في الخامس من أيار/ مايو 2020م، نالت حكومة مصطفى الكاظمي ثقة مجلس النواب العراقي، ويدرك الكاظمي بروحه الوطنية أن تكون رئيسًا لوزراء العراق في هذه المرحلة الحرجة مسألة في غاية الصعوبة، حيث ورث الكاظمي وضعًا شاذًا لم يصنعه من حيث الفساد العام والفقر والتهجير وقتل المتظاهرين واغتيال النشطاء وأزمات الكهرباء والمياه والخدمات العامة و«كورونا»، والمليشيات الولائية التي تتحدي الدولة العراقية.
لا نبالغ إذا قلنا أن مصطفى الكاظمي لم يكن ذات يوم طامعًا في منصب رئيس وزراء العراق لكن التحديات الجسام التي يمر بها العراق هي التي جعلته يسلك هذا الطريق ليس للبحث عن مجد شخصي أو استهواء بمميزات الحكم، وإنما حقه كأي مواطن ومثقف وحقوقي عراقي في بناء عراق آمن ومزدهر يحمل بصمات تطلع أبنائه إلى العيش في دولة سيدة ومزدهرة لا تؤسَّس على العداء لهذا الطرف الدولي أو الإقليمي. وفوق كل هذا، فالتحدي كان – ولايزال- أمام الكاظمي هو شق طريق وسط بين الولايات المتحدة وإيران التي تمارس تأثيرا سياسيا وأمنيا عميقا في العراق. وفي أي مواجهة عسكرية بين العدوين فالعراق سيكون الساحة.
وأنَّ المحاولة التي يقوم بها رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي حاسمة في هذا السياق. فمنذ توليه منصبه، ورغم تعاقب الصدمات والاصطدامات، لا يزال يرفع، وبتناغم كامل مع الرئيس برهم صالح، راية بناء دولة القانون والمؤسسات. وفي الشهور الماضية بدا الكاظمي في صورة مَن يقاتل على جبهات عدة مجموعة من الملاكمين الذين تجذّروا في الشارع وداخل مجلس النواب العراقي ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وهندسوا استمرارهم على قاعدة ديمومة اللادولة.
ومن المنطقي هنا التساؤل لماذا لا يتخذ الكاظمي إجراءات أقوى ضد الميليشيات إذا كانت مثل هذه الإجراءات ستحظى بدعم الرأي العام العراقي والمرجعية. من جانبه، صرح وزير الدفاع، جمعة عناد سعدون، الجنرال السابق في الجيش، أمام حشد من المراسلين العراقيين في 29 مايو الماضي، بأن اندلاع قتال بين الجيش وميليشيات «الحشد الشعبي» سيكون بمثابة بداية حرب أهلية، وأن العراق ليس بمقدوره تحمل سقوط مزيد من القتلى. وليس غريباً أن يبدو منطق الدولة في صورة الأضعف، ذلك أنَّ ثقل السنوات الماضية التي أعقبت سقوط صدام يرخي بظلاله على الواقع الحالي، خصوصاً بعد اختلاطه بالتمزقات بين المذاهب وداخلها، فضلاً عن حرص البعض على إيقاظ الجرح العربي – الكردي.
في الوقت الراهن، وفي معركة الدولة واللادولة يتراجع الكاظمي بضع خطوات في سبيل تقوية استراتيجيته العسكرية ” ترفيع الضباط الشباب وتوسيع عمليات مكافحة الإرهاب” والأمنية “تعيين المزيد من الموالين له داخل الجهاز الأمني” والاقتصادية ” رفع العائدات الحكومية من النفط”.
ستظل الامور مفتوحة على كل الاحتمالات بين الجانبين الحكومة والسيد الكاظمي من جهة، والمليشيات التابعة الى ايران من جهة اخرى. ولا ينتهي هذا الصراع إلا بكسر عظم احد الطرفين المتصارعين.
وان الايام المقبلة حافلة بالمفاجأت , طالما المليشيات الموالية الى ايران اختارت لغة التهديد والمجابهة والصدام والتأزم مع السيد الكاظمي . ان هذا المخطط الايراني المرسوم هو ضرب عصفورين بحجر واحدـ، افشال مهمة السيد الكاظمي في ادارة الدولة والحكومة وسحب البساط منه , اما في اسقاطه او تطويعه الى جانبها مثل ماكانت تفعل مع اسلافه السابقين . والهدف الاخر هو جعل الساحة العراقية ساحة صراع مع امريكا في تصفية الحسابات بالضغط عليها في الساحة العراقية , حتى تضطر امريكا للتخفيف من حدة الخناق والحصار على ايران.
جماع القول، يسعى نهج الكاظمي ضد المليشيات إلى إعادة الاعتبار إلى الدولة، وتأمين مواردها التي أصبحت نهباً للأحزاب السياسية، لأنها لا يمكن أن تقوم إلا برفض الهيمنة الإيرانية على الواقع العراقي. إلى ماذا سيؤدي صراع الكاظمي مع المليشيات؟ وهل يتمكن من إرساء أسس الدولة العراقية التي لا تقوم لها قائمة إلا بالاستناد على المواطنة الحقيقية لا على المحاصصة الطائفية؟. المشهد السياسي والأمني في غاية التعقيد، ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل القريب.