انحسار الاقتصاد أولى معجزات سياسات أردوغان

انحسار الاقتصاد أولى معجزات سياسات أردوغان

أعادت ذكرى مرور خمسة أعوام على الانقلاب الفاشل في تركيا في الخامس عشر من يوليو عام 2016 مجموعة واسعة من التساؤلات حول المعجزة الاقتصادية التي بشر بها الرئيس رجب طيب أردوغان قبل نحو 19 عاما مقارنة بالوضع الحالي الذي يعيشه الاقتصاد التركي بسبب سياسات حزب العدالة والتنمية واحتمالية تأثيرها على نتائج انتخابات 2023.

أنقرة – نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل نحو خمس سنوات في إحباط محاولة انقلابية على نظامه، لكنه فتح الباب واسعا أمام انتقادات واتهامات داخلية وخارجية بشأن الحريات والاعتقالات والتمهيد لتأسيس نظام استبدادي، وذلك في الوقت الذي تراجعت فيه مظاهر الرخاء والمساواة والتوظيف في البلاد منذ 2013.

ويواجه أردوغان انتخابات في 2023، التي توافق ذكرى مرور مئة عام على قيام الجمهورية التركية، فيما تشير استطلاعات الرأي إلى أن التأييد الشعبي له تراجع في أعقاب أزمة العملة وركود حاد وجائحة كورونا في السنوات الثلاث الأخيرة.

وتظهر بعض الاستطلاعات أن الائتلاف الحاكم يتخلف عن تحالف غير رسمي للمعارضة رغم استمرار شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان وتمتعه بقاعدة قوية وسط المحافظين في الريف والطبقة العاملة.

وعاود النمو الاقتصادي صعوده هذا العام بعد أن أصبحت تركيا واحدة من بضع دول تتفادى الانكماش في 2020، غير أن ما حدث من ضرر في السنوات الأخيرة تضمن العودة إلى تضخم يبلغ 20 في المئة أو أكثر في السلع الغذائية وغيرها من السلع الأساسية.

ويقول دوغلاس وينسلو مدير قسم التصنيفات السيادية الأوروبية في مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني “إذا نظرت إلى مستويات شعبية الرئيس أردوغان في استطلاعات الرأي مع المشهد الاقتصادي الصعب فمن الصعب جدا تصور أن تتهيأ الظروف خلال الاثني عشر شهرا المقبلة بما يجعلهم يعتقدون أن الانتخابات تبدو في صالحهم”.

ويقدر البنك الدولي أن أكثر من 1.5 مليون تركي تراجعوا إلى ما دون حد الفقر في العام الماضي. كما يوضح مؤشر جيني لتوزيع الدخل والثروة أن التفاوت ازداد منذ 2011 وتسارعت وتيرته منذ 2013 فمحا المكاسب الكبيرة التي تحققت في الفترة من 2006 إلى 2011 خلال العقد الأول من تولي أردوغان السلطة.

قبل أن تتغير الأمور في تركيا منذ العام 2013، عندما اجتاحت احتجاجات مناهضة للحكومة لم يسبق لها مثيل، وشهدت الأسواق الناشئة على مستوى العالم نزوحا ماليا مؤلما مع اكتساب الاقتصادات الأكبر زخما، كان أردوغان، الذي فاز حزبه في انتخابات 2002، يعد بالتخلص من سوء الإدارة والركود الذي طالما أحبط الأتراك المتطلعين لحياة أفضل.

واستغل أردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء في العام 2002، الانتعاش الاقتصادي وتحولا دبلوماسيا نحو الغرب في تحقيق الرخاء على مدار عشر سنوات. وتراجع الفقر والبطالة بشدة. ولامس التضخم خمسة في المئة بعد أن كان في خانة المئات قبل عشر سنوات مما عزز إقبال الأتراك والأجانب على الليرة التركية. وبدا أن الرئيس التركي في تلك الفترة محصنا.

لكن الأمور تغيرت كثيرا، حيث يوضح تحليل أجرته رويترز في العام 2013 أن هذا العام كان بمثابة نقطة تحول في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والبطالة وغيرها من مقاييس الرفاهية الاقتصادية.

وتبين إحصاءات رسمية لحيازات السندات ومؤسسة تركي داتا مونيتور أن العام 2013 شهد أيضا ذروة الاستثمارات الأجنبية. ومنذ ذلك الحين تراجعت قيمة الليرة التركية مما أضعف القدرة الشرائية لدى الأتراك.

