سياسة إسرائيل حيال المواطنين العرب.. عودة إلى الأصول وجوهرها الترحيل

سياسة إسرائيل حيال المواطنين العرب.. عودة إلى الأصول وجوهرها الترحيل

صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” عدد جديد من سلسلة “أوراق إسرائيلية” الإلكترونية (العدد 71) تحت عنوان “سياسة إسرائيل حيال المواطنين العرب- عودة إلى الأصول”، أعدها وترجمها الباحث عمر أمين مصالحة.

وتضم هذه الورقة ترجمة من الأرشيف العبري لمحضري جلستين عقدتهما قيادة حزب “مباي” الصهيوني (حزب عمال أرض إسرائيل)، سلف حزب العمل الإسرائيلي الحالي، والذي يعتبر الحزب المؤسس لإسرائيل، يومي 18 يوليو/ حزيران 1950 و19 يوليو/ تموز 1950 وكرسّتا لمناقشة ما أسمي بـ”مسألة العرب في إسرائيل”.

وجاء في تقديم الورقة التي كتبها محرر سلسلة “أوراق إسرائيلية” أنطوان شلحت أن وقائع الجلستين المذكورتين تنبئان بما دار فيهما في شأن موضوع المواطنين العرب بما لا نحتاج معه إلى عناء البرهان على أصول جوهر سياسة التمييز العنصرية الإسرائيلية وقمع التطلعات الوطنية والقومية لفلسطيني الداخل والتي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منوها إلى أنها أصول بدأت تلوح منذ أول أعوام إقامة إسرائيل في إثر النكبة الفلسطينية العام 1948.

بين مقاربتين
ومع أن باحثين إسرائيليين يقرأون هذه الوقائع باعتبارها نقاشاً أو تناقضاً بين مقاربتين، واحدة أكثر توحشاً وأخرى أقلّ توحشاً، فمما لا شك فيه أن ثمة الكثير من القواسم المشتركة بين أصحاب المقاربتين، وفي مقدمها رفع الاعتبارات الأمنية في كل ما يتعلق بالتعامل مع المواطنين العرب إلى مرتبة المُقدّس.

ويشير إلى أنه من القواسم المشتركة الأخرى لا بُدّ من الإشارة أيضاً إلى ما يشبه الإجماع الإسرائيلي على غايات التربية والتعليم والتشغيل كعاملي تأثير مهميّن في كل ما يرتبط بداية بالتنشئة والتهيئة الاجتماعية للمواطنين العرب، ومن ثم بما يُسمى “المنفعة المتبادلة” وصولاً إلى إحداث قطيعة تامة بين هؤلاء المواطنين وبين أبناء شعبهم الفلسطيني وسائر الشعوب العربية خارج الحدود.

وأضافت هذه المقدمة “غير أن الأكثر إثارة يظل من نصيب ذلك الاقتراح بأن تظل قضية وجود العرب الفلسطينيين في إسرائيل قضية مفتوحة غير محسومة، علّ وعسى أن يُتاح المجال أمام إمكان التخلّص منهم في المستقبل المنظور في ذلك الوقت من خلال الترانسفير، وذلك لدرء احتمال تحوّلهم إلى (طابور خامس) وثمة إشارات كثيرة في المحضرين إلى مسألة الرغبة بترحيل فلسطينيي 1948، أكثرها بلاغة قول موشيه ديان بأن سياسة (مباي) يجب أن تكون موجهة بحيث لا يُبت نهائياً في مستقبل الـ170 ألف فلسطيني الذين بقوا داخل إسرائيل، وبرأيه لربما تكون هناك إمكانيات أخرى في الأعوام القريبة يتم فيها تنفيذ ترانسفير لهؤلاء العرب من إسرائيل. و”طالما توفرت الإمكانية لمثل هذا الأمر، فلسنا بحاجة لأن نفعل شيئاً يحول دون ذلك”.

ترانسفير ناعم
ولفتت المقدمة أيضاً إلى أن موضوع الترانسفير طُرح بقوة في الجلستين، مثلما يمكن الاستشفاف من قراءة المحضرين، وفي مقابل لهجة ديان الحادّة في وضوحها وصرامتها، برزت لهجة موشيه شاريت مثلاً التي تنطوي في العُمق على تأييد الترانسفير ولكن الناعم، الطوعيّ.

وحسب هذه المحاضر التاريخية يؤكد شاريت أنه في حال سنوح أي فرصة أو إمكانية لـ”تقليل عدد العرب في البلاد فسنفعل هذا، حتى لو عن طريق حثّ قرية معينة، أو مجموعة ما، أو عدد من العرب على ترك البلاد، وإخراجهم منها بطرق سلمية، وعلينا فعل ذلك”. وبرأيه “تنازلنا عن قطاع غزة كي لا نزيد عدد السكان العرب في “أرض إسرائيل” وإذا ما أتيحت الإمكانية لخفض عدد الأقلية العربية التي تعد اليوم 170 ألف نسمة بألف واحد سنفعل ذلك. لكن الأمر منوط بكيفية التنفيذ”.

