أربيل- أثارت قوائم مسرّبة من وزارة الخارجية العراقية تضم 80 اسما مرشحا لمنصب “سفير”، من بينهم نواب ووزراء ومسؤولون حاليون وسابقون بالإضافة إلى أبنائهم وأقاربهم، لغطا واسعا في الأوساط الشعبية، لاتباعها نظام المحاصصة السياسية والحزبية بعيدا عن الكفاءة والمهنية والشروط الدبلوماسية الواجب توفرها في المرشّحين.
ويعدّ السفير -بحسب الأعراف الدبلوماسية- الموظف الدبلوماسي الأعلى الذي يترأس سفارة تمثيل بلاده في الخارج لدى الدولة المضيفة، ومن واجباته الأساسية -الإضافة إلى أعماله الدبلوماسية- خدمة الجالية في الدولة التي يوجد فيها، إلا أن القوائم المسرّبة لتعيين السفراء بحسب اتفاق المحاصصة المتفق عليه بين الكتل السياسية، أعطى انطباعا واضحا للعراقيين بأن الدولة ومؤسساتها بعيدة عن معايير الكفاءة والمهنية في توزيع المناصب.
وبحسب القانون، لا يمتلك مجلس النواب العراقي أي صلاحية في تعيين السفراء، وينحصر واجبه بالاطلاع على أسمائهم فقط لأنها خاصة بمجلس الوزراء، انطلاقا من كونها تعيينات حكومية.
وتضمّ القوائم المسرّبة أسماء شخصيات مرشحة من الأحزاب السياسية وجهات متنفذة، ومن بينهم نواب ومسؤولون سابقون، فضلا عن باحثين يعملون في مراكز بحوث أجنبية.
وفي السابق وضمن اتفاق المناصفة، كانت حصة الأحزاب السياسية من السفراء ما نسبته 30% فقط، يقابلها 70% من طلبة معهد وزارة الخارجية، إلا أنه تم تغيير المعادلة لتكون مناصفة بالتساوي بين الأحزاب السياسية والمعهد في حكومة عادل عبد المهدي عام 2018.
إرهاق ميزانية الدولة
مثل الأوساط الأخرى، استفزّت قوائم السفراء المسرّبة لجنة العلاقات الخارجية النيابية، مما دفعها للتقليل من أهمية حاجة العراق إلى هذا العدد الكبير من السفراء في هذا الوقت، مستشهدة -باستغراب- بالدول الكبرى مثل أميركا والصين اللتين لا تمتلكان هذا العدد الهائل من السفراء الدائمين.
ويتساءل ظافر العاني نائب رئيس اللجنة عن مدى حاجة العراق إلى 80 سفيرا دفعة واحدة، في وقتٍ يعجز فيه عن حماية البعثات الدبلوماسية ومقرّاتها الموجودة في العاصمة بغداد، ويؤكد -في إشارة منه إلى سلبيات هذه الخطوة- أنها تزيد من إرهاق ميزانية الدولة ونفقاتها.
وينتقد العاني مخالفة قانون وزارة الخارجية بشأن ترشيح السفراء، والذي ينص على ألا تزيد حصص المرشحين من الأحزاب السياسية على الربع (25%)، لكن القوائم المسرّبة أظهرت العكس، واصفا ترشيح هذا العدد من السفراء بـ”المبالغ فيه” جدا، ونافيا في الوقت ذاته امتلاك لجنته أسماء المرشحين والمعلومات الكافية عنهم.
الكفاءة أم درجة القرابة؟
وتعليقا على تراجع كفّة المهنية والكفاءة مقابل المحاصصة ودرجة القرابة في القوائم المسرّبة، ترى أستاذة القانون الدولي العام والعلوم الدبلوماسية الدكتورة منال الفنجان أن كل دول العالم ليست فيها معايير الكفاءة والتنافس الشريف في الوصول إلى هذه المناصب بنسبة 100%.
