ظهرت بعض المؤشرات على العودة إلى النشاط الاقتصادي المعتاد مع توجه العديد من دول الاتحاد الأوروبي نحو رفع القيود وتخفيف إجراءات الحجر الصحي؛ لكن درجة التعافي لن تكون متساوية بين جميع دول الاتحاد.
وتقول مجلة “إيكونوميست” (Economist) البريطانية -في تقرير لها- إن الدول الأوروبية تعرضت لضربات قوية بسبب موجات فيروس كورونا، والآن بدأت اقتصاداتها تستعيد عافيتها. وقد بلغت عمليات التطعيم أشواطا متقدمة في عدد من الدول، وتم تخفيف إجراءات الحجر الصحي على نطاق واسع.
وفي 17 مايو/أيار الماضي، تم تخفيض عدد ساعات حظر التجول الليلي في إيطاليا، وفي 19 من الشهر ذاته، تم السماح لسكان العاصمة الفرنسية (باريس) بالخروج للمقاهي، بعد 6 أشهر من الإغلاق.
وفي ألمانيا، يشعر أصحاب المؤسسات بموجة تفاؤل هي الأكبر خلال عامين، وذلك بحسب استطلاعات نُشرت في 25 مايو/أيار، وهناك شعور عام ببداية التعافي الاقتصادي؛ لكن الأمور لن تكون سهلة رغم المؤشرات الواعدة.
التعافي من كورونا
توضح المجلة أن دول الاتحاد الأوروبي كانت تعيش قبل اندلاع أزمة كورونا أوضاعا اقتصادية متفاوتة، إذ إن دول الشمال على غرار ألمانيا كانت في حال أفضل من دول الجنوب على غرار إسبانيا وإيطاليا.
عرض على خشبة مسرح في الهواء الطلق أمام المتفرجين المتباعدين اجتماعيا في برلين/ألمانيا بتاريخ 27 مايو/أيار 2021 (الأوروبية)
وقد جاء الوباء لتعميق الأزمة في الدول المتعثرة، فبين الربع الأخير من 2019 والربع الثاني من 2020، شهد الاستهلاك المنزلي في إسبانيا وإيطاليا تراجعا بنسبة 30% و20% فيما لم تتجاوز نسبة التراجع في ألمانيا 11%. وقد ساهمت إجراءات الإغلاق وحالة الشلل التام في قطاع السياحة، في تعميق هذه المعاناة الاقتصادية.
ووفق المجلة، فإن المؤشرات في الوقت الحالي تؤكد أن الدول الأكثر تضررا من أزمة كورونا، هي التي بدأت التعافي الاقتصادي بوتيرة أسرع. وتشير بيانات التنقل من محرك البحث “غوغل” (GOOGLE) في منتصف مايو/أيار، إلى أن وتيرة السفر للترفيه والتسوق بدأت تعود إلى مستوياتها الطبيعية في إيطاليا وإسبانيا بشكل أسرع من فرنسا وألمانيا، وقد يكون السبب في ذلك هو أن المحلات والوجهات السياحية فتحت بشكل مبكر.
وهناك مؤشرات أخرى تعكس بعض التفاوت، حيث تظهر بيانات منصة “إنديد” (Indeed) للبحث عن الوظائف في أوروبا، أن الوظائف الشاغرة في إيطاليا أكثر مما هو معروض في فرنسا وألمانيا.
3 عوامل تفسر التفاوت
وترى المجلة أن هناك 3 عوامل رئيسة ستحدد مدى التفاوت في مستويات التعافي الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي.
العامل الأول: سرعة رفع القيود والإجراءات التي كانت مفروضة في السابق، إذ إن إلغاء قيود السفر يكتسي أهمية كبرى في إسبانيا، التي كانت تعتمد على السياحة لتوفير 12% من الناتج المحلي الإجمالي قبل بداية الأزمة. أما قوة الاقتصاد الصناعي في ألمانيا، فهي تعتمد بشكل كبير على سلاسة الإنتاج وحل مشاكل التزود.
العامل الثاني: مدى استعداد المستهلكين لصرف الأموال، التي تم ادخارها خلال الفترة الماضية، إذ إن المبالغ التي تكدست لدى البعض أثناء فترة الحجر قد تساعد الدول المتضررة على تنشيط الحركة التجارية.
وبالمقارنة مع الفرنسيين والألمان، فقد تمكن الإيطاليون والإسبان من ادخار مبالغ مالية أكبر خلال الفترة الماضية؛ لكن هذا لا يعني بالضرورة استعدادهم لصرف هذه الأموال.
وأظهر استطلاع أجراه بنك أوروبي شمل 5 آلاف مستهلك، أن الإسبان أقل استعدادا من غيرهم للتمتع بمدخراتهم خلال هذه المرحلة. وبالنظر إلى الحالة المتردية في سوق الشغل، فإن هذا الموقف الحذر لا يبدو مفاجئا في دولة مثل إسبانيا وصلت فيها نسبة البطالة في مارس/آذار الماضي إلى 15%؛ أي 3 أضعاف نسبة البطالة في ألمانيا.
العامل الثالث: قوة الإجراءات المالية التي تتخذها الحكومات ستؤثر على وتيرة التعافي في دول الاتحاد الأوروبي. وهناك مخاوف من التفاوت في الأداء الاقتصادي، دفعت الاتحاد الأوروبي للتحرك نحو إقرار صندوق مالي لمساعدة الاقتصادات الأكثر تعثرا.
هذا الصندوق سيضخ سيولة نقدية في إيطاليا وإسبانيا من أجل دفع النمو الاقتصادي؛ إلا أن بعض الخبراء يحذرون من أن المسؤولين الأوروبيين يحتاجون للقيام بما هو أكثر من ذلك، بما أن التوقعات المالية تحذر من أن دول اليورو لن تعود للأداء الاقتصادي العادي لما قبل كورونا إلا بحلول العام 2022، وبالتالي من الأفضل تقديم حزمة إضافية من الحوافز المالية بهدف معالجة التفاوت، الذي بدأ يظهر بين دول الاتحاد.
المصدر : إيكونوميست