الباحثة شذى خليل*
تعدّ فنزويلا خامس أكبر منتج للثوريوم، الذي يعتبر وريثاً لليورانيوم كوقود أعلى للقنابل النووية، كل هذا يعزز الاهتمام الإيراني بفنزويلا، وفي الوقت ذاته يجعلها واحدة من أكبر مخاوف أميركا.
في تحدٍ لإرادة المجتمع الدولي ، ألمحت فنزويلا منذ فترة طويلة إلى أنها ستتحدى العقوبات وتزود إيران بالمنتجات البترولية في محاولة لإضعاف الجهود الأمريكية لاستغلال اعتماد طهران على النفط الأجنبي المكرر، حافظ نيكولاس مادورو ، الرئيس الاشتراكي لفنزويلا ، على هذا الموقف منذ توليه المنصب عقب وفاة هوغو تشافيز في عام 2013.
وفنزويلا نفسها تحت الحظر الأمريكي الصارم ، تكافح مع أزمتها الاقتصادية الخاصة ، مما تسبب في تضخم غير مسبوق ونقص في الغذاء والوقود والدواء، على الرغم من امتلاكها لأكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم ، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي للدولة وانهارت عملتها.
تعود علاقة طهران بأمريكا اللاتينية إلى عام 1960 ، عندما كانت فنزويلا من بين الأعضاء المؤسسين لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). من هنا ، سرعان ما تشعبت العلاقات الدبلوماسية الإيرانية لتشمل البرازيل والمكسيك والأرجنتين وكوبا.
بعد إنشاء أوبك ، استندت العلاقات السياسية والاقتصادية بين إيران وفنزويلا في البداية على إنتاج النفط المشترك والتحديات المرتبطة بالأسعار. ازدهرت هذه العلاقة فيما بعد وتوسعت لتشمل العديد من دول أمريكا اللاتينية من خلال العضوية المشتركة لحركة عدم الانحياز.
من خلال علاقاتها الدافئة مع حكومات أمريكا اللاتينية ، تأمل إيران في إبراز صورة القوة العالمية ، والتغلب على عزلتها السياسية والاقتصادية ، وحشد الدعم الدبلوماسي لبرنامجها النووي ، والرد على الولايات المتحدة عن قرب.
استغلت إيران وميليشيا حزب الله اللبنانية العميلة في هذا الاتجاه ، مستخدمين التسلل الديني والفكري لتحويل الناس من الديانات الأخرى وحتى المسلمين السنة الى تشيع إيراني يؤمن بولاية الفقيه.
حيث أنشأت إيران أكثر من 36 مركزًا ثقافيًا شيعيًا في 17 دولة حول العالم ، ويُزعم أن العديد منها يستخدم كحلقات تجسس لجمع المعلومات الاستخبارية، واتبعت إيران في سبيل ذلك عدة نشاطات دعائية، منها إنشاء 17 مركزاً ثقافياً، وشاركت في نشر الإسلام الشيعي وولاية الفقيه ، كما أنّ معهد الفكر الثقافي الشرقي في الأرجنتين نظّم نشاطات دعاية مكثفة، بما في ذلك إرسال رجال دين إيرانيين شباب إلى دول أميركا الجنوبية، لنشر الإسلام الشيعي الراديكالي ذي النمط الإيراني.
وأطلقت إيران قناة إخبارية فضائية باللغة الإسبانية في عام 2011 باسم HispanTV ، تبث مجموعة متنوعة من البرامج الثقافية والسياسية والدينية التي تستهدف الناس في جميع أنحاء القارة، واتبعت إيران في سبيل ذلك عدة نشاطات دعائية، منها إنشاء 17 مركزاً ثقافياً، وشاركت في نشر الإسلام الشيعي والأيديولوجية الخمينية، كما أنّ معهد الفكر الثقافي الشرقي في الأرجنتين نظّم نشاطات دعاية مكثفة.
وتستمر فنزويلا بأرسال شحنات من وقود الطائرات إلى إيران في مقابل واردات من البنزين يحتاجها بشدة البلد الواقع في أمريكا الجنوبية، وذلك في إطار اتفاق مقايضة توصلت اليه شركتا النفط المملوكتان للدولة في البلدين.
