أنقرة – لم يتفاجأ المحللون من قرار البنك المركزي التركي إبقاء سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير للشهر الثالث على التوالي في مستوياته المرتفعة والبالغة 19 في المئة، وهو مؤشر قوي على استمرار ضغوط التضخم واحتمالات عودة الليرة إلى الانحدار.
ويرى هؤلاء أن السياسة النقدية التي يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفرضها تقوم دوما على التناقضات ما تسبب في أزمة قاسية لليرة، حيث شكل تثبيت سعر الفائدة مسعى من المركزي للموازنة بين دعوة أردوغان لخفض تكاليف الاقتراض والحاجة إلى دعم العملة المتدنية.
وقال المركزي في بيان “أخذاً في الاعتبار المستويات المرتفعة للتضخم وتوقعات التضخم، سيتم الحفاظ على الموقف المتشدد للسياسة النقدية الحالية بشكل حاسم حتى يتحقق الانخفاض الكبير في مسار التوقعات”.
وكان أردوغان قد أثار توترا في السوق عبر تشديده في الأول من يونيو الجاري على أنه “مصمم” على رؤية أسعار الفائدة تنخفض في الأشهر المقبلة.
وانتهج الرئيس التركي طيلة السنوات الماضية سياسة المغامرة بخفض أسعار الفائدة فارضا إرادته على المركزي بإجراء خفض كبير في أسعار الفائدة، ما تعارض مع الوضع الهش للتوازنات المالية والاقتصادية، وانعكس بسرعة ووضوح في اتجاه انهيار متسارع لليرة التركية.
وقد أقيل في مارس الماضي محافظ المركزي السابق ناجي إقبال، الذي لاقى ثناء السوق عبر رفع تكلفة الاقتراض القياسية من 10.25 في المئة إلى 19 في المئة على مدى فترة ولايته التي دامت أربعة أشهر وسعى خلالها إلى مكافحة التضخم ودعم الليرة التركية.
وهذا الأسلوب لا يريده أردوغان صاحب واحدة من أغرب النظريات الاقتصادية في العالم عن أن تخفيض أسعار الفائدة يؤدي إلى تراجع التضخم.
19 في المئة سعر الفائدة الذي حافظ البنك المركزي على مستواه للشهر الثالث على التوالي
وفي محاولة منه لتهدئة السوق، قال محافظ المركزي الجديد شهاب قاوجي أوغلو في الثاني من يونيو الجاري إنّ التوقعات بخفض وشيك لسعر الفائدة “يجب أن تختفي”.
وعزل أردوغان في يوليو 2019 محافظ المركزي مراد تشيتن كايا بسبب فشل السياسات النقدية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، فيما دق خبراء نواقيس الخطر من أنها بداية مغامرة قد تكون الأخطر في مسيرة انهيار الليرة التركية.
وأثارت الخطوة قلق البنوك المحلية والعالمية من أن يصبح المركزي أداة سياسية في يد أردوغان وغير مستقل كما هو الحال في الدول المتقدمة.
ولم تكن إقالة تشيتن كايا مفاجئة بل كانت مبيتة منذ فترة لأن المحافظ المقال كان مصرّا على اعتماد منطق اقتصادي سليم في التعامل مع أسعار الفائدة.
وفي نوفمبر العام الماضي أقال أردوغان محافظ المركزي الأسبق مراد أويسال الذي تولى المنصب لفترة تزيد قليلا عن العام بسبب تراجع قيمة العملة لعدة أسابيع، وقام بتعيين ناجي إقبال بدلا منه.
وكان انخفاض العملة المحلية من نحو ثلاث ليرات للدولار الواحد عام 2016 إلى زهاء 8.6 ليرة للدولار هذا الأسبوع، أحد العوامل وراء تراجع شعبية الرئيس التركي.
كما ساهم معدل التضخم السنوي البالغ 16.6 في المئة في انخفاض حاد في القوة الشرائية للأتراك وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ويعتبر أردوغان أنّ أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم من خلال إجبار الشركات والمؤسسات التجارية على رفع أسعارها للتعويض عن ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وترى غالبية البنوك المركزية حول العالم أنّ المعدلات المرتفعة تخفف الإنفاق، ما يساعد في خفض الأسعار.
بيد أنّ الدفع الذي منحه أردوغان للائتمانات الميسرة ساعد تركيا في تسجيل نمو بنسبة 1.8 في المئة في 2020، وهو العام الذي تعثر فيه الإنتاج بسبب عمليات الإغلاق لمكافحة تفشي كوفيد – 19.
وتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد التركي بنسبة 5.8 في المئة هذا العام. وقال إنّ “التحديات التي تواجهها تركيا غير مستعصية على الحل”.
العرب