوصول الى نتائج ايجابية تخدم عملية اعادة صياغة الاتفاق النووي مع دول (5+1) والأفاق المستقبلية لعلاقة النظام الايراني مع المنظومة الدولية والاقليمية في ظل التطورات السياسية التي تعصف بالاختلافات والمناكفات بين التيارات والشخصيات السياسية الايرانية وانعكاساتها على مجمل نتائج الانتخابات القادمة وطبيعة ادارتها وسبل دفعها باتجاه إرضاء القوى المهيمنة على القرار السياسي الايراني ، بعد أن تدخل مجلس صيانة الدستور وبتوجيه من المرشد علي خامنئي وأجرى تعديلا على اختياراته لمرشحي الرئاسة القادمة فوافق على (7) مرشحين من أصل (592) مرشح في رسالة فاجأت الوسط السياسي الايراني وألقت بظلالها على العديد من ردود الأفعال التي صدرت من الشخصيات التي رفض المجلس ترشيحها للرئاسة وصدرت عنها العديد من ردود الأفعال والتصريحات التي أوضحت حقيقة التباين والاختلاف السياسي بين أقطاب النظام الايراني ممن كانوا يعتبرون قريبين من علي خامنئي أو من دائرته السياسية ذات النفوذ الميداني الواسع .
ضمن أبرز ما قيل عن الانتخابات القادمة ورفض مجلس صيانة الدستور لبعض الشخصيات السياسية هو ما تحدث به (محمود أحمدي نجادي ) الرئيس الايراني السابق والذي كان مقربا لخامنئي ورفض ترشيحه بقوله ( أعتقد اليوم أن ما حدث كان أكبر إضطهاد وإهانة لأبناء الوطن وانتهاكا للدستور واصفا الاجهزة الأمنية والاستخبارية الايرانية بأنها ( أجهزة عصابة وتصنت على مكالمات المواطنين ) ، وجاء هذا الموقف بعد العديد من الانتقادات التي وجهها (نجادي ) للنظام الحاكم في طهران وادانته للإنحرافات السياسية في طبيعة ادارة الحكم وسيطرة المحافظين وعدم قدرتهم على رسم ملامح الحياة السياسية لمستقبل النظام وكشفه عن الخسائر الكبيرة التي رافقت عملية التعرض على ( مفاعل نطنز ) والمعلومات الت أدلى بها عن سرقة وثائق برنامجي المفاعل النووي والصواريخ الباليستية ، وهي من الأمور التي أعتبرت ذات أثر كبير وخطر جسيم على منظومة الأمن القومي الايراني وبسببها منع من الترشيح اضافة الى خوف المتنفذين من فوزه في الانتخابات القادمة كونه يتمتع بعلاقات شعبية جيدة داخل المجتمع الايراني ، وكذلك حديث الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي الذي أشار الى أن (جمهورية ولي الفقيه تتعرض لخطر كبير ولا يمكن لأي تيار ولا يجب أن يتجاهل هذا الخطر مهما كان منهجه وانتماؤه .) .
هذه التحديات والمواجهات والخلافات التي تصدر عن مسؤولي النظام تؤكد حقيقة التباين والصراع السياسي بين التيارات الحاكمة في ايران ووجود العديد من التحديات الداخلية التي تساهم في التأثير على سير العملية الانتخابية القادمة خاصة بعد تدخل المرشد علي خامنئي ودعمه بشكل غير مباشر للمرشح القادم ( ابراهيم رئيسي ) الأقرب الى مؤسسة ولاية الفقيه ورئيس السلطة القضائية المعين من قيل خامئي ومن أبرز الشخصيات في التيار المتشدد، وجاء الدعم السياسي من خلال رفض العديد من المرشحين والابقاء على سبعة منهم غالبيتهم من تيار المحافظين بعد أن رفض كل من (علي لاريجاني ) رئيس مجلس الشورى السابق المحسوب على التيار المحافظ المعتدل و(اسحق جهانغبري ) نائي الرئيس الايراني الحالي حسن روحاني والذي يعتبر من الشخصيات البارزة في تيار الاصلاح وهذا ما جعل الطريق سالكا ومعبدا أمام (ابراهيم رئيسي ) الذي تتوقع الأوساط السياسية الايرانية فوزه بنسبة عالية .
برزت العديد من المواقف عن تيار الاصلاح بالدعوة لمقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة بها لأنه برى أنها ابتعدت كثيرا عن طموحات واختيارات الشعوب الايرانية ورغبنها في التغيير وأصبحت رهينة سياسية لأهواء وطموحات السلطة المتنفذة في ايران ، فيما يسعى خامنئي والدوائر التابعة له والشخصيات المحيطة به على المضي في اشاعة روح المشاركة والحث على المشاركة الشعبية خوفا من تكرار عدم المشاركة التي برزت في انتخابات مجلس الشورى بتاريخ 21 شباط 2020 والتي كانت نسبة المشاركة فيها 43% وهي أقل نسبة شهدها النظام منذ عام 1979 .
