لا تنبغي مقاربة المسألة السورية في معزل عن السياق العام. فهي جزء من تفكك بنى الشرق الأوسط التي أرسيت بعد الحرب العالمية الثانية. وإثر التدخل الأميركي في العراق، والربيع العربي في دمشق- وهو قُمع قمعاً وحشياً- برزت ظاهرة «داعش» في العراق وسورية. ويدعو تهديد «داعش» المخيف إلى تساؤل سياسي وعسكري: هل التدخل العسكري واجب، وأين؟ وجواب هذا السؤال قد يكون ضرباً من الانعزالية واللامبالاة بنزاع بعيد. وهذا الموقف ينحسر في الغرب. وأعلن الرئيس اوباما، قبل أكثر من عام، إنشاء تحالف لمواجهة تنظيم «داعش». وهذا التحالف ساهم في حد تمدده في سورية وفي بلاد الكرد، وحال دون سقوط بغداد ودمشق في يده. ولكن على رغم محاصرة الحركة الإرهابية، لم تشل قدراتها بَعد، ولم تقتلع.
والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مصيب في تحرير فرنسا من قيد موقف أخلاقي: محاربة نظام الأسد ونظام «داعش»، على حد سواء. فهذا الموقف المبدئي غير عملي، وحظوظ الالتزام به ضعيفة، وهو يساهم في تهميش دور فرنسا. ولذا، الابتعاد عنه وإعلان، شأن الأميركيين، أن شل قدرات «داعش» يتصدر الأولويات، واقعيان. وهذه الأولوية تفضي إلى السؤال عن احتمال التدخل العسكري البري.
ولكن لن تنعقد ثمار فوز عسكري من غير تحالف دولي واسع، يُدار ويُسلح على أحسن وجه. فيكون قادراً على شن عمليات واسعة وبلوغ أهداف واضحة.
وفي العقدين الماضيين، حسِب الغرب أن الديبلوماسية ترمي فحسب إلى الدردشة مع أصدقاء تجمعنا بهم قيم واحدة. ولكن الديبلوماسية هي سبيل من سبيلين (ثانيهما هو الحرب) إلى جبه الأعداء.
وتحالف عسكري يعتد به يجمع بين الولايات المتحدة والاوروبيين (على الأقل فرنسا وبريطانيا) والسعوديين والقطريين والأردنيين إلى الأتراك وروسيا – إذا وافق الغرب على دمجها في المجتمع الدولي من جديد- وإيران نتيجة نفوذها في العراق. ويجب أن يقر مجلس الأمن، والصين ضمنه، عمليات هذا التحالف. وترمي هذه العمليات، من غير لبس، إلى إطاحة «داعش». والقرار يشمل إلى إجازة تدمير «داعش»، الإعداد لما بعد الحرب على نحو ما حصل إثر الحرب العالمية الثانية في مؤتمرات طهران ويالطا وبوستدام. ولكن أي أنظمة ستنشأ في العراق وسورية بعد الحرب؟ في العراق يقتضي الحل منح السنّة، في بلد الشيعة فيه هم الغالبية، ضمانات دستورية وسياسية وأمنية. وهذا الحل متعذر من غير موافقة طهران. ويقتضي الحل في سورية مد جسور الثقة بين أبنائها، ومنهم العلويون والكرد والمسيحيون، الخ. ويجب العودة إلى اجتماعات جنيف، وفيها يقبل الروس تأجيل رحيل الأسد إلى مرحلة لاحقة من مراحل العملية السياسية. ويرجح أن يكون احتمال بقائه مدار كلام أوباما وبوتين. نقلا عن الحياة
هوبير فيدرين : وزير الخارجية الفرنسي السابق، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 19-20/9/2015،
إعداد منال نحاس
المركز العربي للبحوث والدراسات