وتزيد إيران مساعداتها لفنزويلا منذ العام الماضي مع تشديد الولايات المتحدة عقوباتها على كلا البلدين وهو ما ألحق ضررا بصادرات النفط من شركة بتروليوس دي فنزويلا وشركة النفط الوطنية الإيرانية.
وتؤكد العملية انه في ظل إدارة بادين تواصل إيران تنفيذ إجراءات واسعة لخرق العقوبات الأميركية، حيث أرسلت ثلاث شحنات من البنزين إلى فنزويلا المتعطشة للوقود في الأشهر الأخيرة، وسط صمت أميركي يثير التساؤل لماذا لم تقم إدارة بايدن بفعل شيء لوقف الناقلات، مما يشير إلى تحفظها حثمة اتهامات تُوجه لكلِ من إيران وحليفها “حزب بالله” بتكوين شبكات استخباراتية في قارة أمريكا الجنوبية، تسعى من خلالها إلى تصدير ما يسمى “الثورة الإيرانية” داخل القارة. ولم يكن دور هذه الشبكات يقتصر على نقل المعلومات أو غيره، بل إنها اُتهمت أيضاً بالقيام بعمليات إرهابية، كان أبرزها تفجيرات مبنى الرابطة اليهودية “AMIA” في الأرجنتين عام 1994، والذي راح ضحيتها ما يقرب من 85 شخصاً وإصابة أكثر من 150 آخرين.
وقد أدت مثل هذه التصرفات الإيرانية إلى تدهور علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الأرجنتين، إلا أن الدولتين اتفقتا في عام 2011 على تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في حادثة تفجير مركز الرابطة اليهودية. وجاء مقتل النائب العام الأرجنتيني “ألبرتو نيسمان” العام الماضي ليطرح الكثير من علامات الاستفهام، حيث كان “نيسمان” قد اتهم إيران بتدبير تفجيرات AMIA، لافتاً إلى أن الحكومة الأرجنتينية تسترت على دور إيران و”حزب الله” في هذه التفجيرات مقابل صفقة سياسية بين البلدين.يال فرض العقوبات، وذكاء المناهضين للولايات المتحدة في التهرب منها، وفقاً لما ذكرته مصادر أمريكية .
وقد تم تأكيد عمليات التسليم من قبل مجموعة متنوعة من المصادر غير الحكومية، بما في ذلك TankerTrackers.com، وهي خدمة عبر الإنترنت تتعقب شحنات الطاقة العالمية باستخدام صور الأقمار الصناعية والبيانات البحرية، وخدمة أخبار أسواق الطاقة Argus Media ومقرها لندن، والتي قالت إنها حصلت على بيانات الشحن والوثائق ذات الصلة للناقلات الإيرانية.
وايضا من وكالة “رويترز” للأنباء، التي نقلت معلومات عن عدد من الأشخاص والمصادر الذين لم تسمهم على علم بالشحنات الإيرانية.
وبدأت إيران في إرسال شحنات بنزين غير نظامية إلى فنزويلا، الدولة المناهضة للولايات المتحدة منذ فترة طويل، لمساعدة حليفها في كاراكاس في إدارة نقص الوقود المحلي الناجم عن مصافي التكرير المتداعية، وسوء الإدارة الحكومية في الدولة التي كانت أحد المنتجين الرئيسيين للنفط.
وفي مقابل عمليات التسليم، زودت كاراكاس طهران بالذهب وفائض وقود الطائرات وسلع أخرى، وفقًا لمسؤولين أميركيين وفنزويليين وتقارير من Argus Media و Reuters، نقلاً عن وثائق شحن ومصادر مطلعة.
