إعادة تأهيل سياسة جيمي كارتر في الشرق الأوسط

إعادة تأهيل سياسة جيمي كارتر في الشرق الأوسط

نتيجة للجهود الحثيثة التي بذلها في قمة كامب ديفيد في العام 1978، نجح الرئيس جيمي كارتر في التفاوض حول “مسار عقلاني للمضي قدمًا نحو الحكم الذاتي الفلسطيني وحل الدولتين”، لكنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن خذله حين تراجع عن الصفقة.
هذا هو التقييم الذين قدمه المؤرخ المتميز كاي بيرد، مؤلف السيرة الذاتية الجديدة لجيمي كارتر، في ندوة لمعهد بروكينغر عقدت عبر الإنترنت في 17 حزيران (يونيو)، وأدارها بروس ريدل، الزميل الأقدم في مركز الأبحاث المعروف.
على عكس الأطروحة القائلة إن كارتر وافق على عقد سلام إسرائيلي منفصل مع مصر، وبالتالي تخلى عن القضية الفلسطينية، يكشف بحث بيرد أن بيغن وافق على منح “نوع من الحكم الذاتي” للفلسطينيين، إضافة إلى تجميد بناء مستوطنات يهودية جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك، فإن زعيم الليكود “نكث بالوعد وتراجع عما كان قد وافق عليه في غضون أيام”.
يجادل بيرد، المؤلف لعدد لا يحصى من الدراسات التاريخية، بأن كارتر كان سابقًا لعصره في دعمه للفلسطينيين، وهي قضية يجري تبنيها اليوم على نطاق واسع في الولايات المتحدة، لكنها لقيت معارضة قوية –وما تزال- من إسرائيل واللوبي التابع لها (الذي لم يذكره بيرد، للأسف) في زمن كامب ديفيد.
أسهمت جهود كارتر في الضغط على إسرائيل للقدوم إلى طاولة التفاوض، التي نشأت جزئيًا من جذوره الدينية والرغبة المصاحبة لإحلال السلام في “الأرض المقدسة”، في هزيمته الانتخابية في العام 1980. وفي تلك الانتخابات، فاز كارتر بنسبة 45 في المائة فقط من الأصوات اليهودية المؤيدة تقليدياً للديمقراطيين، فيما كان انخفاضاً حاداً عن نسبة 71 في المائة التي كان قد حققها في الانتخابات السابقة في العام 1976.
وبعد ما يقرب من ثلاثة عقود من رئاسته، دعا كارتر إسرائيل مرة أخرى إلى التفاوض على حل دولتين في كتابه الذي صدر في العام 2006، “فلسطين: سلام وليس فصلاً عنصرياً”. واليوم، يتم الاعتراف بتصنيف بإسرائيل على نطاق واسع ودقيق كدولة فصل عنصري، لكن استخدام كارتر للمصطلح في العام 2006 تبين أنه كان “مثيراً للجدل بدرجة كبيرة”، بما في ذلك، كما أشار بيرد، اتهام الرئيس السابق المثقل بـ”تهمة غير عادلة بشكل فادح”، معاداة السامية. وروى بيرد كيف أن المستشار الرئيسي لكارتر لشؤون الشرق الأوسط والعديد من أمناء مركز كارتر استقالوا في ذلك الحين بسبب إصراره الجريء على إدراج مصطلح “الفصل العنصري” في عنوان الكتاب.
