يصطدم طموح الصين إلى الهيمنة على سوق العملات الرقمية بمخاوف بيئية حيث يهدد تعدين العملات المشفرة رصيدها من الطاقة الكهربائية، وهو ما قاد بكين إلى شن حملة هدفها السيطرة على فوضى العملات الرقمية التي تجري على أراضيها بحظرها على الشركات تقديم خدمات العملات المشفرة، في خطوة قادت إلى تراجع كبير وبشكل خاص لعملة البيتكوين، في حين ساهمت في الترويج لعملتها الرقمية المحلية لتؤكد مرة أخرى مدى ثقلها في هذه السوق العالمية.
واشنطن – حتى مايو الماضي، كانت الصين تحوي الجزء الأكبر من عمليات ومراكز بيانات العملات الافتراضية خاصة البيتكوين، وبيئة جاذبة لتعدين العملات المشفرة الأمر الذي هدد رصيد الطاقة الكهربائية لديها.
كذلك، كانت الصين مسؤولة عن إنتاج نحو 75 في المئة من عملة البيتكوين على الصعيد العالمي، وفقا لمركز “كامبردج” للتمويل البديل.
الصين، التي تعد أسعار الكهرباء بها الأقل عالميا، يؤرقها أن تتحول إلى بؤرة كبيرة للتلوث بفعل تعدين العملات الرقمية
وعلى الرغم من رغبتها في الهيمنة على سوق العملات الرقمية، إلا أن الطموح الصيني يصطدم بمخاوف بيئية، خاصة مع تزايد تحذيرات الخبراء من مخاطر التعدين البيئية الذي يزيد من استهلاك الكربون حول العالم.
ويثير حجم الطاقة الكهربائية المستخدمة في تعدين العملات المشفرة مخاوف بكين، حيث تعادل الطاقة المستخدمة في عملية تعدين هذه العملات احتياجات منزل واحد لـ5 ملايين عام.
ويحتاج تعدين العملات الافتراضية، وبالتحديد البيتكوين إلى استهلاك طاقة كهربائية كبيرة، الأمر الذي يزيد كلفة التداول من جهة، ويضغط على مصادر الطاقة التقليدية في ظل جهود عالمية لمكافحة التغير المناخي.
والصين، التي تعد أسعار الكهرباء بها الأقل مقارنة مع المتوسط العالمي، يؤرقها أن تتحول إلى بؤرة كبيرة ومرعبة للتلوث بفعل تعدين العملات الرقمية، لذلك، شنت الصين حملة للسيطرة على فوضى العملات الافتراضية التي تجري على أراضيها، حيث حظرت على المؤسسات المالية وشركات المدفوعات تقديم خدمات العملات المشفرة.
كذلك، جاء الحظر، الذي بدأ في مايو الماضي، بعد أيام من إطلاق بكين عملة “شيا” الرقمية المدعومة من البنك المركزي الصيني، وهو ما ظهر بأن حظر تداول العملات الافتراضية جاء للترويج للعملة المحلية الصاعدة أيضا.
وأوضح المصرف المركزي الصيني في أواخر يونيو الماضي في بيان أنه استدعى العديد من المصارف الكبرى وشركات الدفع، وطلب منها تشديد إجراءاتها حيال العملات الرقمية المستخدمة في التعاملات التجارية، في خطوة قادت إلى تراجع البيتكوين والعملات الافتراضية الأخرى.
وتزامنت هذه الإجراءات مع مطالبة الحكومة الصينية للمؤسسات المالية وشركات المدفوعات بعدم تقديم أيّ خدمات متعلقة بالعملات المشفرة، نظرا إلى أن هذه الأصول تمثل خطراً على المستثمرين.
هل ربح اليوان الرقمي
حملة الصين ضد العملات المشفرة لم تستهدف الحدمن هدر الطاقة فقط
بعد قرار الصين تراجع سعر العملات الافتراضية وهبطت قيمتها السوقية من متوسط 2.53 تريليون دولار إلى 1.7 تريليون دولار.
كذلك هوت العملة الافتراضية الأكثر شيوعا البيتكوين إلى متوسط 35 – 39 ألف دولار للوحدة الواحدة، مقارنة مع ذروتها في أبريل الماضي البالغة 63 ألف دولار.
ومنذ قرار الصين لم تنجح البيتكوين على سبيل المثال من الوصول مرة أخرى إلى ذروتها، بل إنها لم تتجاوز حاجز 42 ألف دولار، ما يظهر وزن الصين في هذه السوق.
