الحكومة الكويتية التي تمكّنت من الصمود طيلة الأشهر الستّة الماضية في وجه المعارضة البرلمانية القوية ووصلت بسلام إلى عطلة مجلس الأمّة على أمل استغلال الفسحة الزمنية التي تتيحها في إعادة ترتيب أوراقها استعدادا للدورة البرلمانية القادمة التي تتوقّعها أصعب من سابقتها، تجد نفسها مهدّدة بخسارة حزامها النيابي بسبب خلافات بين عدد من وزرائها والنواب المشكّلين لذلك الحزام.
الكويت- تلوح في الكويت أزمة سياسية جديدة بسبب مختلف عن سبب الأزمة القائمة منذ ديسمبر الماضي والمتمثّل في الخلافات الحادّة بين الحكومة ونواب المعارضة في مجلس الأمّة (البرلمان).
فقد انتقلت الخلافات إلى معسكر الموالاة نفسه عندما اتّفق نواب مساندون لحكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح على المطالبة باستبعاد عدد من الوزراء يعتبرونهم غير متعاونين معهم.
ويضع مثل هذا المطلب الحكومة الكويتية في مأزق جديد ويجعلها مهدّدة بخسارة حزامها النيابي ويحوّلها إلى “فريسة” سهلة لكتلة المعارضة في البرلمان خلال دور الانعقاد القادم المقرّر لشهر أكتوبر المقبل.
فبخسارة النواب المساندين لها لن تتمكّن حكومة الشيخ صباح الخالد خلال الدورة البرلمانية الجديدة من تمرير أي تشريع أو قرار. ولن تستطيع التمادي في استراتيجية الصمود وعدم الاستقالة التي طبّقتها إلى حدّ الآن بنجاح حيث تمكّنت، بفضل النواب المساندين لها ووزرائها الذين هم أيضا أعضاء في البرلمان بحكم الدستور ويحق لهم التصويت تحت قبّته، من التغلّب على كتلة المعارضة رغم حجمها الكبير (31 مقعدا من مجموع المقاعد الخمسين) وتمرير بعض القرارات الهامّة بالنسبة إليها، مثل قرار تأجيل جميع الاستجوابات النيابية الموجّهة لرئيسها إلى دور الانعقاد القادم.
وتحدّثت مصادر كويتية عن قيام مجموعة النواب المساندين للحكومة بعقد اجتماع مع أعضاء في الحكومة طالبت خلاله باستبعاد سبعة وزراء كشرط لاستمرار مساندتها. وقالت المصادر التي نقلت عنها صحيفة “الجريدة” المحلية إنّ الاجتماع وما دار خلاله تمّ بعلم كامل من رئيس الوزراء، موضّحة أنّ الموقف من الوزراء السبعة جاء بسبب عدم تعاونهم مع نواب المجموعة “في تخليص معاملات أعضائها رغم وقوف نواب الكتلة مع الحكومة ودعمهم الكبير لها خلال دور الانعقاد الأول، بل إن الأمور تسير من وجهة نظرهم بالعكس، حيث يقوم الوزراء السبعة بتمرير معاملات نواب المعارضة بدلا منهم”.
ويطرح ما ذهب إليه النواب إشكالية كبيرة في علاقات وزراء الحكومات الكويتية المتعاقبة مع نواب البرلمان، وهي في الأغلب الأعمّ علاقة مصالح فجّة تجعل الوزراء تحت رحمة النواب ومطالبهم واشتراطاتهم التي لا يتعلّق الكثير منها بالمصلحة العامّة بقدر ما يتعلّق بمصالح شخصية ومنافع مادّية وسياسية.
وما يُعطي نواب البرلمان الكويتي هذه الإمكانية الكبيرة لتسليط الضغوط على الحكومات هو سلطتهم الرقابية المكفولة لهم بالدستور وحقّهم في استجواب رئيس الحكومة وأعضائها وصولا إلى سحب الثقة منهم والإطاحة بهم. وهو حقّ كثيرا ما يستخدم في الابتزاز والمساومة وتصفية الحسابات من شتى الأنواع الشخصية والحزبية والقبلية.
