حوالي نصف صادرات النفط العراقية تصدر الى الصين، ولا يزال الاقتصاد العراقي الإنتاجي مشلول

حوالي نصف صادرات النفط العراقية تصدر الى الصين، ولا يزال الاقتصاد العراقي الإنتاجي مشلول


الباحثة شذى خليل*
يعد العراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، بمتوسط يومي 4.5 ملايين برميل يوميا، الصين لوحدها تستهلك منها 44 بالمئة، هذا ما أعلنه مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، الذي قال إن الصين هي السوق الأولى لصادرات النفط العراقي، حيث تستهلك وحدها نحو 40-44٪ من صادرات النفط العراقية، بنحو 80 ألف برميل يوميا.
وبين صالح أن جزءا صغيرا من تلك الصادرات هو مستحقات عقود الخدمات النفطية للشركات الصينية العاملة في العراق والتي أضيف إليها مؤخرا 100 ألف برميل يوميا مودعة في الحساب المصرفي لتنفيذ مشاريع اتفاقية إطار التعاون التي دخلت حيز التنفيذ الشهر الماضي.
محتوى الاتفاقية:
جاء توقيع الاتفاقية العراقية-الصينية في 23 سبتمبر 2019 في العاصمة الصينية بكين، متزامناً مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالِبة بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد وإنهاء فوضى السلاح، والتي وجدت القوى السياسية فيها سبباً إضافياً للخلاف الذي سُرعان ما امتدَّ إلى الأوساط الاقتصادية والشعبية، التي انقسمت ما بين مؤيد ومعارض ومرتاب، وذلك لعدم وضوحها وشرح تفاصيلها على المواقع الرسمية للحكومة العراقية آنذاك ولا على منصات التواصل الاجتماعي، أو على جزء من نصوصها المسربة؛ مما أثار مخاوف عدم الشفافية، ورغبةً حكومية في إخفاء المخاطر التي تكتنف الدخول في شراكة تجارية استراتيجية مع إحدى أكثر الدول العظمى تعاطياً مع الأنظمة السياسية الفاسدة حول العالم.
تعمل الشركات الصينية على اغتنام الفرصة لتثبيت أقدامها خصوصا في حقول النفط جنوبي البلاد، في حين تقوم شركات النفط الغربية الكبرى بإعادة تقييم وضعها في العراق، حيث ان عددا من شركات النفط الغربية بدأت بالانسحاب من الوسط والجنوب، وخلال الأعوام الماضية كانت شركات نفطية عملاقة أخرى قد غادرت العراق فعليا، من بينها “إكسون موبيل”، و”أوكسيدنتال بتروليوم”، و”شل” التي انسحبت من حقول النفط في البصرة، بعد تعرّض منشآتها للعديد من الهجمات المسلّحة وعمليات الابتزاز، لتحل محلّها شركات صينية.
وقد اعترف الوزير العراقي في 30 يونيو/حزيران الماضي بأن البيئة الاستثمارية والأمنية في البلاد قد تدهورت، فأجبر ذلك شركات النفط العالمية على إعادة تقييم مواقفها، حيث تعرضت الى هجمات صاروخية متكررة في الناصرية، وأن الشركات الصينية قامت بشراء أسهم الشركات التي ترغب بمغادرة العراق، موضحا أن مقاولا صينيا يعمل في أحد حقول النفط غربي البلاد حقق خلال المدة الماضية أرباحا تفوق مداخيل شركة “إكسون موبيل”.
الجزء المُعلَن من الاتفاقية:
حسب مظهر محمد صالح هي عبارة عن قرض ائتماني صيني قدره 10 مليارات دولار يتم تسديده عبر وضع عائدات 100 ألف برميل من صادرات النفط الخام العراقي إلى الصين في حساب خاص في أحد البنوك الصينية، وتبلغ قيمة تلك العائدات نحو ملياري دولار في السنة بأسعار اليوم التي قُدرت 55 دولاراً أمريكياً. وتبلغ مدة الاتفاقية عشرين عاماً. والاتفاقية من حيث الشكل العام تخلو من الشروط الجزائية، وتندرج ضمن اتفاقيات الصداقة، وفي حالة حصول خلاف يتم اللجوء إلى هيئات التحكيم الدولية، وهي قابلة للتمديد والزيادة إذا شاء الجانب العراقي، وتتضمن عدة أمور من بينها:
1. إنشاء صندوق عراقي-صيني للإعمار، تُشرف عليه الحكومة العراقية عبر البنك المركزي والحكومة الصينية بضمانة مؤسسة التأمين الصينية “ساينو شور”Sinosure ، تحجز فيه إيرادات 100 ألف برميل يومياً من النفط العراقي المباع إلى الصين، مقابل أن تضع الحكومة الصينية مبلغ 10 مليارات دولار بفوائد مدعومة من قبلها.
