في وقت يستعد فيه مسؤولون من الولايات المتحدة وتركيا لمناقشة عرض أنقرة تأمين مطار كابول الدولي، سيطرت حركة طالبان على أهم المعابر الاستراتيجية التي تربط أفغانستان بآسيا الوسطى، ما يقوّض الأجندات التركية المتخفية وراء العرض.
أنقرة- تقوّض سيطرة حركة طالبان الثلاثاء، على أبرز معبر حدودي مع طاجيكستان في شمال أفغانستان وهو محور حيوي في العلاقات الاقتصادية مع آسيا الوسطى، أجندات التمدد التركي في المنطقة الاستراتيجية عبر البوابة الأفغانية.
وتسعى تركيا إلى تأمين مطار كابول الدولي بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بحلول سبتمبر القادم في مقابل دعم مالي ولوجستي واقتصادي من جانب واشنطن، ما يمكنها من المزيد من بسط نفوذها في آسيا الوسطى الغنية بالمحروقات مقابل خوض “حرب بالوكالة” عن القوات الأميركية.
وعبور الحدود من أفغانستان يتم عبر جسر فوق نهر البانج، ما يتيح ربط كابول بدوشانبي عاصمة طاجيكستان وبقية أنحاء آسيا الوسطى. وأدى تدشينه في 2007 إلى تعزيز التبادل التجاري الإقليمي بشكل كبير.
وبات المتمردون يسيطرون على أبرز مركز حدودي وطرق المرور الأخرى مع طاجيكستان وكذلك على المناطق المؤدية إلى قندوز، كبرى مدن شمال شرق البلاد.
تركيا تسعى إلى تأمين مطار كابول الدولي الذي يعتبر المنفذ الرئيسي لخروج الدبلوماسيين الغربيين وموظفي الوكالات الإنسانية بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بحلول سبتمبر القادم في مقابل دعم مالي ولوجستي واقتصادي من جانب واشنطن
ورفضت طالبان في وقت سابق العرض التركي وقالت إنها لن تسمح بتواجد قوات عسكرية أجنبية بعد انسحاب القوات الأميركية وأن تأمين مطار كابول مهمة الشعب الأفغاني، في رسالة مباشرة لتركيا. ولدى تركيا أكثر من 500 جندي في أفغانستان ضمن مهمة حلف الأطلسي (الناتو) لتدريب قوات الأمن الأفغانية.
ووجدت تركيا في المخاوف الأميركية على استقرار أفغانستان بعد سحب جنودها بالكامل، فرصة مواتية لخدمة أجنداتها وتعزيز نفوذها في منطقة آسيا الوسطى الحيوية.
ويرى المسؤولون الأتراك في أزمة أفغانستان الأمنية والتوجس الأميركي من ذلك أحد الملفات التي يمكن استخدامها لبسط المزيد من النفوذ، ما يخدم سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المبنية على الهيمنة.
وتطمع تركيا في التوسع أكثر في منطقة آسيا الوسطى الغنية بالمحروقات في محاولة لبسط نفوذها وإنقاذ اقتصادها المتأزم عبر الاستثمار في النزاعات الدامية التي تعيشها تلك المناطق، متبعة استراتيجية توسعية تقوم على مرتكزين هامين هما التدخلات العسكرية والقوى الناعمة.
وتتمتع دول آسيا الوسطى بثروات طاقية هائلة، إذ يبلغ حجم الغاز الطبيعي فيها 34 في المئة من الاحتياطي العالمي، أمّا النّفط فتبلغ احتياطياته 27 في المئة من الاحتياطي العالمي، بالإضافة إلى ثروات ضخمة من المياه العذبة والباطنية، واحتياطيات هائلة من المعادن والقطن والفحم ما يجعلها إحدى أغنى مناطق العالم بامتياز.
كما تملك قاعدة صناعية ثقيلة وإستراتيجية ضخمة، خاصةّ أنّ هذه الأرض كانت قطبا زراعيا وصناعيا هامّا أيام الاتحاد السوفييتي، مع وجود قاعدة علمية جد هامّة، حيث كانت هذه المنطقة ملتحمة في الصناعات مع الأيادي والعقول الصناعية والتقنية السوفييتية، ولا تزال تتوفر على كتلة هائلة من العلماء في مختلف المجالات ممن استقروا فيها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، مع تميزها أيضا بمعدل عمر شبابي عالٍ.
ولم يكن لتركيا بعد إستراتيجي قبل مجيء حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، ما أسهم في غياب تركيا عن آسيا الوسطى وغيرها.
تركيا تطمع في التوسع أكثر في منطقة آسيا الوسطى الغنية بالمحروقات في محاولة لبسط نفوذها وإنقاذ اقتصادها المتأزم
ويرجع الدكتور معروف البخيت سبب ذلك إلى “تشتت عناصر القوة في الدولة، فقد كانت السياسات التركية في تلك المرحلة في مواجهة القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تشتّتت بين سياسة إدارة التنوع أو سياسة إدارة المتناقضات”، وهذا ما يفسر تأخر ظهور إستراتيجية تركية في دول آسيا الوسطى التي شكلت عبر التاريخ العمق الإستراتيجي لها.
وقد يفتح دعم واشنطن لأنقرة في آسيا الوسطى، إذا ما تم قبول عرضها بخلافة الأميركيين في أفغانستان، منافذ أخرى أمام التغلغل التركي الاقتصادي والأمني.
ومن المتوقع أن يُحدث الانسحاب الأجنبي من أفغانستان فراغات أمنية وسط تحذيرات دولية من موجات عنف، بينما تحاول تركيا استثمار تلك الفراغات لإيجاد موطئ قدم ثابت وهي التي تراهن على توسيع منافذها الاقتصادية وتمددها في فضاءات جغراسياسية تعتبرها حيوية لأمنها القومي.
ويزور مسؤولون من وزارة الدفاع الأميركية الخميس، تركيا لبحث أمن مطار كابول وتباحث الشروط الذي وضعتها تركيا مقابل خدماتها. وقال مسؤولون أتراك رفضوا الكشف عن هوياتهم إن أعضاء من وزارة الدفاع التركية سيستقبلون الوفد الأميركي لبحث “كل التفاصيل المتعلقة بمواصلة عمل” مطار حميد كرزاي الدولي في كابول.
وبعد لقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره التركي، أشادت واشنطن الأسبوع الماضي “بالالتزام الواضح” من جانب أنقرة بلعب “دور أساسي” في ضمان أمن مطار كابول. وإذا كان الرئيس التركي أقر بأنه تم بحث المسألة خلال محادثاته مع بايدن، فقد قال إن أنقرة ترغب في الحصول على دعم مالي ودبلوماسي ولوجستي لتولي ضمان أمن المطار.
ومطار كابول هو المنفذ الرئيسي لخروج الدبلوماسيين الغربيين وموظفي الوكالات الإنسانية. ودفعت المخاوف من سقوطه في أيدي طالبان بعد انسحاب القوات الأجنبية، حلف شمال الأطلسي إلى البحث عن حل سريعا. وتواصل تركيا جهودها لكسب دعم الولايات المتحدة لوجود سياسي وأمني أكبر في أفغانستان يفتح لها قنوات اقتصادية هي في أمس الحاجة لها في ظل اقتصادها المتعثر.
رفضت طالبان في وقت سابق العرض التركي وقالت إنها لن تسمح بتواجد قوات عسكرية أجنبية بعد انسحاب القوات الأميركية وأن تأمين مطار كابول مهمة الشعب الأفغاني، في رسالة مباشرة لتركيا
العرب