وتبيّن الحالة الراهنة الوضع الهش لأعضاء الحكومات الكويتية، بمن فيهم الوزراء الشيوخ الذين إذا نجوا من نواب المعارضة يمكن أن يسقطهم نواب الموالاة. وكثيرا ما يتحدّث ساسة وقادة رأي كويتيون عن خلل في ديمقراطية الكويت يجعلها سببا للتعطيل بدلا من أن تكون أرضية للإنجاز والإصلاح وتسريع وتيرة التنمية.
وخلال دورة انعقاد البرلمان التي انتهت مؤخّرا تجسّد التعطيل في عدم تمكّن البرلمان من عقد جلساته العادية بسبب حدّة التجاذب بين الحكومة ونواب المعارضة.
ومنذ مايو الماضي تعطّلت عدة جلسات برلمانية بسبب عدم حضور الحكومة سواء بحجة عدم تنسيق النواب معها أو احتجاجا على جلوس بعض النواب المعارضين على المقاعد الأمامية التي تخصص عادة للوزراء ورئيس الحكومة. ولجأ نواب عدة مرات إلى الجلوس على مقاعد الوزراء احتجاجا على عدم برمجة مناقشة المجلس لاستجوابات نيابية قدمت ضد رئيس الحكومة وعدد من وزرائه.
وبسبب وصول التجاذبات بين المعارضة التي تشكّل الكتلة الأكبر تحت قبّة البرلمان وحكومة الشيخ صباح الخالد إلى حدّ تعطيل عقد الجلسات البرلمانية العادية تحتّمت الدعوة إلى جلسات خاصّة لـ”تمشية” الأمور المستعجلة.
ولتمرير ميزانيات الوزارات والإدارات الحكومية تمّ اللجوء في نهاية دور الانعقاد إلى عقد جلسة برلمانية خاصة جاءت عاصفة بدورها واحتل نواب من المعارضة خلالها المقاعد المخصصة للوزراء وبلغ التوتّر فيها حدّ تشابك بعض النواب بالأيدي.
وتعليقا على حالة التعطيل التي تشهدها الكويت بسبب خلافات الحكومة والمعارضة البرلمانية قال أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح مؤخّرا إن “الكويت وأهلها خط أحمر ولن نسمح بتجاوزه بأي حال من الأحوال، ولدينا من الإجراءات والخيارات ما يضع كل من يتجاوز عند حده”.
وفي حالات كثيرة سابقة كان اشتداد حدّة الخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يؤدي إلى إقالة الحكومة وحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة. لكن في الحالة الراهنة تم استبعاد هذا الخيار في ظل معطيات تُظهر أن المعارضة ستفوز مجدّدا إذا تم تنظيم انتخابات مبكّرة. ولهذا تحاول حكومة الشيخ صباح الخالد الصمود بأي ثمن، لولا أنّ خلافها مع النواب المساندين لها يقلّل كثيرا من هذه الإمكانية.
أعضاء الحكومات الكويتية المتعاقبة بمن فيهم الوزراء الشيوخ يعانون هشاشة أوضاعهم بين انتهازية المعارضة وابتزاز الموالاة
وقالت المصادر إنّ الوزراء الذين يطالب نواب الموالاة باستبعادهم من الحكومة هم وزير الداخلية الشيخ ثامر العلي ووزير الصحة الشيخ باسل الصباح ووزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار خليفة حمادة، ووزيرة الأشغال العامة وزيرة الدولة لشؤون الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات رنا الفارس ووزير التربية علي المضف ووزير الدولة لشؤون البلدية وزير الدولة لشؤون الإسكان والتطوير العمراني شايع الشايع ووزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة وزير الشؤون الاجتماعية والتنمية المجتمعية مشعان العتيبي.
كما ذكرت أن كتلة النواب الحكوميين قامت بترشيح أسماء بديلة لدخول الحكومة، من بينها وزير الدفاع السابق الشيخ أحمد المنصور والمدير العام للهيئة العامة للبيئة الشيخ عبدالله الحمود. أمّا الوزراء المطلوب استبعادهم فيَعتبرون، حسب الصحيفة، أن معظم طلبات النواب غير مقبولة بسبب مخالفتها للقانون مؤكّدين أنهم لم يستجيبوا إلا للمطالب المشروعة.
العرب