2. إذا نجحت الحزمة الأولى من المشاريع، ورغب العراق في زيادة الاستثمارات، يتم رفع سقف إيرادات مبيعات النفط العراقي إلى 300 ألف برميل يومياً، وبالمقابل تزيد الصين سقف الإقراض إلى 30 مليار دولار، ثم يودع المبلغ في مصرف “سيتي بنك-الصين”، الذي يقوم لاحقاً بتحويله إلى حساب العراق في المجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في نيويورك (الذي يشرف على مبيعات النفط العراقي الإجمالية)، قبل أن يحول المبلغ إلى حساب جديد يسمى “حساب الاستثمار”، ويتم إنشاء حساب آخر يسمى “خدمات الديون”، ويُخصص لدعم نسبة الفائدة، ويُستقطع مبلغه من حساب الاستثمار.
3. المشاريع المعلنة، يشمل الصندوق تغطية عدة مشاريع للبنية التحتية، من بينها: مطارات، ومدارس، وتعبيد الطرق الخارجية، وسكك حديد، ومعالجة تلوث المياه، وبناء مجمعات سكنية، ومشاريع الطاقة، وأخرى حسب طلب الحكومة. وإذا كانت كلفة أحد هذه المشاريع مليار دولار، فإن المبلغ يُؤخذ من الصندوق بواقع “850 مليون دولار من الصين و150 مليون دولار من مبيعات النفط العراقية”.
4. يحق للعراق اختيار شركات عالمية “أوروبية أو أمريكية” لتكون شريكة مع الصين بحسب نوع المشروع.
ووفقاً لبنود هذه الاتفاقية ثمة عدة حسابات تتولى عملية إدارة مراحل الاتفاقية، وهي:
1. حساب التسويات: وهو الحساب الأول الذي يتولى مهمة إيداع 10% من صافي عوائد الصادرات النفطية الشهرية البالغة 100 ألف برميل يومياً، لحساب شركتين صينيتين “لم يذكر اسمهما”، ضمن حصة العراق في منظمة أوبك وليس خارجها.
2. الحساب التحوطي: يتضمن مبالغ تقابل الحاجة المستقبلية لتسديد خدمة الديون عند الاقتراض من المصارف الصينية، التي ستضمن تمويل مشاريع الإعمار المنفذة في العراق. ويقتضي وضع مبالغ احتياطية في هذا الحساب تساوي بالحد الأدنى 150% من قيمة خدمة الديون المترتبة على المشاريع لفترة 6 أشهر مقبلة، وهذه القروض تكون هي الأخرى بضمانة مؤسسة “ساينو شور” الصينية.
3. حساب إعادة الدفع: والذي يمثل مساهمة الجانب العراقي كنسبة من مبالغ القروض، التي سوف يتسلمها من المصارف الصينية؛ إذ ستودع المبالغ التي سيساهم العراق فيها وتسجل في حساب “إعادة الدفع” البالغة 15% من قيمة كل قرض وتحول من الحساب الثالث أو الحساب الثاني، ليحصل العراق عند الحاجة على ائتمانيات تعادل 1.8 مليار دولار ضمن النسق الائتماني البالغ 10 مليارات دولار يساهم العراق فيها بنسبة 15% تودع في حساب إعادة الدفع، وذلك لتسديد الفائدة والأقساط على الديون المتحققة، وأن 85% الأخرى المتبقية تمثل القرض المقدم من الجانب الصيني.
4. حساب الاستثمار: توضع في هذا الحساب أموال عراقية فائضة، وتكون الأموال تحت تصرف الحكومة العراقية سواء لتمويل مشاريع في العراق من جانب الشركات الصينية أو الشركات الدولية أو للتجهيز.