بغية اعطاء صورة دقيقة لواقع الانتخابات من المفيد استعراض الشخصيات التي حظيت بموافقة مجلس صيانة الدستور وأبرز المحطات في مسيرتها السياسية والعملية وفق الأتي :
1.ابراهيم رئيسي …رئيس السلطة القضائية يبلغ من العمر 61 عاما دكتوراه في الفقه ، أفضل مرشحي التيار المحافظ يحظى بدعم خامنئي ويسعى لتثبيته كرئيس قادم لإيران ومن ثم تهيئته ليكون خليفة له في موقع المرشد الأعلى درس العلوم الدينية وتتلمذ على يد المرشد علي خامنئي وعضو في مجلس الخبراء وهي الهيئة المكلفة بتعيين المرشد والاشراف على عمله .
2.سعيد جليلي …أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سابقا يبلغ من العمر 56 عاما دكتوراه في المعارف الاسلامية والعلوم السياسية ،مرشح عن تيار المحافظين اثناء مدة خدمته فشلت جميع المفاوضات لعودة ايران للمجتمع الدولي وفرضت عليها أكبر العقوبات وأشدها في الجوانب السياسية والاقتصادية .
3.اللواء محسن رضائي …أمين عام تشخيص مصلحة النظام يبلغ من العمر 67 عاما دكتوراه في الاقتصاد ، مرشح عن تيار المحافظين ومن مؤسسي الحرس الثوري الايراني ، يعتبر من أبرز الشخصيات السياسية التي نالت حرية الترشيح في جميع الانتخابات السابقة ولكنه لم يفلح في الوصول لسدة الحكم .
4.عبد الناصر همتي …محافظ البنك المركزي الايراني يبلغ من العمر 63 عاما دكتوراه في الاقتصاد ،مرشح مستقل مقرب من المعتدلين والاصلاحيين تم فصله من قبل الرئيس حسن روحاني بعد تقدمه للترشيح وهوليس رجلا دينيا ولا قائدا عسكريا ولكنه صاحب أكبر هبوط للعملة الايرانية أثناء تسنمه مسؤولية البنك المركزي .
5.محسن مهر علي زاده …عضو مجلس ادارة منطقة كيش الاقتصادية يبلغ من العمر 65 عاما دكتوراه في الهندسة ، رئيس مجلس ادارة شركة أسيا الهندسية لتنمية المياه وهو المرشح الاصلاحي الوحيد .
6.أمير حسن قاضي زاده …نائب رئيس البرلمان الايراني يبلغ من العمر 50 عاما دكتوراه في الطب ، مرشح عن تيار المحافظين عضو مجلس الشورى لثلاث دورات وشغل موقع مدير جامعة سمنان للعلوم الطبية .
7.علي رضا زاكاني …رئيس مركز الابحاث في البرلمان الايراني يبلغ من العمر 56 عاما دكتوراه في الطب البيطري ، مرشح عن تيار المحافظين من أشد المعارضين للعودة للإتفاق النووي قريب من رئيس البرلمان الايراني محمد باقر قاليباف .
تأتي الانتخابات في أجواء سياسية صاخبة ووضع اقتصادي متردي ومستوى معاشي منخفض وعقوبات سياسية واقتصادية أثقلت كاهل المنظومة السياسية وأفصحت عن عدم وجود أليات ورؤى ميدانية للتغلب عليها ، وفي هذا سيواجه المرشحون والفائز منهم العديد من الاستحقاقات التي تفرضها المرحلة القادمة في كيفية معالجة الأزمات التي يعيشها المجتمع الايراني بعد أن لمس السياسيون الايرانيون حقيقة الاستياء الشعبي والجماهيري من ادارة وتنظيم الحياة السياسية في البلاد والتشاؤم والخوف من المستقبل الذي يحيط بهم واستمرار سيطرة المحافظين على شؤون السياسة وعدم قدرتهم على ايجاد وسائل ومقررات حاسمة للموقف من مفاوضات العودة لاتفاقية البرنامج النووي ودعوتهم للإستمرار بمواجهة الولايات المتحدة الامريكية وعدم الخضوع لإرادتها بعيدا عن فهم وادراك واستشعار المعاناة التي يكابدها أبناء الشعوب الايرانية نتيجة استمرار العقوبات الاقتصادية ، وهذا ما يقلق الشارع الايراني ويرى أن ابعاد التيار الاصلاحي عن الترشيح للرئاسة الايرانية واسبعاد معظم مرشحيهم يأتي ضمن الإبقاء على سطوة ونفوذ المحافظين اضافة الى سوء الاوضاع الاقتصادية واستمرار تفشي البطالة في أوساط الشباب الايراني وارتفاع نسبة التضخم الى 49% وعدم وجود الكفاءة والمعالجات الصحية في مواجهة جائحة كورونا ونتائجها السلبية على حياة المواطن الايراني ، جميع هذه المخاوف والارهاصات المجتمعية كفيلة بابتعاد المواطن عن المشاركة في الانتخابات القادمة وهذا ما أفصحت عنه العديد من مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والقطاعات الشبابية وهو ما تخشاه السلطات الحكومية وتياراتها السياسية وتحديدا الدوائر القريبة من علي خامنئي.
وحدة الدراسات الإيرانية