أصبح كارتر “ضحية للظروف التاريخية” في العام 1980، وسط أزمة الرهائن الإيرانية التي استمرت 444 يومًا، وكانت متجذرة بعمق في القوى التاريخية التي انطلقت، كما حدث، في عهد كارتر. وجادل بيرد بأن كارتر عارض في البداية منح ملاذ لشاه إيران على أساس الادعاءات الزائفة بأنه لا يمكنه تلقي علاجات السرطان إلا في الولايات المتحدة. وأثار ديفيد روكفيلر -الذي كان قد أعطى ملايين الدولارات للشاه في شكل قروض وأصبحت على المحك، إلى جانب هنري كيسنجر وآخرين- غضب كارتر، الذي “وافق أخيرًا” على القبول بقدوم الشاه رضا بهلوي. ووصل الشاه إلى الولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1979، وهو ما أدى إلى تأجيج غضب القوى الأصولية الشيعية التي وصلت في النهاية إلى السلطة من خلال الثورة الإيرانية.
وأعلن بيرد أن كارتر عارض في البداية أيضًا مهمة إنقاذ الرهائن الإيرانية المجهضة والكارثية في نيسان (أبريل) 1980. كان مستشار الأمن القومي آنذاك، زبيغنيو بريجنسكي، “قد ألح على كارتر لتنفيذ مهمة إنقاذ الرهائن بطائرة عمودية”، كما أكد بيرد، على الرغم من أنها لم تكن لعملية مخلب النسر “اليائسة” أي فرصة تقريبًا لنجاح، وكان من الممكن أن ينتج عنها “حمام دم” لو أن القوة الضاربة العسكرية وصلت إلى طهران بدلاً من إجهاض المهمة.
هذه السلسلة من الأحداث، إلى جانب القضايا الاقتصادية والغزو السوفياتي لأفغانستان في كانون الأول (ديسمبر) 1979، أضرت بشدة بموقف كارتر السياسي. ومع ذلك، كما أشار بيرد، لضمان انتخاب رونالد ريغان، سافر مدير حملته ومدير وكالة المخابرات المركزية لاحقًا، ويليام كيسي، سراً إلى مدريد، إسبانيا، للقاء ممثلين عن آية الله روح الله الخميني لاستباق “مفاجأة في تشرين الأول (أكتوبر)”، وهو سيناريو كان ليجعل كارتر ينجح في التفاوض بشأن الإفراج عن 52 رهينة أميركيًا، وفي الوقت نفسه تعزيز موقفه السياسي قبل الانتخابات. ولكن، مع الوعد بتقديم دعم عسكري أميركي لإيران في الصراع الذي اندلع مع العراق، أعطى كيسي “الضوء الأخضر للإيرانيين لعدم عقد صفقة” بشأن إطلاق سراح الرهائن، فيما اعتبره بيرد “مثالًا شائنًا ومثيراً للحفيظة على الدبلوماسية المستقلة التي تقوض السياسة الخارجية الأميركية”.
في نهاية المطاف، تم إطلاق سراح الرهائن في اليوم الذي تولى فيه ريغان منصبه في 20 كانون الثاني (يناير) 1981. وأضاف بيرد أن مهمة كيسي السرية الحزبية “زرعت بذور” فضيحة “إيران-كونترا”، التي ظهرت على السطح فيما بعد في العام 1986.
تمتد رؤى بيرد حول رئاسة كارتر إلى ما هو أبعد من سياسة الشرق الأوسط، ويغلب أنها ستجعل من قراءة كتابه “الخارج: الرئاسة غير المنتهية لجيمي كارتر” The Outlier: The Unfinished Presidency of Jimmy Carter عملاً ضرورياً وأساسياً. ومن الواضح أن بيرد معجب بموضوعه، ويتوقع أنه بمرور الوقت، ومع ظهور المزيد من الأدلة من المصادر التي استخرجها، لا سيما مذكرات كارتر ويومياته الوفيرة، فإن الرئيس التاسع والثلاثين سيرتقي من مكانته المنخفضة نسبيًا إلى مرتبة أعلى من الكفاءة الرئاسية الشاملة. وعلى أي حال، جادل بيرد بأن كارتر “ربما كان الرئيس الأكثر ذكاءً والمقروء أكثر ما يكون في القرن العشرين، الذي كان، بالطبع، الأكثر لياقة”.

الغد