اكد بعض الخبراء والمحللين السياسيين، أن العراق بلا شك هو الخاسر الأكبر من هذه الصفقة، لأنها مؤقتة وغير دائمة، كما أنها ستحول العراق إلى ملعب عالمي، وان النفوذ الصيني بدأ يتزايد داخل العراق، وهنا السؤال ولذلك سيصبح العراق ملعبا للقوى العالمية؟
وكالة أمريكية وصفت الصفقة بأنها أحدث مثال على سياسة القروض الصينية، من خلال شركات تجارية وبنوك تسيطر عليها بكين، مقابل السداد ببراميل نفطية.
بعض التقارير حذرت من سياسة القروض الصينية، التي بمقتضاها تسيطر بكين وتصادر بعض مقدرات وأصول الدول الأخرى عند عجز الحكومات المقترضة، الإيفاء بالتزاماتها.
وقد وقع ضحية هذه السياسة دول مثل، سريلانكا وباكستان، ومؤخرا لاوس، التي ستسلم الحصة الأكبر من شبكة الطاقة الكهربائية الخاصة بها إلى شركة الصين الجنوبية الوطنية للكهرباء، بسبب فشلها في سداد الديون الصينية.
نقاط الخلاف:
لم يمكن لحدث بأهمية توقيع الاتفاقية بين العراق والصين، ليمر دون إثارة موجة من الجدل السياسي المعتاد، فضلاً عن نقص المعلومات والتكتم الحكومي الممزوج بفقدان ثقة الرأي العام المزمن بالطبقة السياسية، التي لا تنقصها الرغبة ولا الدوافع للمزايدة بقصد الابتزاز السياسي أو الحصول على حصة من كعكة المشاريع والمقاولات، مع ملاحظة التحول السريع وغير المبرر في مواقف القوى والأحزاب السياسية من التأييد إلى المعارضة وبالعكس. وفيما يأتي استعراض للموقفين الرئيسين من الاتفاقية:
1. الفريق المعارض: اعتبر الفريقُ المعارض للاتفاقية بشكلها المعلن أنها بمنزلة رهن نفط العراق لدولة يحفل سجلها بتوريط الدول الفقيرة أو التي تعيش في ظل أنظمة فاسدة مثل الحكومات العراقية المتعاقبة، فيما يُعرَف بـ”فخ الديون الصينية” تحت غطاء اتفاقيات التعاون، والتي انتهت بها إلى رهن ثرواتها النفطية للصين مثل أوغندا، أو فقدان الجزء الأكبر من ملكية المنشآت التي تم إنشاؤها وأشهرها ميناء “چوادر” في باكستان، وميناء مومباسا في كينيا، وميناء “هامبانتوتا” في سريلانكا، وميناء “دوراليه” في جيبوتي. وهي السوابق التي تثير مخاوف الفريق المعارض لعدد من الاعتبارات:
1. ارتفاع فرص تبديد القروض الصينية على مشاريع غير ملحة مثل ميناء الفاو الكبير، في ظل امتلاك العراق ستة موانئ أخرى تَفي بالحاجة حالياً. ومقابل حصول الصين على فرصة للاستحواذ على الميناء كما حصل مع دول أخرى، وإحكام قبضتها على مشروع القناة الجافة التي كان يخطط العراق لإنشائها من أجل الربط بين الخليج العربي وأوروبا عبر شبكة طرق وسكك حديد، فضلاً عن أنابيب الغاز والنفط.
2. الديون المترتبة على الاتفاقية ستقود إلى رهن النفط العراقي لفترة طويلة لصالح الصين، فإذا كان مجموع القروض يبلغ 100 مليار دولار بسعر فائدة 6%، مقسمة على عشر سنوات في حدها الأدنى، فإن سدادها سيحتاج إلى اقتطاع نسبة كبيرة من الميزانية العامة للدولة. هذا إذا افترضنا بقاء النفط العراقي بنفس السعر الذي يُباع به الآن، أما إذا انخفض فإن العراق سيكون ملزماً بزيادة الكمية المصدرة من النفط ليتمكن من إيفاء الديون، ما يعني ضياع أهم مورد اقتصادي للعراق.
