في ظل الفساد وإرث الحقبة السوفياتية.. هل تنجح خطط الإصلاح الزراعي في أوكرانيا؟

في ظل الفساد وإرث الحقبة السوفياتية.. هل تنجح خطط الإصلاح الزراعي في أوكرانيا؟

بدأت الحكومة الأوكرانية بتنفيذ خطط الإصلاح الزراعي التي وعدت بها منذ فترة، وهو ما يمهد للتخلص من إرث الحقبة السوفياتية وتحقيق فوائد اقتصادية كبيرة للبلاد في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها منذ ما يقرب من عقد من الزمن.

في تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” (bloomberg) الأميركي يقول الكاتبان فولوديمير فيربياني وأنيشكا دي سوزا إن أوكرانيا كانت تسمى في السابق “سلة خبز الاتحاد السوفياتي”، وفي الوقت الراهن قد تتمكن من الارتقاء بمنتجاتها الزراعية إلى مستوى عال يمكّنها من المنافسة بقوة في السوق العالمي.

منذ الأول من يوليو/تموز الجاري، سمح قانون جديد بشراء وبيع الأراضي الزراعية لأول مرة منذ عقدين، وتقول الحكومة الأوكرانية إن هذا الإجراء يعني أن أحد أكثر الأماكن خصوبة على سطح الكوكب سيتمكن من تحقيق مردود زراعي أكبر وأكثر كفاءة من خلال تعزيز الاستثمار في هذا المجال.

وحسب الكاتبين، فإن هذا القانون من الإصلاحات التي طال انتظارها في بلد يعاني من الفساد والمحسوبية، وقد تدهور وضعه الاقتصادي في الفترة الماضية لا سيما بعد أن أثرت جائحة فيروس كورونا على سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية.

وتعد أوكرانيا أكبر مصدر لزيت عباد الشمس، ورابع أكبر مصدر للذرة عالميا، وتصل منتجاتها إلى مختلف دول العالم، من المغرب مرورا ببنغلاديش وصولا إلى إندونيسيا، لكن رغم خصوبة الأرض، فإن محاصيل الذرة الأوكرانية أقل بمقدار الثلث من الولايات المتحدة، ومحاصيل القمح أقل بحوالي الربع من الاتحاد الأوروبي.

ويعود القانون الجديد جزئيا إلى إرث الحقبة السوفياتية عندما تم حظر بيع وشراء الأراضي، ثم الحظر الثاني عام 2001، بعد عقد من حصول أوكرانيا على استقلالها، بسبب مخاوف من استيلاء الأثرياء والأجانب على معظم الأراضي، وأدى ذلك إلى إعاقة التنمية لأن المزارعين لم يتمكنوا من العمل إلا عبر استئجار الأراضي.

ويقول أوليغ نيفيفسكي -الأستاذ المساعد في كلية كييف للاقتصاد- إن القانون الجديد حدث مهم على نطاق عالمي، وليس لأوكرانيا فحسب، وستوفر هذه الإصلاحات عائدات تصدير إضافية بالنسبة للأوكرانيين، وستكون مصدر غذاء إضافي بالنسبة لبقية دول العالم.

وسيُسمح لجميع الأفراد بشراء قطع أرض تصل مساحتها إلى 100 هكتار، كجزء من جهود الرئيس فولوديمير زيلينسكي لإنعاش الاقتصاد المتعثر، ووفق تقديرات مدرسة كييف للاقتصاد؛ فإن هذه الخطوة يمكن أن تعزز الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 1.5 نقطة مئوية سنويا خلال السنوات المقبلة.

وفي هذا السياق، يؤكد نيفيفسكي أن هذا سيكون عاملا معززا للإمكانات الزراعية مع زيادة كفاءة الإنتاج وتعزيز شفافية السوق. ويضيف أن مالكي الأراضي سيستفيدون من سعر السوق، بينما سيحصل المزارعون على فرصة للتنويع في المحاصيل ذات الربح المرتفع، وفرص أكبر للحصول على التمويل.

