كيف ينعكس نقص المياه على أزمات إيران الداخلية والخارجية؟

كيف ينعكس نقص المياه على أزمات إيران الداخلية والخارجية؟

لا تعد أزمة شح المياه في إيران جديدة أو مفاجئة، بل توقعها العديد من الخبراء والمسؤولين منذ سنوات، ففي عام 2015 حذر وزير الزراعة الإيراني الأسبق، عيسى كالانتاري، من أن ندرة المياه سترغم 50 مليون إيراني على مغادرة البلاد، وأن المناطق الريفية ستشهد “حرب مياه”. بيد أن هذا التوقع المبكر لم يسهم في اتخاذ أي سياسة ناجعة لاستباق تلك الأزمة أو حلها حين ظهرت بوادرها، حيث تعاني أكثر من 5000 قرية في إيران نقص المياه، وحوالي 7000 قرية أخرى يتم إمدادها بالمياه بواسطة الصهاريج، وذلك وفقاً لتصريحات عضو جمعية المخاطر البيئية والتنمية المستدامة، حميد رضا محبوب فر، الذي أوضح أن شح المياه في إيران قد نتج عن استهلاك 90% من الموارد المائية السطحية والجوفية في البلاد.

وقد تسببت أزمة شح المياه في إيران، في تفاقم اضطرابات سياسية متتالية بسبب تداعياتها على سكان القرى والمدن المتضررة، حيث خرجت خلال الأيام الماضية تظاهرات في أكثر من مدينة إيرانية اعتراضاً على نقص المياه والمشاكل البيئية الناتجة عن ذلك.

تفسيرات رئيسية:

لم يكن تفاقم أزمة المياه في إيران وليد سبب واحد، وإنما نتاج عدة أسباب، وأبرزها ما يلي:

1- عوامل جغرافية: ترتبط أزمة المياه في إيران ارتباطاً وثيقاً بعدم تكافؤ توزيع الثروة المائية لديها جغرافياً، وبالتالي تفاوت استفادة أقاليم الدولة من مصادر المياه، وهو ما نتج عن سياسات غير رشيدة لتوصيل المياه إلى الأقاليم الأقل حظاً، مثل تغيير مسارات الأنهار وإقامة السدود.

كما يبلغ معدل هطول الأمطار السنوي على الأراضي الإيرانية حوالي 250 مم، وهو ما يعادل ثلث المتوسط العالمي. كما أن توزيع هطول الأمطار خلال العام متفاوت في مختلف المحافظات الإيرانية، إذ يقع أقل هطول للأمطار في أكثر المناطق كثافة سكانية. ومن المتوقع أن يزيد تغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة من خطر الجفاف في بعض مناطق البلاد.

2- سياسات غير رشيدة: تحتل إيران المرتبة الـ 131 عالمياً من حيث إدارة الموارد المائية، وفقاً للتقارير الدولية، وهو ما يشير بوضوح إلى أن السلطات الإيرانية يقع على عاتقها جزء لا يُستهان به من أزمة المياه التي تمر بها البلاد؛ بسبب سياستها المائية غير الرشيدة. ويرى الخبراء هنا أن توسع السلطات الإيرانية في بناء السدود، والاستغلال المفرط لموارد المياه الجوفية من خلال استخدام مضخات عالية الطاقة خلال العقود الثلاثة الماضية، قد أدى إلى استنزاف موارد المياه في البلاد، لتصل إلى مرحلة الجفاف الحالية.

كما تأتي السياسة الزراعية لإيران على رأس السياسات غير الرشيدة في التعامل مع أزمة نقص المياه، إذ يعد قطاع الزراعة هو المستهلك الأكبر لموارد البلاد المائية، وبينما تمثل الزراعة 10% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، فإنها تستهلك أكثر من 92% من المياه في إيران. ويتألف نمط الزراعة في إيران من المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، كما أن طريقة الري الأكثر استخداماً بواسطة القنوات، فضلاً عن أن استخدام المياه في الزراعة يجعل من الصعب إعادة استخدامها نظراً لتلوثها بالمبيدات.

فعلى سبيل المثال، توسعت إيران في زراعة القمح ضمن خطة الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية للحفاظ على الأمن الغذائي للبلاد في مواجهة العقوبات التي تعرضت لها لعدة سنوات، وذلك في إطار خطة النظام الإيراني لبناء “اقتصاد مقاوم”. ففي عام 2014، أعلنت طهران اكتفاءها الذاتي من القمح، وتخفيض وارداتها منه إلى الصفر، كما تحولت إلى مُصّدر للقمح في عام 2018. وعلى الرغم من ذلك، تهدد أزمة شح المياه هذا الاكتفاء الذاتي المتحقق في إيران، علاوة على أن هذه الأزمة يمكن أن تؤثر على إنتاج باقي المحاصيل الزراعية، وكذلك صادرات قطاعي الزراعة والكهرباء إلى الأسواق المجاورة بسبب تراجع الإنتاج الهيدروكهربائي.

