يُعاني واقع المصارف العراقية إهمالا من الجهات المسؤولة، وقد دخلت مرحلة من الخمول جعلها في الصفوف الأخيرة مقارنة مع المصارف العالمية الأخرى التي تشهد تطورات كبيرة يوما بعد آخر، باستخدامها واعتمادها على الوسائل التكنولوجية الحديثة بما فيها تعاملاتها اليومية.
ويعدّ البنك العثماني من أقدم المصارف في العراق، يليه بنك الشاهنشاه الإيراني، ومن ثم البنك الشرقي البريطاني.
وبدأت الصيرفة الوطنية عام 1935 حيث تأسس المصرف الزراعي الذي تحوّل عام 1940 إلى مصرفين وهما الزراعي والصناعي.
وعام 1941 تأسس مصرف الرافدين التجاري الوحيد آنذاك، ثم عام 1947 تأسس البنك المركزي تحت مسمى “المصرف الوطني العراقي”.
الشيخلي يرى أن عدم الثقة بالقطاع المصرفي دفع المواطنين للعزوف عن إيداع أموالهم بالبنوك (مواقع التواصل)
فما أسباب التدهور وتحديدا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ودخول المصارف مرحلة الخمول، وعجزها عن مواكبة التطورات العالمية؟ وما أسباب عزوف المواطن عن التعامل معها بعد أن كشفت أرقام البنك الدولي أن 23% فقط من الأسر لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى بالعالم العربي؟ استفسارات وضعتها الجزيرة نت أمام أهل الاختصاص.
لماذا يعزف العراقيون عن البنوك المحلية؟
يعزو الخبير المالي والمصرفي عبد الرحمن الشيخلي عزوف المواطن، عن التعامل مع هذه المصارف، إلى فقدانه الثقة بها مما جعل الجزء الأكبر من الكتلة النقدية مكتنزة لدى أصحاب رؤوس الأموال دون إدخالها للقنوات المصرفية.
ويتحدث الشيخلي هنا عما وصفه بالتدخلات والنفوذ السياسي الذي ينعكس سلبا على مالكي المصارف.
وينتقد البنك المركزي الذي حاول -حسب رأيه- الآونة الأخيرة تقليل مركزيته حيال أداء بعض تلك المصارف التي تقع ضمن مسؤوليته من جهة الإشراف ومراقبة أدائها وفق المعايير الدولية.
ويعتقد الشيخلي أن هناك تأثيرا كبيرا لوزارة المالية -المسؤولة عن رسم السياسة المالية- في وقت يفترض أن يكون “المركزي” الوحيد المسؤول عن رسم السياسة النقدية وفق الدستور.
من الخاسرون والرابحون؟
ويرى الشيخلي أن الرابح من هذه الإجراءات هم الفاسدون ماليا وإداريا، مشيرا إلى وجود 78 مصرفا غير حكومي نشطا في البلاد بين محلي تجاري أو إسلامي وفروع ومكاتب لمصارف أجنبية، علاوة على 3 تحت التأسيس.
ويضيف أن أصحاب رؤوس الأموال أغلبهم متهمون بالفساد، وهم المستفيدون فهم يقومون بسحب المال وقت ما يريدون دون اعتبار لإيداعات المودعين الصغار، ويكون الرابح هو صاحب المصرف أو صاحب الامتياز فيه، على حساب المودع البسيط.
ما انعكاس التدخل السياسي على واقع عمل المصارف؟
يؤكد الشيخلي، في رده على هذا السؤال للجزيرة نت، وجود نفوذ سياسي واضح في عمل المصارف من خلال امتلاك بعض الشخصيات النافذة لهذه المؤسسات المصرفية، والكثير من أصول بعض المصارف متحصلة بالأساس من الفساد المالي والإداري، مما يجعلهم مؤثرين في سياسات تلك المصارف.
ويلفت إلى أن المشكلة الأبرز بعد التدخل السياسي في واقع المصارف هي الابتزاز، مستشهدا بمثل أن يقوم بعض من أصحاب المصارف وهم في العادة من الشخصيات المرموقة لكنهم هربوا إلى خارج البلد وعكفوا على إدارة مؤسساتهم المالية عن بُعد لكي يقللوا من ابتزاز السياسيين، ويقرّ بأن المناكفات السياسية تؤثر بشكل كبير على العملية المصرفية، لكنّه لا يخفي في ذات الوقت دور المؤثرات الخارجية لاسيما موضوع الأحزاب التي تمتلك السلاح المنفلت وتجبر أصحاب المصارف للخضوع لها، وتنفيذ مطالبها.