ولا تخفي الفنجان تأثير طبيعة العلاقات بين الحكومة والأحزاب والأطراف النافذة، ويختلف الأمر مع البعيدة عنها، بالإضافة إلى الحسابات التي تقلب المعادلة في هذه الأمور، لكنها ترى أن القوائم تضم أسماء وشخصيات تستحق أن تصل لمثل هذه المناصب، لما تمتلكه من الشهادة والخبرة الأكاديمية بالإضافة إلى اللغة والمعرفة العامة.
وتُشير الأكاديمية العراقية في حديثها للجزيرة نت، إلى نصّ قانون وزارة الخارجية لعام 2008 الخاص باختيار السفراء، بأن يكون اختيارهم بنسبة 75% للمدرّجين في العمل الدبلوماسي من داخل الوزارة، ويشمل ذلك كوادرها المتدرّجين في الترقيات الدبلوماسية التي تبدأ من ملحق وتنتهي بالوزير المفوّض.
يُقابل هذه النسبة نسبة أخرى وهي 25% مخصّصة للأحزاب السياسية، وترشح الأخيرة بدورها شخصيات تابعه لها وفقا لمعايير معينة تتعلق بالشهادة والأكاديمية وغيرها من الشروط الأخرى الواجب توفرها في الشخص المرشح، لتتم بعدها مقابلة المرشحين بحالةٍ أشبه ما تكون بالاختبار من قبل دبلوماسيين لا يقل عددهم عن 5 سفراء أو وكيل وزارة.
وبحسب الفنجان، فإن اختيار الشخص الأكثر تأهيلا من بين مرشحي الأحزاب السياسية ليكون سفيرا، يتم من خلال التنافس، لكن ما حصل في العدد الهائل من المرشحين أثار جدلا واستغرابا واسعين.
مرعبة ومخجلة
ويتفق الكاتب والصحافي العراقي محمد البغدادي مع العاني من حيث عدم حاجة العراق لهذه القائمة الطويلة التي تفتقر إلى المواصفات والشروط المطلوبة، لكنه يوسع من مساحة جرأته فيصفها بـ”المخجلة جداً” لاعتمادها على العرق والمذهب ودرجة القرابة، بعيداً عن شروط الكفاءة والخبرة والمهنية.
فالمجاملات السياسية طغت على مفاصل الدولة بما فيها وزارة الخارجية، وهي غير فاعلة كما يرى البغدادي الذي وجه أصابع المسؤولية عن هذا التخبط في تعيين السفراء والدبلوماسيين إلى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، فهو المسؤول الأول عن ذلك، منتقدا عدم امتلاك العراق سفراء يرممون علاقاته الدبلوماسية بدلا من التخبط فيها.
ويقترح الصحافي العراقي -عبر الجزيرة نت، بعد تشبيهه القوائم المسرّبة بـ”المرعبة”- إدخال أي سفير يمثل العراق في الخارج بدورة خاصة، يتعلّم فيها “إتيكيت” المقابلات والخطاب السياسي الغائب عن معظمهم.
مقاطعات حزبية
وعلى إثر ذلك، لم تنحصر سلبيات المحاصصة الحزبية والطائفية على تعيين السفراء ووزارة الخارجية فحسب، بل امتدت إلى بقية مرافق الدولة دون استثناء، من أعلى الهرم إلى أسفله، إلى أن وصل الأمر للتدخل في تعيين حتى مدير مدرسة ابتدائية.
ويعزو المحلل السياسي حسين الركابي أسباب ذلك إلى غياب قانون ينظم عمل الأحزاب السياسية ويمنع التدخلات الخارجية والداخلية، مشيرا إلى أن مؤسسات الدولة كانت ستصبح أكثر نضجا بوجود هذا القانون، لكن غيابه جعلها هامشية جدا مقارنة مع تدخلات الأحزاب التي تدير الدولة، لتضرب بذلك القانون العراقي بعرض الحائط.
ويرى الركابي أنه بعيدا عن الكفاءة والمهنية وتمثيل المنظومة السياسية العراقية أمام العالم، حوّلت المحاصصة الحزبية والسياسية الدبلوماسية العراقية والسفارات إلى مقاطعات و”كانتونات” تتبع الجهة الفلانية والحزب الفلاني، بعيدا عن التفكير بمصلحة البلد.
المصدر : الجزيرة