تحول البحث عن الدواء إلى عادة يومية لآلاف اللبنانيين، نتيجة ندرته في الصيدليات ولا سيما أدوية الأمراض المزمنة، في ظل شح النقد الأجنبي اللازم لاستيراده.
منذ 2020، بدأت ملامح أزمة نقص الأدوية في السوق المحلية بسبب عدم توفر الدولار اللازم للاستيراد، حالها حال القمح والوقود بأنواعه.
وأعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الاثنين الماضي، أنه سيقوم بتسديد الاعتمادات والفواتير التي تتعلق بالأدوية المستوردة من الخارج، خاصة أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية.
وعادة، يؤمن مصرف لبنان الأموال اللازمة لدعم استيراد الأدوية من الخارج، إلا أن انخفاض احتياطي العملات الأجنبية لديه تسبب بنقص العملة الصعبة المخصصة للاستيراد.
وتراجع احتياطي لبنان من النقد الأجنبي من متوسط 38 مليار دولار في 2019، إلى أقل من 16 مليار دولار حاليا، وفق بيانات مصرف لبنان.
ويدعم المصرف استيراد الأدوية، تجنبا لارتفاع أسعارها، وذلك عبر تغطية الفارق بين سعر الصرف الرسمي للدولار البالغ 1510 ليرة، وسعره في السوق الموازية البالغ 17.5 ألفا.
من جهته، تنقل مراسل الأناضول بين شوارع العاصمة بيروت وزار صيدلياتها، وأجمع العاملون فيها على أن أزمة شح الدواء أصبحت واقعا في البلاد، إذ يضطر الآلاف إلى زيارة أكثر من صيدلية بحثا عن صنف معين.
مرحلة خطرة
الصيدلي سامر سوبرة -صاحب واحدة من كبرى الصيدليات في العاصمة بيروت- قال إن قطاع الصيدلة شارف على النهاية بسبب الأزمة التي بدأت منذ سنتين، إلى أن وصلت إلى ذروتها اليوم.
وأوضح سوبرة أن المواطنين يتنقلون بين أكثر من صيدلية بحثا عن الأدوية، وسط خوف يراودهم من عدم توفرها في المستقبل، ومن ثم يقدموا على شراء كميات منها، وتمخضت عن ذلك سوق سوداء لبيع الدواء.
وقال “الصيدليات وصلت إلى مرحلة الخطر والناس تخشى تفاقما أكبر في الأزمة، لم يعد لدينا الدواء بسبب عدم تلبية حاجاتنا من المستوردين، فهم يدعون أنهم يمولون الصيدلية بحاجاتها، لكن عمليا لا نحصل إلا على 5% منها”.
وأوضح أن صيدليته لا تغطي سوى 20% من حاجات المواطنين حاليا، وخاصة أدوية الأمراض المستعصية وحليب الأطفال.
من جهتها، قالت المواطنة فاطمة يوسف (83 عاما) وهي تخرج من صيدلية “لم أجد دوائي في الصيدلية وبحثت عن دواء بديل، لكنه أيضا غير متوفر، لقد بحثت في 7 صيدليات، وأنا كبيرة في السن ولم أجد أيا من الأدوية التي أحتاجها، خاصة أني أعاني عدة أمراض، كالسكري والضغط والقلب والدهنيات والغدة”.
أما دارين س. (37 عاما)، قالت إنها تبحث عن حليب أطفال لابن أخيها المولود حديثا، ولكنها لم تجد في معظم الصيدليات في العاصمة بيروت، وعندما وجدته كان سعره مرتفعا جدا عما كان عليه، فقد زاد سعره 200% تقريبا.
في حين قالت خلود العياص (27 عاما) وهي تعمل في إحدى الصيدليات “نحن الصيدلانيين نواجه أزمة فقدان الدواء منذ أشهر، والشركات لا تلبي كما كانت في السابق وهذا الشيء يخلق أزمة مع المرضى”.
ولفتت إلى أن حوالي 600 صيدلية أقفلت خلال الفترة الأخيرة جراء هذه الأزمة الاقتصادية.
أزمة حادة
ومنذ عام ونصف العام، يشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة أدت إلى تدهور مالي، وفقدان القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر بشكل غير مسبوق.
أوضح رئيس لجنة الصحة النيابية، النائب عاصم عراجي في تصريح سابق للأناضول، أن قطاع الأدوية وصل إلى ما هو عليه اليوم بسبب انهيار الليرة، وعندما انتُهجت سياسة الدعم من مصرف لبنان، باتت الأدوية تهرّب للخارج.
وقال عراجي إن المشكلة تتمثل في تراجع كميات الواردات الدوائية لنقص الدولار والتهريب الحاصل، والأدوية المقطوعة يتم تهريبها إلى الدول المجاورة.
وإن كان ترشيد الدعم هو الحل، رد عراجي “لا حلول من دون توقف التهريب إلى الخارج، أما إن كانت المشكلة في موضوع الترشيد بشكل عام، لم تتخذ الحكومة الحالية القرار بشأنه وتركته للحكومة المقبلة”.
المصدر : وكالة الأناضول