ويعزّز الخبير المصرفي حديثه بذكر حالات مع بعض المصارف وهي استعانة بعضها بكتلة سياسية مُعينة، ضد مصرف آخر يعتمد على كتلة أخرى، وبذلك يكون المواطن هو الخاسر الوحيد، وهذا ما يدفعه للعزوف عن التعامل مع هذه المصارف.
يذكر الباحث الاقتصادي عقيل الأنصاري بعض المحاولات التي قامت بها الحكومة خلال السنوات الماضية لتطوير هذا القطاع، مثل الشمول المالي وبرنامج التوطين، وتأهيل وتطوير المراقبة، والامتثال للقوانين الدولية، مما انعكس إيجابيا على القطاع المصرفي، ولوحظ إثر ذلك زيادة الحسابات في المصارف بسبب برنامج توطين رواتب الموظفين.
وأكد الأنصاري أن هذه الخطوات ليست كافية للوصول إلى مستوى الطموح، والمساعدة على منافسة الدول المتقدمة ومنها دول الجوار.
واعتبر أن من أهم العوائق السيطرة الكبرى للمصارف الحكومية التي لم تُطوّر نفسها لاحتكارها أكثر من 80% من القطاع المصرفي بشكل عام.
ويقرّ الأنصاري بأن القطاع المصرفي متخلّف عن أقرانه بنحو 30 سنة بسبب الفساد الإداري، وخضوع البلاد للعقوبات الاقتصادية والحصار إلى جانب الحروب التي وقعت.
وأكد الحاجة لتأهيل تأسيسي يمكن من تطوير القطاع المصرفي، مثل البرامج الشاملة لربط الفروع والإدارة العامة، ليتسنى تقديم خدمات أفضل ومراقبة أكثر.
البنى التحتية والتكنولوجيا
يردّ الانصاري على تساؤل الجزيرة نت بضرورة تأهيل البنى التحتية والاعتماد على التكنولوجيا في مراقبة الحسابات، وإيصال الخدمات والمنتجات إلكترونيا إلى الزبائن، بالإضافة إلى ربط الدوائر الرسمية ببرامج تستطيع المصارف الوصول إليها للتحقق من المعلومات مثل دائرة الضريبة والسجل التجاري والعقار وسجل النفوس، وغيرها من الدوائر الأخرى، معتبرا أنها خطوة مهمة جدا.
ويرى أن هذه الخطوات تساعد المصرفي على تقديم الخدمات والمنتجات المصرفية بسهولة، وذلك بالوصول إلى دائرة المعلومات الإلكترونية ليتأكد من الشخصية المقدمة أمامه، دون الحاجة إلى الزبون الذي يقدّم جميع أوراقه، وإنما ذلك يتطلب تقديم فقط رقم السجل التجاري للتأكد من معلومات الزبون، معتبرا أن ذلك سيشجع عملية تسجيل وفتح الحساب وتقديم الخدمات المصرفية.
ويقترح الأنصاري أيضا إنشاء كلية مصرفية للتعليم والتدريب في اختصاصات مختلفة، على اعتبار أن المصارف اختصاصات متعددة ومتنوعة وليست اختصاصا واحدا.
ويؤكد ضرورة تشجيع المصارف الدولية للعمل في البلاد بعد أن غادر جزء كبير منها خلال عامي 2013 و2014، مشيرا إلى الحاجة إلى عودة تلك المصارف لنقل خبراتها المصرفية من قبيل الخدمات والمنتجات المصرفية.
ما أبرز الأسباب التي جعلت النظام المصرفي متأخرا؟
يحمّل عضو لجنة الاقتصاد النيابية في مجلس النواب مازن الفيلي هذا التأخير إلى سوء الإدارة والتخطيط، ويتأسف لعدم مواكبة المصارف للتطّور التكنولوجي للمصرفية العالمية.
ويقرّ الفيلي -في رده على سؤال الجزيرة نت- بأن الأحزاب النافذة وصاحبة السلطة تتحمل المسؤولية الكبرى في تراجع البلد بشكل عام، والقطاع المصرفي خاصة، ويؤكد أن كل جهة تُفكر بمصلحتها الخاصة بها على حساب المصلحة العامة والتي هي من مسؤولية الجميع، وينتقد في ذات الوقت غياب رؤية وطنية حقيقية متفق عليها، ويرى أن فقدان هذه المقومات جعل الواقع المصرفي متأخرا إلى حد كبير جدا مقارنةً مع البلدان الأخرى.
المصدر : الجزيرة