إنقاذ مفاوضات إحياء الاتفاق النووي رهين تعديل تكتيكات التفاوض الأميركية – الإيرانية

إنقاذ مفاوضات إحياء الاتفاق النووي رهين تعديل تكتيكات التفاوض الأميركية – الإيرانية

فتحت المواقف المتشددة التي عبرت عنها الولايات المتحدة وإيران بشأن التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي الموقع في العام 2015 الباب أمام تساؤلات بشأن مدى فاعلية تكتيكات التفاوض التي تعتمد عليها كل من واشنطن وطهران، خاصة أن تطورات داخلية في إيران على غرار تولي إبراهيم رئيسي السلطة تهدد بزيادة تشديد المواقف ما قد يقوّض فرص إحياء الاتفاق.

واشنطن – تُثير المواقف المتشددة التي صدرت عن الولايات المتحدة وإيران بشأن إحياء الاتفاق النووي تساؤلات حول نجاعة تكتيكات التفاوض بين الطرفين وخاصة الشروط التي يتشبث بها كل منهما.

واختارت كل من طهران وواشنطن تشديد مواقفهما قبل استئناف المفاوضات لإحياء الاتفاق الموقع سنة 2015 مع تولي الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي منصبه في أغسطس الجاري.

ويرى مراقبون أن القلق بين مؤيدي اتفاق كبح البرنامج النووي الإيراني الذي تخلى عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018 سابق لأوانه، لكنه يفتح الباب أمام التساؤل عن فعالية تكتيكات التفاوض للطرفين.

وتشمل هذه التكتيكات تأطير إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمفاوضات بشكل حصري من منطلق مخاوف الغرب وحلفائه في الشرق الأوسط ودون أخذ المخاوف الإيرانية بعين الاعتبار.

وفي المقابل تصر إيران على ضرورة رفع العقوبات وهي عملية معقدة يجب أن تؤخذ في الاعتبار في المفاوضات، وكذلك ترفض طهران توضيح الشروط التي قد تكون على استعداد أن تناقش على أساسها القضايا غير النووية بمجرد إحياء الاتفاق النووي.

من المرجح أن تتفاقم الخلافات في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران خلال المحادثات المقبلة، لاسيما في ظل تشبث كل طرف بطريقته في التفاوض.

وقال المحلل الإيراني إسفنديار باتمانجليج إن “التحديات التي تواجه مفاوضات خطة العمل المشتركة الشاملة تعدّ مثالا مهما على كيفية إلقاء تجربة فاشلة لتخفيف العقوبات كما حدث في إيران خلال إدارتي أوباما وترامب بظلالها على الدبلوماسية لسنوات قادمة، مما يصعّب تأمين مصالح الولايات المتحدة”.

وقد تستجيب إدارة الرئيس الأميركي لفكرة باتمانجليج القائلة بأن صياغة العقوبات يجب أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أن رفعها يمكن أن يكون صعبا مثل فرضها لأنها تعتبر إجراءات عقابية إضافية أكثر استهدافا ضد إيران.

وتهدف هذه الإجراءات إلى إعاقة تطور قدرات إيران على الضربات الدقيقة باستخدام الطائرات دون طيار والصواريخ الموجهة من خلال التركيز على مزودي قطع أنظمة هذه الأسلحة، وخاصة المحركات والإلكترونيات الدقيقة.

ومن المؤكد أنه لا توجد رغبة واضحة في واشنطن أو طهران لتعديل تكتيكات التفاوض وتعديل افتراضاتهما الأساسية.

ورأى المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي أن “تعديل تكتيكات التفاوض سيشكل تحديا هائلا، إن لم يكن تجاوزه مستحيلا، نظرا إلى البيئة السياسية في كلتا العاصمتين. وقد انعكس ذلك في التصريحات الإيرانية والأميركية الأخيرة”.

وبالفعل أشار المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى أن التفاوض على إحياء الاتفاق النووي يتعثر بسبب مطالبة الولايات المتحدة بتجاوز شروط الاتفاق الأصلي من خلال ربطه باستعداد إيران لمناقشة برنامجها للصواريخ الباليستية ودعم الوكلاء العرب.