تأثيرات ثنائية:

تسبب نقص المياه في إيران في تعرض الأخيرة للعديد من الأزمات الداخلية والخارجية، حيث تشترك إيران مع عدد من الدول في موارد مائية متمثلة في أنهار مهمة، سواء كانت تنبع من الأراضي الإيرانية أو دول جوارها. ويمكن توضيح هذه التأثيرات كالتالي:

1- أزمات داخلية: منذ بداية العام الحالي الذي يعد الأكثر جفافاً في إيران منذ 50 سنة، تعاني عدة أقاليم إيرانية أزمة طاحنة في توفير المياه لقراها ومدنها. وفي هذا السياق، شهدت مدن الأهواز، وكرمنشاه، وسيستان، وبلوشتان، وأصفهان، وأردبيل، احتجاجات جماهيرية واسعة بسبب نقص المياه، وتعرض الأراضي الزراعية للبوار. فيما كان إقليم خوزستان، الغني بالموارد المائية، الأكثر تضرراً واحتجاجاً، بالنظر إلى حجم واستمرارية التظاهرات التي يشهدها؛ وهذا نتيجة السياسات المائية التي تتبعها السلطات الإيرانية تجاه الإقليم والقائمة في الأساس على تغيير مسارات أكبر الأنهار فيه، وإقامة السدود عليه بغرض توصيل المياه إلى محافظات المركز من دون النظر إلى احتياجات إقليم خوزستان وسكانه. وقد خضع الإقليم على مدار سنوات طويلة لسياسات تمييزية عديدة، وتعد السياسة المائية أبرزها، لاسيما مشروع “بهشت آباد” الذي تولته مؤخراً المجموعة الاقتصادية “خاتم المرسلين” التابعة لمؤسسة الحرس الثوري، وهو المشروع الذي تعطل لسنوات بسبب مشكلات فنية.

وفي هذا الإطار، يشهد إقليم خوزستان احتجاجات مستمرة منذ 15 يوليو 2021، على الرغم من الاهتمام الذي أبداه المسؤولون الإيرانيون في تصريحاتهم بما يدور في الإقليم من اضطرابات، والعمل على توفير المياه لسكان القرى والمدن المتضررة، والبدء أيضاً في مشروعات مد أنابيب مياة لـ 702 قرية في خوزستان. وتجدر الإشارة إلى أن اضطرابات إقليم خوزستان بسبب نقص المياه تتكرر سنوياً منذ عام 2005، عندما اندلعت حينها تظاهرات كبرى في الأهواز على خلفية تسريب رسالة نُسبت إلى محمد أبطحي، مستشار الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، يدعو فيها إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لخوزستان، والحد من النفوذ العربي في الإقليم، من خلال سياسات عدة، منها التهجير القسري إلى شمال البلاد، وتغيير الملامح البيئية للإقليم، وكان من أدوات تنفيذ هذه الخطة؛ تغيير مسارات أنهار الإقليم، وبالتالي إجبار العاملين بالزراعة على ترك الأخير والاتجاه إلى محافظات زراعية أخرى.

2- أزمات خارجية: تعتبر إدارة الموارد المائية من أهم الملفات الخلافية لإيران مع دول جوارها، لاسيما فيما يخص الموارد المائية المشتركة مع كل من أفغانستان والعراق. وعلى الرغم من توقيع طهران العديد من الاتفاقيات المنظمة لعملية استغلال الموارد المائية المشتركة مع الدولتين، فإن مجموعة من المشكلات تعكر صفو علاقات إيران مع الجارتين المهمتين بالنسبة لها، ويتضح ذلك في الآتي:

أ- سدود أفغانستان: تتلخص مشكلات إيران مع أفغانستان في إدارة مواردهما المائية المشتركة في السدود الأفغانية التي تدشنها كابول على أنهار عدة تصل روافدها إلى إيران، ومن أهم هذه الأنهار نهر هلمند الذي ينبع من جبال أفغانستان ويصب في بحيرة هامون المشتركة مع إيران.