تسعى إيران لإظهار دعمها للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في الفترة الأخيرة سواء عبر إرسال ناقلات نفط أو من خلال ضخ تدريبات عسكرية لحماية سلطته المهددة تحت وقع الاحتجاجات. والهدف هو استثمار هذه الأزمة لإعادة إحياء شبكات كان الإيرانيون وحليفهم حزب الله عملوا على إنشائها وتطويرها في دول تعد بمثابة فناء خلفي للولايات المتحدة، وهذا التحرك لا يعد إشارة إلى امتلاك أوراق ضغط على واشنطن في محيطها، ولكن في الغالب هو محاولة للبحث عن متنفس بعد تشديد العقوبات المالية والنفطية على إيران من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
ولا تقدم ايران تفاصيل بشأن ما تحصل عليه من فنزويلا في مقابل تلك الشحنات المشار اليها ، مصادر مطلعة قالت إن وقود الطائرات يجري شحنه في ناقلات إيرانية تنقل البنزين إلى فنزويلا من أجل تأمين تدفق بلا انقطاع من المنتجات المكررة والاستفادة من ناقلات متاحة .
إيران وعلاقتها مع دول أمريكا الجنوبية وبالأخص فنزويلا ، تضفي طهران مبرراً أخلاقياً في علاقتها بتلك البلدان لكنها فرصة لمناكفة الولايات المتحدة، وجود طهران في أمريكا اللاتينية وسيلة للتهرب من العقوبات ومحاربة العزلة وكسب موطئ قدم استراتيجي، و يستخدم حزب الله اللبناني الوكيل لإيران صلاته في فنزويلا لتهريب المخدرات وغسيل الأموال ، تستغل إيران علاقتها بدول أميركا الجنوبية بهدف تصدير الثورة ومنهج ولاية الفقيه ، وتوسيع نفوذها في القارة .
في محاولة من إيران للالتفاف على العقوبات الأميركية، ولحاجتها إلى مزيدٍ من السيولة المالية في ظل أوضاعها الاقتصادية الصعبة، أرسلت طهران ناقلات وقود إلى فنزويلا التي تعاني وضعاً اقتصاديّاً صعباً، والمفارقة أنّ الدولتين تخضعان للعقوبات الأميركية.
ظهرت في أفكار صنّاع القرار الإيرانيين شعارات تبرز التزامات إيران الأخلاقية العالمية، ورفعوا شعارات أنه من واجب الأمة الإيرانية الوقوف إلى جانب المظلومين ولمواجهة الظلم، ووجدوا فرصة سانحة لنسج شبكة من العلاقات مع حلفاء جدد في أميركا الجنوبية لمعارضة المصالح الأميركية، ولموازنة الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، فضلاً عن سعيها للحصول على الدعم السياسي الدولي، لذا نسجت علاقات مع دول أميركا الجنوبية على خلفية التعاون لحل مشكلات العالم، التي تشمل الفقر والظلم على غالبية المجتمع العالمي، والقضايا البيئية، والأخلاقية مثل وضع المرأة، وتدمير الثقافات، وانتهاك حقوق الإنسان، وانعدام السلام والأمن.
ختاما ان جهود إيران لإرسال شحنات البنزين إلى فنزويلا هي لدعمها في مواجهة العقوبات النفطية يمكن اعتبارها خطوة نحو تشكيل قطب جديد أو اتفاقية جديدة بين الدول التي واجهت عقوبات أميركية. فإلى أي مدى يمكن لطهران وكاراكاس إدارة آثار العقوبات الأميركية على صناعة النفط في البلدين.
خلاصة القول ، تؤكد الدراسة أن قارة أمريكا الجنوبية تعد من المناطق الحيوية والجيواستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، وعلى الرغم من بروز العديد من التهديدات الإرهابية – والتي تحظى بالاهتمام الأكبر في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية والمجتمع الدولي عموماً في الوقت الراهن، فإن ذلك لا يجب أن يقلل من أهمية التهديدات الراهنة لإيران وحليفها “حزب الله” في أمريكا الجنوبية، وهو ما يمثل خطراً متزايداً على المصالح الأمريكية في القارة الجنوبية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
المصادر :
https://www.hrw.org/world-report/2021/country-chapters/venezuela
https://www.alarabiya.net/aswaq/special-stories/2021/04/09/%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%8
https://www.independentarabia.com/node/121016/%D8%A7%