حتى التعاملات المبكرة الثلاثاء جرى تداول البيتكوين عند متوسط 36.9 ألف دولار للوحدة الواحدة، بينما كانت سجلت في مطلع تداولات الأسبوع الجاري 32 ألف دولار.
ولم تستهدف حملة الصين ضد العملات المشفرة الحد من هدر الطاقة فقط، وإنما كان اليوان الرقمي الحافز الأهم في قرارات الصين.
حملة الصين ضد العملات المشفرة لم تستهدف الحد من هدر الطاقة فقط، وإنما كان اليوان الرقمي الحافز الأهم في قرارات بكين
وتعد الصين في مركز الصدارة ضمن سباق عالمي لإطلاق البنوك المركزية لعملات رقمية وتختبر اليوان الرقمي في مدن رئيسية من بينها شنتشن وبكين وشنغهاي لكنها لم تحدد جدولا زمنيا للتطبيق الرسمي. وحسب بيانات صادرة عن بنك الشعب المركزي الصيني منتصف يوليو الجاري، فإن التعاملات التي جرى تنفيذها باستخدام اليوان الرقمي (التجريبي) بلغت 34.5 مليار يوان (نحو 5.3 مليارات دولار) حتى نهاية يونيو.
وفتح البنك لحوالي 20.8 مليون شخص عبر الصين محافظ لإيداع العملة الرقمية، مع إجراء أكثر من 70.7 مليون عملية.
ونقلت وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” عن نائب محافظ البنك المركزي فاو يي في القول “اليوان الرقمي ليس بديلا لليوان النقدي وليس مناظرا للعملات المشفرة، لأن اليوان الرقمي الرسمي يصدره البنك المركزي الصيني كوسيلة دفع مكملة وليست بديلة للعملة النقدية”.
ويعتقد العديد من المحللين أن اليوان الرقمي سيعزز المركز العالمي للعملة في الوقت الذي تسعى فيه الصين في نهاية المطاف لكسر هيمنة نظام التسوية بالدولار.
وارتفعت حصة الولايات المتحدة من سوق تعدين البيتكوين إلى 16.8 في المئة في أبريل من 4.1 في المئة في سبتمبر2019، كما ارتفعت حصة كازاخستان إلى 8.2 في المئة، فيما جاءت روسيا رابعاً وإيران خامساً، خلال نفس الفترة.
وتعدين عملة البيتكوين هو عملية إنشاء عملة جديدة باستخدام أجهزة الكمبيوتر لحل الخوارزميات وفك الشفرات الرياضية المعقدة. ويقوم مستخدمو البيتكوين الذين يُطلق عليهم مجازاً اسم “عمال المناجم” بعملية حفظ البيانات وعمليات التداول وتسجيلها في سلاسل محاسبية تسمى كل منها “سلسلة الكتل”، وهي أشبه بدفتر الأستاذ العام في عالم المحاسبة.
وتتطلب عملية حفظ البيانات وتسجيلها في سلسلة الكتل أجهزة كمبيوتر ذات كفاءة وفاعلية عالية جداً.
البيتكوين
ونظراً إلى أن العملة لامركزية أي أنها لا تخضع لسيطرة الحكومات، يتم تحديثها باستمرار من خلال شبكة من أجهزة الكمبيوتر المصممة لهذا الغرض حول العالم.
وتستغرق عملية تعدين البيتكوين الواحد في المتوسط حوالي عشر دقائق على الشبكة لحل البرنامج المعقد ومعالجة كتلة ما. وتنتهي العملية باستخدام كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية نظراً لإقبال الكثيرين على تعدين العملة ليحصلوا بالمقابل على عملات بيتكوين والإعفاء من رسوم معالجة
المعاملات.
ورغم أن العملات الرقمية تعتبر المستقبل، إلا أنها تحدث مشاكل للحكومات التي تتحكم في المعروض النقدي، ولا تحبذ استبدال النقود ببديل
تكنولوجي.
ويصل عدد العملات الرقمية المشفرة حول العالم إلى نحو 5120، بقيمة سوقية تجاوزت 2.275 تريليون دولار حتى صباح الثلاثاء، وتستحوذ البيتكوين على الحصة الأكبر منها بمقدار 46 في المئة بقيمة 1.05 تريليون دولار.
ويجد المستثمرون في العملات الافتراضية أداة استثمارات مجدية، بعد تراجع أسعار الذهب والدولار اللذين شكلا على مدى الشهور التسعة الماضية ملاذا آمنا للمتعاملين بفعل فايروس كورونا.
العرب