تونس – مع بداية كل موسم صيفي في تونس تعود إلى الواجهة مشكلة الانقطاعات المتكررة للمياه في غالبية مدن البلاد وسط استياء شعبي عارم من عجز الحكومات المتعاقبة أعقاب ثورة يناير عن إيجاد حل لهذه المعضلة البيئية التي تهدد التونسيين بالعطش.
ويجمع الخبراء على أن التغير المناخي عمق أزمة نقص المياه في البلاد، وسط تحذيرات من فقر مائي في حال لم تتحرك الحكومة واتخذت التدابير اللازمة.
وأوضحت دراسة نقلها موقع “جمعيتي” المحلي في الآونة الآخيرة أن الأسباب الأساسية التي جعلت تونس تحت خط الفقر المائي متعددة رغم تشابهها مع باقي الدول العربية التي تعاني نفس الأزمة، وهي بالأساس المناخ والكثافة السكانية وسوء التصرف في الموارد المائية والسياسات المائية غير الملائمة للوضع.
وتبين الدراسة أن التغيرات المناخية أثرت بشكل كبير على الموارد المائية وذلك بارتفاع درجات الحرارة خاصة في الجنوب التونسي وساهمت بشكل كبير في تبخر المياه. كما ساهم الاحتباس الحراري بشكل أكبر في خفض معدلات التساقطات السنوية للأمطار ما جعل سنوات الجفاف تتوالى وهو ما زاد في انخفاض المياه السطحية وفي مستوى امتلاء السدود والبحيرات الجبلية.
كما أدى ازدياد عدد السكان أو التضخم السكاني في العديد من مناطق البلاد إلى تزايد الطلب على استهلاك المياه وهو ما سيزيد العبء على الموارد المائية المتاحة والمتسمة بالشح.
وتلاحظ الدراسة أن الإصلاحات البطيئة وغير الجوهرية لا تتماشى مع تسارع التغيرات المناخية وتفاقم مشكلة الاحتباس الحراري وأثرها على مصادر المياه.
وبرأي خبراء فإن التغير المناخي يتحدى الخطط الحكومية ويفاقم من أزمة المياه.
وتشير روضة القفراج الخبيرة في الموارد المائية والتغيرات المناخية في حديثها لـ”العرب” إلى أن “مشكلة الفقر المائي قديمة جدا وتحديدا منذ ثلاثين عاما”. واستدركت “لكن تأزم الوضع الآن هو ناتج عن تدهور شبكات المياه والتأخير في إنجاز عدة مشاريع وكذلك تغير المناخ وما انجر عنه من نقص في الإيرادات”.
وتعزو القفراج انقطاعات المياه إلى قلة الموارد والتغيرات المناخية ما قاد إلى نقص في الإيرادات.
وحسب الخبيرة البيئية دفع ذلك الحكومة إلى تقليص مياه الزراعة السقوية لصالح المياه الصالحة للشرب، في خطوة أثارت بدورها استياء المزارعين الذين اضطروا إلى استعمال المياه الصالحة للشرب في سقي الأشجار والخضروات حماية لمحصولهم.
وتبين القفراج أن انقطاعات المياه هي نتيجة للاستعمال العشوائي للمياه إضافة إلى تدهور شبكات التوزيع. وتلاحظ أن الجهود الحكومية غير كافية خاصة أنها لم تستفد من القوانين المخصصة للمياه في مواجهة الاستهداف الكبير للمائدة المائية.
وتكشف أن هناك ما يقارب 18 ألف بئر عشوائية، وهو ما ينبئ بسوق مياه موازية من شأنها أن تفاقم الأزمة وتربك الجهود الحكومية.
ويتسق رأي القفراج مع رأي محمد الصالح قلايد وهو مهندس رئيس مختص في المياه والدراسات الاستراتيجية المتعلقة بالمياه.
ولفت قلايد في حديثه لـ”العرب” إلى أن “كثرة الطلب على المياه زادت الوضع تعقيدا إضافة إلى تدعيات التغير المناخي وتقادم شبكات المياه والتي تتطلب اليوم استثمارات كبيرة”.
وشرح قائلا “من انعكاسات التغير المناخي ارتفاع الحرارة وهو ما نعيشه الآن، ويتسبب التبخر الكبير في نقص منسوب السدود من المياه”.
وفيما أقر بوجود خطوات هامة لمواجهة هذه الظاهرة، لكن في تقديره لا بد من دعمها ومواصلة العناية بالمشاريع المنجزة من ناحية الصيانة وإعادة التهيئة، معلقا “لا بد من الإشارة هنا إلى ضرورة رصد اعتمادات ضخمة”.
وفيما كان بإمكان كل تونسي الحصول على ما يصل إلى 440 مترا مكعبا من المياه سنويا، إلا أن هذا الرقم تراجع مؤخرا إلى 389 مترا مكعبا للفرد بسبب تغير المناخ والنمو السكاني اللذين قد يتسببان في انخفاض الكمية إلى نحو 300 متر مكعب للفرد بحلول عام 2050.
وسبق أن حذرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) من أنه ليس بالإمكان تحقيق التنمية المستدامة إلا من خلال توفير 1000 متر مكعب من مياه الشرب للفرد الواحد في حين لا يتمتع التونسي حاليا سوى بـ389 مترا مكعبا.
وبحسب دراسة سابقة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، من المتوقع أن تواجه تونس انطلاقا من سنة 2030 وبحدة أكبر مشكلة مياه، حيث من المنتظر أن تصل الموارد المائية المتاحة سنويا لكل ساكن حوالي 360 مترا مكعبا، مقابل 420 مترا مكعبا في سنة 2006 و1036 مترا مكعبا سنة 1960.
وتواجه تونس علاوة على مشكلة شح المياه تحديات أخرى، لاسيما ارتفاع درجات الحرارة (أكثر من 3 درجات في سنة 2050) وتدهور التربة.
العرب