إسرائيل خططت لتهجير آلاف الفلسطينيين بعد النكبة للبرازيل والأرجنتين

يشار إلى أن مؤرخا إسرائيليا سبق وكشف قبل ثلاث سنوات عن مذكرة سرية تضّمنت خطة إضافية لطرد فلسطينيي الداخل بعد النكبة بنحو عام ونصف لكن خلافات داخل المؤسسة الصهيونية الحاكمة ومخاوف من ردود فعل دبلوماسية حالت دون تنفيذها. بعد كشفه عام 2018 ضمن كتاب جديد خطة ترحيل حكومية سرية خلف مذبحة كفر قاسم كشف المؤرخ الإسرائيلي دكتور آدم راز عن مذكرة سرية تاريخية من 4 ديسمبر/ كانون أول 1949 تلقي الضوء على تعامل الاحتلال مع فلسطينيي الداخل منذ بداية تحولهم لمواطنين في إسرائيل القائمة على أنقاض الشعب الفلسطيني.

وفي المذكرة يكتب وولتر إيتان مدير عام وزارة خارجية حكومة الاحتلال الأولى لوزيره موشيه شاريت المقيم في نيويورك في تلك الفترة ويقترح طرد السكان الفلسطينيين في الجليل. وتشمل المذكرة قائمة بأسماء القرى المرشحة للطرد ومعظمها في الجليل (فسوطة، ترشيحا، الجش، حرفيش، الريحانية، مجدل وزكريا).

الطرد لـ”عوامل أمنية”
وحسب خطة التهجير المقترحة يتجاوز عدد المهجريّن الـ10 آلاف فلسطيني معظمهم من الفلسطينيين المسيحيين وقلة منهم دروز وشركس وتعلل الخطة عملية الطرد بـ”العوامل الأمنية” دون ذكر موعد التهجير. ويوضح إيتان في المذكرة السرية أن رئيس حكومة الاحتلال الأول دافيد بن غوريون قد وافق على المخطط وصادق عليها وعلى ترحيل الفلسطينيين عنوة لمواقع أخرى لكنه اشترطها بموافقة شاريت وموافقة وزير المالية اليعازر كابلن لأن تنفيذها يقتضي رصد ميزانية بقيمة مليون ليرة.

وأشار راز إلى أن إيتان حاز على معلومات حول الخطة من الباحث زالمان ليف خبير الجغرافيا والحدود الذي سبق وقدم استشارات لبن غوريون. ويقول ليف إنه بالإمكان تنفيذ خطة التهجير المقترحة دون “قسوة زائدة”. وجاءت هذه الخطة ضمن عدة مخططات إسرائيلية تاريخية لاستكمال تطهير البلاد من الفلسطينيين استمرت حتى ستينيات القرن الماضي وهناك من الباحثين والسياسيين ممن يؤكدون أن الترحيل الصامت جار حتى اليوم من خلال تضييق الخناق بكل الوسائل على المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل أما في النقب فتبدو الصورة هذه هناك أوضح.

ترحيل المثلث
ومن ضمن هذه المخططات الإسرائيلية المبيتّة خطة ترحيل أهالي منطقة المثلث التي لم تسقط بعد عن الأجندة الإسرائيلية وسبق أن وردت في “صفقة القرن”. وسبق أن وردت في مخططات إسرائيلية كثيرة، وهدفها ليس التخلّص من خطر ديموغرافي، فحسب بل يشمل أهدافا أخرى غير معلنة. وكان هذا الموضوع رفعه حزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان في حملاته الانتخابية المختلفة، مركزا على شعار “أم الفحم أولا”.

ولكن لم يحظ هذا الاقتراح بدعم الأحزاب الصهيونية بالعلن على الأقل، فضلا عن أن هناك أحزاباً ترفضه بشدة لأسباب أيديولوجية. غير أن التحقق من مصدر هذه الفكرة يظهر أنها كانت بالأصل فكرة “اليسار الصهيوني” الذي بدأ يقارب الحل النهائي من خلال المنظار الديموغرافي، بما في ذلك رسم الحدود، حيث جاء الطرح الأخير (بالإضافة إلى ليبرمان) في السجال الإسرائيلي من قبل نائب وزير الأمن الأسبق إفرايم سنيه قبل نحو ثلاثة عقود. كذلك ظهرت الفكرة عندما قالت تسيبي ليفني حين شغلت منصب وزيرة الخارجية في حكومة إيهود أولمرت، إن العرب في إسرائيل يمكنهم تنفيذ حقوقهم القومية في الدولة الفلسطينية، في إشارة منها ربما إلى أن موضوع ضم المثلث طرح ضمن المفاوضات مع الفلسطينيين.

القدس العربي