وصدم التعامل الأمني لحكومة أردوغان الكثيرين عندما قمعت احتجاجات عام 2013، التي بدأت في متنزه جيزي في إسطنبول.

ويقول أتيس التنوردو أستاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة سابانجي إن حملة القمع “بلورت صورة حزب العدالة والتنمية باعتباره المؤسسة الجديدة وأوضحت أن المد الشعبي بدأ ينقلب عليه”.

وأفضت محاولة الانقلاب في 15 يوليو عام 2016 إلى فرض حالة طوارئ بإجراءات قاسية يقول المحللون إنها كانت السبب في المزيد من الانكماش في الرفاهية الاقتصادية.

ويضيف التنوردو أنه “منذ 2013 اتجه حزب العدالة والتنمية وأردوغان لتعزيز النزعة الاستبدادية التي يحتمل أن تكون قد أضرت بالاقتصاد بوسائل مختلفة”.

ويوضح أنهم “دخلوا منحى أكثر انعزالا ومركزية في صنع القرار مع مساحة أقل من الحرية الإعلامية. ولذا ينتهي بك الحال على الأرجح إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء في السياسات وتفقد قدرتك على الاستجابة ثم إن هناك مساحة أكبر كثيرا للفساد”.

لا تزال مقاييس رئيسية أخرى مثل الرعاية الصحية في وضع متين بعد أن تحسنت بدرجة كبيرة منذ تولي أردوغان السلطة في 2003.

واحتضن أردوغان سياسات السوق الحرة اللازمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وكان ذلك من الأهداف الرئيسية لحزب العدالة والتنمية آنذاك، وذلك مع تراجع التقشف الذي فُرض بموجب برنامج مع صندوق النقد الدولي في العامين 2001 و2002.

وكان للأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009 تأثيرها السلبي على تركيا، لكنها جلبت أيضا إقبالا من المستثمرين الباحثين عن العائد في الأسواق الناشئة. وساعد رخص القروض الخارجية في تحقيق طفرة اقتصادية غذاها قطاع البناء الأمر الذي ساهم في فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة ثماني مرات متتالية.

وكتب سونر كاجابتاي في تقرير لمعهد واشنطن يقول إن أردوغان لديه “قاعدة من الأنصار الأوفياء والمعجبين لأن المواطنين يتمتعون بمستويات معيشية أفضل بدرجة كبيرة مما كان عليه الوضع في ظل الكماليين طوال معظم القرن الماضي”، في إشارة إلى أنصار مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.

وأشار إلى أن معدل وفيات المواليد قبل تولي أردوغان السلطة كان يشبه معدلها في سوريا قبل الحرب وأصبح الآن شبيها بالمعدل في إسبانيا.

غير أن مقاييس أخرى للرفاهية بدأت تضعف في 2013 عندما أدى تلميح مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي إلى أنه قد يبدأ إلغاء التدابير التحفيزية إلى سحب أموال من الأسواق الناشئة.

واشتدت حدة التوتر السياسي بعد ذلك عندما اتجه أردوغان إلى حلفائه القوميين ثم انتصر في استفتاء على تبني النظام الرئاسي الذي ركز السلطة في قصره، وذلك في الوقت الذي انسحب بعض المسؤولين الاقتصاديين الرئيسيين من حزب العدالة والتنمية اعتراضا على اغتصاب السلطات.

ويقول المحللون إن شروخا بدأت تظهر حينذاك في سياسات الحزب ومنها الضغط على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة رغم وقوع الليرة في أزمة العام 2018.

وفقدت العملة 75 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ 2013 وحدث الانخفاض بأكثر من النصف في السنوات الثلاث الأخيرة. ويختار كثيرون من الأتراك الآن الاحتفاظ بثرواتهم بالعملات الأجنبية.

ويقول روجر كيل كبير الاقتصاديين الإقليميين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية “على الصعيد الاقتصادي فمنذ 2013 ثمة إحساس بأن تركيا والغرب يتباعدان”، ويضيف “نعم شهدنا تدهورا منذ 2013، لكن علينا أن ننظر إليه في سياق الخطوات الإيجابية التي حدثت قبل ذلك”.

تغير الوضع الآن كثيرا بعد أن انتهت الدكتاتورية العسكرية وحلت محلها أخرى رئاسية جعلت المعجزة الاقتصادية تتحول إلى فشل يؤثر على المواطنين الأتراك كما على سلطة أردوغان نفسه.

العرب