ويثير إصرار أفغانستان على بناء عدة سدود على أنهارها المشتركة مع إيران استياء الأخيرة، التي تعتبر أن هذه السدود تحول دون الاستفادة من مياه الأنهار القادمة إليها من الداخل الأفغاني. ولطالما سعت طهران إلى امتلاك أوراق ضغط في الداخل الأفغاني للضغط على الحكومة هناك للعدول عن قرارات إنشاء مثل هذه السدود. وكان السد الأخير الذي تجدد بشأنه الخلاف بين البلدين هو سد “كمال خان” بمحافظة نيمروز بالقرب من الحدود الإيرانية، والذي تم افتتاحه في مارس 2021، حيث بلغت تكلفة تشييده 78 مليون دولار، واستغرق بناؤه 4 أعوام، كانت مليئة بالشد والجذب بين الدولتين بشأن تأثيره على حصة إيران من المياه. وأشار الرئيس الأفغاني، أشرف غني، خلال افتتاحه السد، إلى أن بلاده ستبدأ في إعطاء إيران “الماء مقابل النفط”.

وتجدر الإشارة إلى أن إيران قد لجأت في السابق إلى إنشاء بنى تحتية للمياه القادمة من أفغانستان دون موافقة الأخيرة، وعملت على عرقلة مشاريع مائية عدة في أفغانستان. فعلى سبيل المثال، سبق أن أعلنت وزارة الطاقة والمياه الأفغانية أن البنك الدولي أوقف تمويل مشروع سد كبير، بعدما علم أنه يحتاج إلى إذن من طهران. فيما اتهمت أفغانستان جارتها إيران باختراق أجهزتها الحكومية، لاسيما وزارة المياه الأفغانية؛ بهدف الحصول على معلومات عن مشاريعها الخاصة بالموارد المائية، وهو ذات الاتهام الذي وجهته الهند لإيران، وكان يتعلق بسعي طهران لعرقلة بناء سد الصداقة الأفغاني – الهندي “سلمي” الذي استطاعت الهند افتتاحه في عام 2016 بمقاطعة هيرات الأفغانية، ضمن سلسلة من مشاريع إعادة إعمار أفغانستان.

ب- تقليص حصص العراق: على الرغم من العلاقات الاستراتيجية بين العراق وإيران، فقد مثلت الموارد المائية المشتركة، لاسيما في منطقة شط العرب، قضية خلافية كبرى بين البلدين، على الرغم من توقيعهما عدة اتفاقيات في هذا الشأن. وقد تصاعدت الأزمة المائية بين العراق وإيران عندما بدأ شح المياه يؤثر على نمط الحياة في العديد من الأقاليم الإيرانية، وبالتالي سعت طهران إلى إنشاء سدود على روافد نهر دجلة الذي كان يسير المياه تلقائياً إلى العراق بسبب انبساط الأرض فيها، وهو ما أثر سلباً على تدفقات المياه إلى المحافظات العراقية من روافد النهر. علاوة على التأثير الكبير الناتج عن تحويل مسار نهر الكارون إلى داخل إيران بعد أن كان يصب في شط العرب، الذي يعد ملتقى نهري دجلة والفرات، الأمر الذي أدى إلى انخفاض منسوب نهر دجلة في العراق، وجفاف أغلب أهوار الجنوب، وتعرض ديالي والبصرة لنقص شديد في المياه.

وفي هذا السياق، هدد وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد، في 10 يوليو 2021، بلجوء بلاده إلى المؤسسات والمحافل الدولية لاستحصال حقوق بلاده المائية من إيران إذا أصرت الأخيرة على قطع جميع الموارد المائية عن ديالى ورفضها الانصياع لاتفاقيات تقاسم أضرار شح المياه الإقليمية.

وفي النهاية، يمكن القول إن أزمة المياه في إيران لها العديد من الانعكاسات الداخلية والخارجية التي تمثل مزيداً من الضغوط على النظام الحاكم في طهران، وهذه الأزمة نتيجة سلسلة من الإخفاقات في إدارة الموارد المياه، واتخاذ العديد من القرارات السياسية غير المدروسة لخدمة أهداف أخرى، الأمر الذي وضع إيران في مأزق اقتراب نفاذ رصيدها المائي، والحد من خياراتها لتنمية مواردها وترشيد سياستها المائية. ولا شك أن أحد أهم التحديات الداخلية التي ستواجه الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، يتعلق بمشكلة شح المياه، وما نتج عنها من آثار اقتصادية واجتماعية جسيمة، قد تمس استقرار البلاد، لاسيما في ظل ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والتظاهرات اعتراضاً على الأوضاع الاقتصادية والبيئية المتردية في عدد من الأقاليم الإيرانية.

رانيا مكرم

المستقبل للدراسات