الكاظمي وحسابات الربح والخسارة

الكاظمي وحسابات الربح والخسارة

جاءت أحداث اليوم الحادي والعشرين من شهر مايس 2021 التي شهدت اعتقال (قاسم مصلح) قائد عمليات الحشد الشعبي في غربي محافظة الانبار منذ عام 2017 والمسؤول عن اللواء 13 المعروف باسم (الطفوف) وفق مذكرة قضائية تشير المعلومات الى اتهامه باغتيال ناشطين عراقيين ممن شاركوا في الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت منذ الأول من تشرين أول 2019 ولغاية اليوم التاسع من مايس 2021 اليوم الذي اغتيل فيه الناشط السياسي (إيهاب الوزني) أحد أبناء محافظة كربلاء ومن المدافعين عن حقوق أبناء الشعب العراقي والمطالبين بإنهاء النفوذ الإيراني ودور المليشيات المسلحة وتحقيق العدالة الاجتماعية وسيادة القانون وحماية المواطنين وتحقيق الأهداف والآمال التي تسعى إليها الجماهير العراقية .
جاءت عملية الاعتقال ضمن الخطوات الميدانية التي تقودها الحكومة العراقية ويشرف عليها مصطفى الكاظمي رئيس مجلس الوزراء، وتنفيذا لخطة دقيقة عملية باشرت بالبحث والتقصي عن القتلة المتهمين باغتيال وتغييب الفاعلين والناشطين والشباب من المشاركين في التظاهرات والاحتجاجات التي طالت ساحات وميادين مدينة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية بغية الاقتصاص منهم وإحالتهم للمحاكم، تنفيذا للوعود التي أقرتها الحكومات العراقية المتعاقبة..
أفصحت هذه العملية عن العديد من الحقائق الميدانية والأحداث المؤسفة التي تمثلت بقيام عدد من المليشيات المسلحة بالتحشد وبأعداد كبيرة أمام بوابات المنطقة الخضراء ومقار رئاسة الوزراء، ومحاولة القيام بالدخول إليها واعتقال عدد من المسؤولين وإشاعة حالة الفوضى والاضطراب داخل المنطقة التي يتواجد فيها مقار البعثات الدبلوماسية، والدور والمقار الخاصة بمسؤولي الأحزاب السياسية وأعضاء مجلس النواب العراقي وهي حالة سبق وأن تكررت دون أية إجراءات فعلية منعت تكرارها لمرة أخرى، إلا أن الإصرار والثبات على تطبيق روح القانون ودعم إجراءات الحكومة وتنفيذ قرارات السلطة القضائية كان كفيلا بالتغلب على الأزمة المفتعلة والتي أرادت الإساءة لسيادة البلاد والاعتداء على مقار ومؤسسات الدولة واعتقال بعض المسؤولين الحكوميين للضغط على رئيس مجلس الوزراء لإطلاق سراح (قاسم مصلح) والاستمرار باستخدام أساليب القوة والعنف في مواجهة الاداء الأمني والقضائي .
ولكن الحكمة والهدوء التي تمتع بها مصطفى الكاظمي أدت الى الحفاظ على تطبيق الإجراءات القانونية وحماية السلطة التنفيذية والدفاع عن المؤسسات العسكرية والأمنية ووضع مصلحة البلاد العليا أمام جميع التحديات الداخلية التي تتلقى الدعم من قوى أجنبية تحاول إبقاء العراق رهينة للمصالح والمنافع الدولية والإقليمية وإشاعة حالة الفوضى والانفلات الأمني والتدخل في القرارات المناسبة التي تتعلق بحياة أبناء الشعب العراقي، وهنا وضع رئيس مجلس الوزراء رهانه على تماسك وتأييد الشعب العراقي بكل انتماءاته وتأييده لقراراته الأخيرة بحماية الأمن الداخلي والضرب بقوة على الأيادي التي تحاول العبث بمستقبل العراق وبحياة وأرواح المواطنين والإساءة إليهم وحماية حرية الرأي والتغيير ومساندة أهداف وتطلعات المتظاهرين من أجل الحرية والكرامة وحماية الناشطين السياسيين والإعلام الحر .
سعت الأطراف المخالفة لإجراءات الحكومة والتي وقفت ضد قرارات السلطة القضائية والتنفيذية الى إثبات وجودها عبر لغة السلاح المنفلت والتحركات العشوائية العبثية والإساءة للقوانين والتشريعات الحكومية التي لقيت دعما دوليا ورأت في إجراءات حكومة الكاظمي إعلانا واضحا لتنفيذ القانون وإشاعة روح الأمل وسيادة العدالة الاجتماعية في المجتمع العراقي وإنقاذه من حالات الخوف والضياع وانتهاك الحريات العامة والقتل والترويع بتنفيذ الإجراءات الفعالة وتصاعد عمليات الاعتقالات لشخصيات سياسية وعسكرية متهمة بالفساد والسرقة والقتل .
على الرغم من أن إجراءات رئيس الوزراء كانت في بدايتها عقلانية واتسمت بالهدوء إلا انها في النهاية اثبتت قدرتها وأدت الى تقويض حركة وفعالية المليشيات المسلحة وإظهارها أمام الشعب أنها تحمل خروجا على القوانين وتسيئ الى سيادة البلد وتعمل على تطويق إرادة الدولة وتسعى للسيطرة على الوضع الداخلي تحقيقا لأهدافها، واثبتت الأحداث أن القوى والأجهزة العسكرية والأمنية قادرة على مواجهة الأزمات الداخلية ومعالجتها بهدوء ومواجهتها بالقرارات السليمة والهدوء والحكمة في اتخاذ المواقف المواجهة لأية تحركات مريبة، والعمل على تعزيز قوة الدولة وتطبيق القوانين ومحاسبة المعتدين والإفصاح عن حقيقة وغايات تحركات المليشيات المسلحة التي سعت لمواجهة القوات العسكرية والاعتداء على المقار والمؤسسات الحكومية، تعامل رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي مع الأحداث برؤية ميدانية واضحة مستخدما جميع الوسائل والأدوات انطلاقا من حرصه العميق للحفاظ على المصلحة العليا للعراق وحياة أبناء الشعب ومنع جميع المحاولات الخبيثة التي سعت الى جر البلاد لأوضاع وطرق مجهولة وأساليب بعيدة عن الأسس الدستورية والقانونية .
لو نظرنا الى أحداث الأيام الماضية برؤية واضحة وفق المعايير الأساسية في فهم التعامل الميداني مع الأحداث السياسية وكيفية التعامل معها من باب (الربح والخسارة) والمواجهة السياسية، لرأينا أن الحكمة والهدوء كانتا إحدى العلامات البارزة في كيفية التعامل مع الأوضاع والثبات في الدفاع عن إجراءات الحكومة وشرح الأبعاد الخطيرة التي أقدمت عليها المليشيات والتي كان من الممكن حدوثها والتي تكللت بالتحركات واللقاءات التي أجراها الكاظمي مع جميع الشركاء السياسيين والأحزاب المتنفذة وسعيه الى احتواء الأزمة وإخماد نار المواجهة التي سعى إليها الآخرون، وجاءت تصريحات رئيس مجلس الوزراء في لقائه مع الصحافة الإيرانية بتاريخ 4 حزيران 2021 لتؤكد الرؤية الدقيقة في التعامل الميداني الذي سلكته الحكومة العراقية بقوله “إنه من غير المعقول أن نسمح لأطراف خارجية أن تملي علينا قرارا حياديا، واننا لا نقبل بأية إملاءات على الحكومة العراقية”.

وحدة الدراسات العراقية