ووفق الكاتبين، فإن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في أوكرانيا قد تصل إلى أكثر من 40 مليون هكتار في الفترة القادمة، أي ما يقارب مساحة ولاية كاليفورنيا، وهو ما سيلبي الطلب المتزايد من عدة مناطق مثل دول الخليج العربي.

تفاؤل حذر
يرى إيغور هوشوفسكي -محلل الخدمات اللوجستية الزراعية في كييف- أن عمليات الإصلاح تفسح المجال لتصحيح خطأ تاريخي. وكان جد هوشوفسكي مزارعا ثريا يزرع القمح في حقول غرب أوكرانيا، قبل أن يستولى السوفيات على الكثير من أراضيه لإنشاء مزارع جماعية في أربعينيات القرن الـ20 الماضي.

ويقول هوشوفسكي إن القانون الجديد “فرصة سانحة لي لاستعادة قطعة الأرض التي امتلكها أجدادي على الأقل، وفي الوقت الحالي، بات الجميع يدرك أن الزراعة هي المحرك الأساسي للاقتصاد الأوكراني”.

ورغم كل هذا التفاؤل، فإن أوكرانيا لديها سجل حافل بالإخفاق في تنفيذ الإصلاحات وفقا للكاتبين، حيث تعاني من الفساد المستشري في مفاصل الدولة، وهو أمر وعد زيلينسكي بمعالجته عندما تولى السلطة عام 2019.

وتعيد الإصلاحات الحالية للأذهان ما حدث سابقا في روسيا، حيث سمحت الخصخصة في تسعينيات القرن الماضي لكبار رجال الأعمال وأصحاب النفوذ بالسيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد.

ووفق الكاتبين، فإن هناك قلقا بين الأوكرانيين من أن تصبح الأراضي هدفا سهلا للأثرياء، ولاحقا للأجانب في ظل خطط الحكومة بشأن فتح هذا السوق للأجانب اعتبارا من عام 2024.

ويرى تيم بينتون -مدير الأبحاث بقسم المخاطر الناشئة في معهد “تشاتام هاوس” (Chatham House)- أنه “إذا تم بيع الأراضي للأغنياء تحت شعار مساعدة الفقراء، فسوف يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية على المدى الطويل”.

التصدير لدول الخليج
كشفت أزمة كوفيد-19 مدى هشاشة سلاسل الإمداد الغذائي العالمي وصعوبة تأمين الاحتياجات الغذائية، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف توريد الغذاء إلى أعلى مستوى لها منذ ما يقارب العقد، حسب مؤشر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.

وفي ظل الأزمة الصحية، فإن دول الخليج الغنية كانت تراقب أوكرانيا عن كثب، وكانت الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني “سالك” قد استحوذت في 2018 على شركة “ماريا أغرو” (Maria Agro) القابضة، إحدى أكبر الشركات الزراعية في أوكرانيا.

كما تحتل الزراعة مكانة بارزة في صفقات التعاون التي وقعتها أوكرانيا والإمارات العربية المتحدة هذا العام (2021)، والتي بلغت قيمتها 3 مليارات دولار.

وقد أكد وزير الزراعة الأوكراني رومان ليشينكو -في مقال له بموقع المجلس الأطلسي في مارس/آذار الماضي- أن بلاده تهدف إلى توفير الأمن الغذائي للإمارات وعدد من البلدان الأخرى في المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر.

وأوضح ليشينكو في مقاله أنه في كل مرحلة من هذه العملية، سنعمل على التأكد من حماية الأوكرانيين من جشع كبار رجال الأعمال والمسؤولين الفاسدين، مضيفا أن الحكومة لن تغفل أبدا عن الفكرة المركزية التي تقول إن الأراضي الزراعية في أوكرانيا هي أعظم ثروات البلاد.

المصدر : بلومبيرغ