وفي خطاب ألقاه أمام حكومة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني أكد خامنئي أن الغرب “سيحاول ضربنا في كل مكان يستطيع فيه ذلك، وإذا لم يضربنا في مكان ما فذلك لأنه لا يستطيع (…) يقول الغربيون على الورق وفي وعودهم إنهم سيرفعون العقوبات. لكنهم لم يرفعوها ولن يرفعوها. يفرضون شروطا (…) ليقولوا في المستقبل إن إيران انتهكت الاتفاق ولكن لا وجود لاتفاق” إذا رفضت إيران مناقشة القضايا الإقليمية أو الصواريخ الباليستية.

ويصر المسؤولون الإيرانيون على أنه لا يمكن مناقشة أي شيء في هذه المرحلة سوى عودة البلدين إلى الاتفاق النووي كما هو. وقد ألمح المسؤولون الذين لا يثقون في نوايا الولايات المتحدة إلى أن العودة غير المشروطة والمحقق منها إلى الوضع السابق قد تساعد في فتح الباب للمحادثات بشأن الصواريخ والوكلاء بشرط ألا يشمل ذلك الإجراءات والبرامج الإيرانية فحسب، بل تلك الخاصة بحلفاء الولايات المتحدة أيضا.

يرى مراقبون أن ملاحظات خامنئي تعزز التكهنات القائلة بأن تولي رئيسي السلطة رسميا في إيران سيفضي إلى مزيد من التشدد في موقف طهران خاصة في ما يتعلق برفع العقوبات.

وقال جيمس دورسي إن “رئيسي سيسعى بمجرد توليه منصبه لقلب الطاولة على إدارة بايدن من خلال الإصرار على التزام أكبر وتنفيذ الولايات المتحدة للجزء الخاص بها من اتفاقية تعاد صياغتها”.

ولتحقيق ذلك من المتوقع أن تطالب إيران برفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، وليس بعضا منها، ثم التحقق من الرفع والضمانات بأن هذه الخطوة لا رجوع فيها، ربما عن طريق جعل أي انسحاب أميركي مستقبلي من الصفقة مشروطا بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى أحكام لضمان إزالة العقبات التي تعترض التجارة الإيرانية، بما في ذلك وصول البلاد غير المقيد إلى النظام المالي الدولي وحسابات البلاد في الخارج.

وقد ترددت أصداء تصريحات خامنئي وخط رئيسي المتشدد المتوقع في تحذيرات المسؤولين الأميركيين من أن صعود الرئيس الجديد لن يمنح إيران صفقة أفضل.

كما حذر المسؤولون من الوصول إلى نقطة في القريب العاجل لن يكون من المفيد العودة منها، لأن برنامج إيران النووي سيكون قد تقدم إلى مرحلة لن تؤدي فيها القيود التي يفرضها الاتفاق إلى الحد الأدنى المقصود لضمان عدم إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة.

تولّي رئيسي للسلطة في إيران سيفضي إلى المزيد من التشدد في موقف طهران إزاء المفاوضات خاصة في ما يتعلق برفع العقوبات

وصرّح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبل أيام خلال زيارته إلى الكويت “نحن ملتزمون بالدبلوماسية، لكن هذه العملية لا يمكن أن تستمر بلا نهاية. ففي مرحلة ما لن تتسنى استعادة كافة المكاسب التي تحققت عبر خطة العمل المشترك الشاملة بالعودة إلى الاتفاق إذا واصلت إيران الأنشطة التي تمارسها ضمن برنامجها النووي”.

وأضاف “أبدينا حسن نوايانا ورغبتنا في العودة إلى الالتزام المشترك بالاتفاق النووي بالفعل، والكرة لا تزال في ملعب إيران وسنرى إن كانت على استعداد لاتخاذ القرارات اللازمة للالتزام بالاتفاق مجدّدا”.

ورأى مسؤول أميركي آخر أن الولايات المتحدة وإيران يمكن أن تنزلقا إلى شد الحبل في حرب لم تسفر حتى الآن عن النتائج المتوقعة لواشنطن والتي دفعت فيها طهران ثمنا باهظا لموقفها.

وقال المسؤول إن انهيار المحادثات يمكن أن “يشبه إلى حد كبير استراتيجية المسار المزدوج في الماضي: ضغوط العقوبات مع عرض مستمر للمفاوضات. وسيتمحور السؤال حول المدة التي سيستغرقها الإيرانيون للوصول إلى فكرة أنهم لن ينتظروا دون فعل شيء حتى يتطور شيء ما أو ينتهي الوضع الراهن”.

العرب