3. عدم وجود ضمان بتنفيذ المشاريع وفق المواصفات المطلوبة، في ظل النفوذ الكبير الذي تتمتع به اللجان الاقتصادية في الأحزاب السياسية العراقية، وخاصة الفصائل الشيعية المسلحة التي لن تتردد في فرض الشركات التابعة لها كمقاول ثانوي، أو حتى الاستيلاء على تنفيذ المشاريع من الباطن.
4. عدم إلزام الشركات الصينية بتشغيل نسبة من العمالة المحلية؛ ما يعني بأن معدلات البطالة لن تتأثر بأي نهضة عمرانية في ظل احتكار العمالة الصينية لكل مراحل العمل.
5. مخاطر وقوع العراق في شرَاك تقاضي أثمان النفط المصدَّر إلى الصين بعملة “اليوان” الصينية، في حال تأخره في سداد أقساط الدين؛ ما يعني ارتهان ثلث صادرات وواردات العراق لصالح الصين.
2. الفريق المؤيد: يَعتبر هذا الفريق الاتفاقية واحدة من أهم الاتفاقيات في النصف الثاني من عمر الدولة العراقية الحديثة، ورافعةً مهمة للنهوض بالواقع الاقتصادي ودفع عجلة التنمية بعد عقود من الحروب المتتالية، استناداً إلى جملة من المعطيات، أبرزها:
1. المئة ألف برميل يومياً المطلوب حجز عائداتها في صندوق تمويل الاتفاقية، لا تشكل رقماً كبيراً من حجم صادرات النفط العراقي الذي يناهز 4 ملايين برميل يومياً، ويُتوقع أن يزيد قرابة مليونين برميل في العقد المقبل.
2. الأموال الصينية ليست قروضاً بل تسهيلات تمويل سلس، بديلة عن طرق التمويل التقليدية التي تعاني من الروتين، فضلاً عن التخلص من قيود البيروقراطية الحكومية في العراق، التي طالما تسببت في تأخير المصادقة على المشاريع وعرقلة صرف الأموال المرصودة لها، وتمديد فترة التنفيذ دون ضوابط واضحة، عبر إحالة العقود الكبيرة مرة واحدة من قبل لجنة وزارية مصغرة أو مجلس إعمار.
3. لا تتضمن الاتفاقية شروطاً جزائية ولا متطلبات اقتصادية مثل خفض العجز والحد من الإنفاق ورفع الدعم عن المحروقات، التي يطلبها عادة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فضلاً عن وجود بند باللجوء إلى هيئات التحكيم الدولية في حال حدوث خلاف، سواء بين العراق والشركات الصينية، أو مع الصين كدولة.
4. الفوائد التي تفرضها الصين على قروضها للعراق منخفضة للغاية مقارنة بباقي الدول والمؤسسات المالية الدولية أو البنوك العالمية، نظراً للتصنيف الائتماني المتدني للعراق لدى وكالات التصنيف الائتمانية مثل فيتش وموديز، بسبب ارتفاع مخاطر عدم السداد لدولة تعاني من عدم استقرار شبه دائم كالعراق.
5. عمر الاتفاقية 20 عاماً، أي أن الفترة ستكون طويلة وأقساط التسديد صغيرة بما لا يؤثر على ميزانية الدولة، فضلاً عن الحد من ضياع الوقت وتأخير إنجاز المشاريع المعتاد الذي يضاعف من الكلفة المادية والبشرية الناتجة عن الافتقار إلى البنية التحتية والخدمية والاستثمارية.
وختاما يرى البعض ممن يؤيد الاتفاقية انها فاعلة من ناحية استبدال العائدات بالمشاريع، 20 عاماً، والتي ستنهض بالبنى التحتية للعراق التي ما زالت مدمرة منذ أربعة عقود.
ويرى البعض الآخر من الاقتصاديين، ان الاتفاقية خاسرة او ممكن القول إن الصين هي الرابح الأكبر، ولا يزال العراق يمتلك احتياطياً نقدياً مريحاً من العملة الصعبة، واحتياطيات ضخمة من النفط والغاز، يمكن أن تُستعمل كضمانة في اتفاقيات أكثر توازناً وتنوعاً مع عمالقة الاقتصاد العالمي، بدلاً من المخاطرة بالوقوع في فخ القروض الصينية المسمومة، يحتاج العراق الى مخططين ولاعبين في الساحة الاقتصادية اكثر حنكة لتعديل مسار الدولة الاقتصادي.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية