طرحت التهديدات الأمنية المتفاقمة في أكثر من منطقة في الشرق الأوسط تساؤلات بشأن شكل المساعدة الأمنية التي تخطط إدارة الرئيس جو بايدن تقديمها لبلدان المنطقة بعد التغييرات في طبيعة الوجود العسكري الأميركي الذي استمر عقودا من الزمن.
واشنطن – عكس الشكل الجديد للوجود العسكري الأميركي في منطقة الشرق الأوسط حجم التحولات في استراتيجيات إدارة الرئيس جو بايدن على ضوء التطورات الأمنية والسياسية في تلك المنطقة، لكن التساؤلات باقية حول شكل المساعدة الأمنية الأميركية المتوقعة للبلدان العربية في سياق التغير السريع في أولويات البيت الأبيض بشأن قضايا المنطقة.
تبدو الاستراتيجية التي يتبعها الرئيس بايدن لا تختلف كثيرا عن أسلافه بشأن التخفيض في عدد القوات المنتشرة في العراق وسوريا ومنطقة الخليج العربي، إلا أنها لا تزال تنظر إلى صفقات التسليح وتطوير القدرات القتالية لجيوش المنطقة كأولوية في ظل التنافس الكبير مع اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط على غرار روسيا والصين، بالإضافة إلى بريطانيا وألمانيا بدرجة أقل.
وبدت محاولات الإدارات الأميركية السابقة بشأن استغلال صفقات التسليح وتطوير القدرات القتالية غير مجدية في عملية الضغط على البلدان العربية الرئيسية والفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، في ظل وجود فاعلين آخرين قادرين على توفير البدائل اللازمة في هذا السياق.
وتعتمد الاستراتيجية العسكرية الأميركية في المنطقة على نشر عدد أقل من الجنود وتقديم مساعدة أمنية للبلدان الحليفة، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.
الاستراتيجية التي يتبعها الرئيس بايدن لا تختلف كثيرا عن أسلافه بشأن التخفيض في عدد القوات المنتشرة في العراق وسوريا ومنطقة الخليج العربي، إلا أنها لا تزال تنظر إلى صفقات التسليح وتطوير القدرات القتالية لجيوش المنطقة كأولوية
وفتح الانسحاب الأميركي من أفغانستان والتوقيع على اتفاق لإنهاء المهمة القتالية في العراق باب التساؤلات عن الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. ولا تبدو التطورات الأمنية والسياسية في تلك المنطقة بعيدة عن الصراع القائم لكبح النفوذ الإيراني المتنامي في أكثر من منطقة، والتهديدات المتواصلة لحلفاء الولايات المتحدة.
وبدا التوقيع على اتفاق لإنهاء “المهام القتالية” في العراق نهاية العام الجاري كأنه ترك الباب مفتوحا على كافة السيناريوهات ويرتبط أساسا بمدى الاستجابة لوقف التهديدات التي تشكلها الميليشيات التي تقوم بأنشطة مزعزعة للاستقرار ومدعومة من النظام الإيراني.
وعلى الرغم من أن عملية التقييم الشاملة لإدارة بايدن بشأن الوجود العسكري في منطقة الشرق الأوسط تبين أن الولايات المتحدة تسير نحو التخلي عن أمن المنطقة، إلا أن الدليل الاستراتيجي للأمن القومي المؤقت الذي أعلنت عنه الإدارة الأميركية في الثالث من مارس الماضي يحدد “طبيعة التدخلات الأميركية” المقبلة في المنطقة.
وينص الدليل الاستراتيجي للأمن القومي على أن واشنطن “ستعمل مع حلفائها في المنطقة لردع الاعتداء الإيراني والقضاء على تنظيم القاعدة والشبكات الإرهابية ومنع عودة ظهور داعش، وحماية المصالح الأميركية الحيوية الأخرى”، وهو ما أكد عليه بايدن أمام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بأن “دور العسكريين الأميركيين في العراق سيقتصر على تدريب القوّات العراقيّة ومساعدتها في التصدّي لتنظيم الدولة الإسلاميّة”، من دون إعطاء أيّ جدول زمني أو عناصر ملموسة في ما يتعلّق بالعديد العسكري.
ويرى مراقبون أن الخطوة الأميركية في العراق تضمن وجودا عسكريا دائما والتخفيف من حدة الغضب المتنامي من أطراف عراقية مدعومة من إيران بشأن الوجود العسكري للولايات المتحدة.
ويقول روبرت سبرينغبورغ، وهو باحث غير مقيم في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية في روما، إن واشنطن تأمل بأن تتمكن من تظهير قوتها بكلفة أدنى من خلال نشر أعداد أقل من الجنود على الأرض، وذلك خلافا لنموذج المساعدات الأمنية الذي هو من مخلفات الحرب الباردة.
ويضيف سبرينغبورغ، في تحليل نشره مركز كارنيغي للسلام، أن “مسار المساعدات الأمنية الأميركية للشرق الأوسط مشابهٌ للمسار الروسي، ولو كان متخلّفا عنه بفارق زمني ممتد لعقد أو أكثر، ومن دون إضافة الأنشطة الواسعة القائمة على استراتيجية المنطقة الرمادية”.
وتشير قراءات إلى أن التهديدات والأخطار بشأن عودة تنظيم الدولة في مناطق معينة في العراق وسوريا، بالإضافة إلى تحركات ميليشيات مدعومة من إيران داخل سوريا، والتنافس الحاد مع القوى الكبرى على غرار روسيا والصين كلها عوامل تفرض إعادة تموضع للقوات الأميركية بما يتناسب مع تلك التهديدات للمصالح الأميركية.
ويرى الباحث أن “التدخل الكارثي في العراق عام 2003 شكّل ذروة المقاربة المتحررة من أي قيود التي استخدمتها الولايات المتحدة في حقبة الحرب الباردة”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة على غرار روسيا جعلت من شحنات الأسلحة المكون الأساسي في مساعداتها الأمنية.
ويرى أن من غير الممكن العودة إلى نموذج الحرب الباردة القائم على المساعدات الأمنية الشاملة والمقرونة بدعم واسع للتنمية، مؤكدا أن ما يمكن فعله هو إعادة تصوّر المساعدات الأمنية الثنائية، وفي الوقت نفسه التشجيع على إنشاء هندسة أمنية شرق أوسطية.
روبرت سبرينغبورغ: المساعدات الأمنية الأميركية للمنطقة تشبه المسار الروسي
وأشار إلى أن التحسن الأكبر في الأمن على المستوى الإقليمي يتم من خلال الحد من تدفقات الأسلحة، لكن فرض الشروط ليس إجراءً فعّالًا بحسب ما أظهرته محاولات إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما للتعامل مع مصر.
وتشكل المساعدات العسكرية الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط نحو 55 في المئة من مجموعة المساعدات للتنمية الخارجية الذي بلغ 210 مليارات دولار.
ويبلغ حجم الأموال التي أنفقتها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الدفاع كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي أكثر من ضعف المبالغ التي أنفقتها منطقة جنوب آسيا التي تحتل المرتبة الثانية في تصنيف المناطق من حيث الإنفاق على الدفاع.
ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام زادت بلدان الشرق الأوسط وارداتها من الأسلحة بنسبة 87 في المئة بين 2009 و2018، بينما بلغت بين عامي 2014 و2018 حصة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 35 في المئة من واردات الأسلحة العالمية.
وعلى الرغم من وجود مخاوف من تداعيات سلبية بدت تظهر على السطح لعملية الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وإعادة تغيير طبيعة المهمة القتالية في العراق، إلا أن الإدارة الأميركية مازالت لم تطمئن الحلفاء في المنطقة بشأن خططها العسكرية المقبلة.
وفي 13 يوليو الجاري كتب الباحثان غرانت روملي وكاثرين ويلبارغر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، “إذا كانت الإدارة الأميركية تأمل في تبديد الحديث عن التراجع الأميركي وتأمين
مصالحها، ومنع المكاسب السلبية التي يمكن أن تحققها القوى العظمى المنافسة، فسوف تحتاج إلى زيادة جهودها الدبلوماسية على جبهات مختلفة، وتوضيح رسائلها، والقيام بالتزام دائم لتلبية احتياجات الشركاء” في المنطقة.
ويرى الباحثان ضرورة اتباع الولايات المتحدة عبر تخطيط الدفاع أن تطمئن الشركاء في المنطقة عن طريق “مختلف برامج التدريب العسكري الأجنبي في الولايات المتحدة، والجهود المشتركة المستمرة لمكافحة الإرهاب، والمناورات العسكرية في المنطقة (على سبيل المثال، مناورات الأسد المتأهب في الأردن، والمدافع المتأهب في الكويت، والنجم الساطع في مصر)، فإن تطوير المبادرات التي تُظهر الالتزام الدائم لا يتطلب حيازة بصمة كبيرة”.
العرب