شهدت مدن في العراق وسوريا خلال الأسابيع الأخيرة، تحركات وعمليات لعناصر تنظيم داعش الإرهابي، تزامنت مع تحذيرات من تجميع التنظيم صفوفه من جديد في البلدين، مما يطرح تساؤلات بشأن كيفية عودة التنظيم “الشبحي” بعد 4 سنوات من إعلان هزيمته.
وأحصى متخصصون في شؤون الجماعات الإرهابية في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، عددا من الأسباب التي تجعل عودة، أو بقاء، التنظيم حتى الآن غير مستغربة.
ومن أبرز هذه الأسباب، توزع داعش على عدة بؤر في عدد من القارات، يدير من خلالها حروبه عبر شبكات، واستحداث مصادر جديدة للتمويل والدعاية، والاعتماد أكثر على “حرب الأشباح” أو “حرب الاستنزاف”.
وأشارت صحيفة “غارديان” البريطانية، إلى محاولة مسلحي داعش للعودة، بالهجوم على نقاط تفتيش أمنية، واغتيال قادة محليين بالمدن العراقية، رغم بقاء مجموعات صغيرة من المقاتلين بين الجبال والوديان.
وأوضحت، على لسان أحد زعماء القبائل، استغلال التنظيم الظروف الحالية لإعادة صفوفه بشكل أقوى، والتحرك لحشد المسلحين والموارد.
وكانت القوات العراقية في بلدة تلعفر، غربي البلاد، قد ألقت القبض على إرهابي يدعى “أسد الأمنية”، وهو المسؤول عن نقل العبوات الناسفة إلى الموصل، وقامت باستهداف مخابئ لداعش في كركوك شمالي العراق.
وفي سوريا، وعلى مدار اليومين الماضيين، استمرت العمليات العسكرية الموجهة ضد التنظيم.
وتصدى الجيش السوري، لهجوم شنه داعش على مواقع عسكرية في بادية الرصافة جنوب غربي الرقة، شمالي البلاد، مما أسفر عن مقتل 3 مسلحين وإصابة 5 آخرين.
وأعلنت أميركا هزيمة داعش في سوريا في مارس 2019، بينما أعلنت الحكومة العراقية استعادة كافة أراضيها في ديسمبر 2017 بعد معارك معه منذ 2014.
وقدرت المساحة المحررة من داعش في الدولتين بنحو 110 آلاف كلم، كان يسكنها أكثر من 7.7 مليون نسمة.
وداعش تأسس كأحد أفرع تنظيم القاعدة في العراق، على يد أبو مصعب الزرقاوي في 2004، وبعد 10 سنوات انفصل عن القاعدة، وأعلن أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، “دولة الخلافة” المزعومة من الموصل في يونيو 2014.
ويرى أستاذ العلوم السياسية طارق فهمي، أن تنظيم داعش “لم يهُزم هزيمة نهائية، لذا ترتبط عودته بأمرين، الأول يتعلق بتمركز بقايا التنظيم في مناطق بالعراق وسوريا وعلى حدود التماس بين الحدود السورية – الأردنية، والثاني يتمثل في عدم اعتماده على الإقامة في دول محددة، خاصة بعد طرده من سوريا والعراق وفشله في الاستقرار في مناطق بديلة لها، مما دفعه للانتشار في بؤر متعددة”.
ويؤكد فهمي في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، على أن داعش “لن يعود هذه المرة بشكله القديم فيما يتعلق بإعلان دولة خلافة وتأسيس مقر ثابت ومستقر، بل تفضل عناصره التواجد في نقاط التماس ومناطق جنوب الساحل والصحراء في إفريقيا وغرب ليبيا، لتحصل على دعم التنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بها فكريا، وتسيطر على تلك المناطق مثل تنظيم بوكو حرام في نيجيريا”.
“حرب الأشباح”
“استراتيجية حرب الأشباح والعصابات”.. بهذا العبارة يصف الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أحمد سلطان، سياسة داعش الجديدة، التي يعتمد عليها بعد خسارته المساحة الجغرافية في العراق وسوريا.
ويلفت سلطان إلى أن “الاتصال الجغرافي بين حدود الدولتين، يسهل عملية انتقال العناصر، وفقا لمتغيرات الهجمات التي يشنها التنظيم على فترات متباعدة منذ نهاية العام الماضي”.
ويوضح سلطان لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “بالرغم من ضعف مصادر التمويل الخارجية للتنظيم، فإنه يمتلك من الاحتياطي النقدي ما يقدر بنحو 100 مليون دولار، وفقا لتقديرات لجنة (معاقبة القاعدة وداعش) التابعة لمجلس الأمن، بينما أِشارت لجنة الجزاءات بالأمم المتحدة إلى أن هذا المبلغ يمثل ثلث أموال داعش”.
كما يستفيد التنظيم من وجوده بالعراق وسوريا، في إيجاد مصادر للتمويل من دول في آسيا وإفريقيا، بالاعتماد على تجارة الأخشاب، إضافة إلى أموال الفدية التي يحصل عليها من عمليات الخطف، بحسب الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية.
“حرب استنزاف”
وعن الأدوات الجديدة التي يعتمد عليها داعش، يشير فهمي إلى “تطوير التنظيم آلته الإعلامية، بفتح قنوات جديدة على تطبيق تليغرام وتدشين حسابات بتويتر، بدلا من الاعتماد على وكالة أنباء أو مجلة في الترويج لأفكاره”.
كما لعب داعش على استحداث أدواته الإعلامية في كل مرحلة، وأصدر الأشهر الماضية مواد فيلمية مجمعة من اشتباكاته في حرب الموصل.
ويوضح سلطان أن تكتيك داعش استغل مرحلة “ما بعد الهزيمة” للتحرك بحرية، بعد اختفاء أعباء إدارة المدن التي وقعت تحت سيطرتهم.
وأطلق في فترة جائحة كورونا معارك “استنزافية” بالضغط على القوات السورية والروسية والكردية، من خلال شن هجمات ضد البادية وإدلب بشمال سوريا.
ويضيف الباحث: “وفي العراق لجأ داعش إلى استنزاف الاقتصاد باستهداف المنشآت الكهربائية والنفطية، والضغط على الحكومة، وتشتيت قواتها ما بين الحرب ضده والبحث عن حلول للأزمات المتتالية”.
ويستطرد: “إضافة إلى تلميحات قادة التنظيم باستهداف السجون، مما يشير إلى خطته لإحداث فوضى كبيرة، خاصة مع بقاء 10 آلاف مقاتل في سوريا والعراق، بحسب تقديرات الأمم المتحدة”.
بهدف دعم الحرب ضد داعش، سلم التحالف الدولي وزارة الداخلية العراقية معدات بقيمة 2.5 مليون دولار، تتضمن 35 عجلة رباعية الدفع و15 حفار “لودر”، كما زار وفد من التحالف والجيش الأميركي مدينة الرقة للمرة الأولى، عقب الانسحاب في أكتوبر 2019.
ويرى سلطان، أن التحالف الدولي، وعلى رأسه أميركا وفرنسا، ينخرطان في العمليات الجوية ضد داعش، التي أثبتت نجاحها في القضاء جزئيا على التنظيم، لكن تظل أفكاره قائمة، مما يسهل تمركزه في مناطق تلال حمرين في ديالى والبادية والأنبار في العراق، والبادية بين ريف الرقة وشرق حماة وبعض مناطق الشمال الشرقي السوري.
الشرق الاوسط / سكاي نيوز