القاهرة – ظهر أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة العربية خلال الفترة الأخيرة في أكثر من مناسبة ليطلق تصريحات قوية توحي بأن العالم ينتظر موقفه أو موقف الجامعة من قضايا عربية ظلت تتابعها من بعيد حتى صار حلها بيد أطراف إقليمية ودولية. لكن ما عاد أحد في حاجة إلى أمثال أبوالغيط شخصا ومنصبا ومؤسسة.
وكانت سياستُه، منذ تسلمه منصبه أمينًا عامًّا للجامعة في 2016، مراقبةَ الأحداث الإقليمية كمتابع ثم الإدلاء في بعض الأحيان بتصريحات عامة تحاول أن ترضي مختلف الأطراف المعنية بأي أزمة عربية. وغالبا ما يتجاهل الأمين العام التدخل في أي أزمة وينأى بنفسه عنها. فما الذي جعله يظهر بشكل دائم في الفترة الأخيرة ويطلق تصريحات قوية في ملفات سد النهضة وأزمات ليبيا ولبنان؟
ويقول مراقبون سياسيون إن أبوالغيط التزم سياسة الأمناء العامين الذين سبقوه، والذين جعلوا موقف مصر -الحاضنة للجامعة والتي فرضت أن يكون الأمين العام منها- محددا لتحركاتهم، لافتين إلى أن أبوالغيط لم يتحدث بالصوت العالي سوى حين احتاجت مصر صوته، سواء في ملف سد النهضة الذي وصلت فيه القاهرة إلى وضع صعب أو في الملف الليبي حين سعت القاهرة للعب دور متقدم في ليبيا بمواجهة الدور التركي قبل أن ترفع يديها وتترك الحل بيد القوى الخارجية.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن العودة المفاجئة إلى الواجهة تلبية لحاجة مصر لا تعني أن أبوالغيط شخصية مؤثرة في القضايا الإقليمية، أو أن الجامعة بدأت تستعيد وزنها، لافتين إلى أن لا أحد في المنطقة -بمن في ذلك المصريون- يعتقد أن الجامعة يمكن أن تخرج من وضعها الهامشي.
وقاد وقوف الجامعة وراء مصر في قضية سد النهضة الإثيوبي إلى رفض تدخلها واتهامها بالانحياز، معتبرة أن موقف الجامعة لا يخدم حل الأزمة، بل يزيد من تعقيدها.
وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان “نرفض تدخل جامعة الدول العربية غير المقبول في قضية سد النهضة، بعدما قدمت الجامعة طلبا إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة للتدخل في هذه المسألة”.
ولم تخف الجامعة انزعاجها من شكوى إثيوبيا إلى مجلس الأمن والتي صورت فيها الجامعة كأنها طرف دخيل قياسا بالاتحاد الأفريقي الذي يدعم أديس أبابا، والذي أقر مجلس الأمن له بأن يستمر في الوساطة.
وأعرب أبوالغيط عن خيبة الأمل الكبيرة إزاء قرار رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري بالاعتذار عن تشكيل الحكومة اللبنانية، قائلا “إن تبعات ذلك قد تكون خطيرة على مستقبل الوضع في لبنان”، وذلك في تماه مع الموقف المصري الذي عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل يومين خلال لقائه بالحريري.
ورغم أن الجامعة العربية غائبة تماما عن أزمة لبنان، لأن مفاتيحها الداخلية والخارجية بعيدة عنها، إلا أن أمينها تعهد بـ”مواصلة مواكبته للوضع في لبنان ومد يد الدعم له في هذا الظرف الدقيق من تاريخه الحديث”، ولم يشرح طبيعة هذا الدعم وحدود تأثيره.
واللافت للانتباه أن أبوالغيط أدلى بهذه التصريحات في نيويورك على هامش مشاركته في جلسة مجلس الأمن بشأن ليبيا التي لم تقم الجامعة بمسؤوليتها تجاهها واستسلمت لوضع العديد من أوراقها في أيدي تركيا وروسيا، ورضخت مبكرا لتنحيتها عنها بعد أن أسهم أمينها العام السابق عمرو موسى في تمهيد الأجواء لغزو ليبيا.
ويلاحظ المراقبون أن أمين الجامعة العربية الحالي يسعى أحيانا لإطلاق تصريحات قوية لجلب الأضواء حين تكون القضايا بلا أهمية ولا تسبّب تلك التصريحات أي مشاكل، في المقابل يميل إلى التصريحات المقتضبة حين يتعلق الأمر بقضايا يثير الكلام فيها ردود فعل مختلفة مثل عودة سوريا إلى شغل منصبها في الجامعة.
وكشفت مصادر مصرية أن أبوالغيط اعترف لمقربين منه بعجزه عن فعل أي شيء تجاه موضوع عودة سوريا إلى الجامعة، وأنه ومساعديه على اقتناع بأن هذا القرار في يد قوى كبرى هي التي تحدد توقيت العودة من عدمها.
وتمتد تناقضات الجامعة العربية إلى القضية الفلسطينية ولم تخرج مواقفها عن قاموس الإدانة والشجب والتنديد، وتكاد تكون غائبة عن ملف المصالحة وإنهاء الانقسام وفتح أفق لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل ثم التسوية والدفاع عن مبادرتها العربية للسلام.
ويؤكد متابعون أن الجامعة العربية لا تتحمل وزر الأزمات العربية المتراكمة، لأن مواقفها حاصل جمع الدول الأعضاء التي لا تستطيع التفاهم حول قضية واحدة، وكل ما يفعله أمينها العام يصب في إطار الدفاع عن موقعه وقد يستخدم الإعلام في الترويج لتصريحاته كي يوحي ضجيجها بأن هناك تحركات سياسية يقوم بها.
العرب