لم يكن من المفاجئ أن تشيد إيران باستعراض القوة الذي قام به فلاديمير بوتين في سوريا. فقد وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية بأنه “خطوة إلى الأمام في مجال مكافحة الإرهاب وحل الأزمة المستمرة في المنطقة”. وقد بلغ الحد بالسياسي المحنك والرئيس السابق لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني محسن رضائي، إلى القول بأن ضلوع موسكو يمكن أن يشمل المسرح العراقي أيضاً. وفي حين أُرسلت روسيا طائراتها من نوع “سوخوي” بدعوى محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو «الدولة الإسلامية»، إلاّ أن هذه الطائرات تحلّق فوق سماء سوريا بعد أن كان نظام بشار الأسد قد عانى سلسلة من النكسات العسكرية. وفي أعقاب قيام طهران بدعم النظام السوري بشدة خلال أربع سنوات من الحرب، ليس هناك شك في أن إيران ترى أن التدخل هو شكل من أشكال تقاسم الأعباء.
وفي الواقع، إن الزيارات الأخيرة لموسكو التي قام بها كبار المسؤولين الإيرانيين تشير إلى درجة من التنسيق. ومن بين هؤلاء المسؤولين قائد «قوة القدس» قاسم سليماني في تموز/يوليو، وكبير الدبلوماسيين في الشرق الأوسط [ومساعد وزير الخارجية الإيراني] حسين أمير عبد اللهيان في أيلول/سبتمبر. واعتباراً من شباط/فبراير، سافر المستشار الدبلوماسي للمرشد الأعلى علي أكبر ولايتي إلى العاصمة الروسية، واجتمع مع الرئيس بوتين في لقاء وُصف بأنه محادثة استراتيجية. وفي الأسبوع الماضي، أعلن مسؤولون عسكريون عراقيون إنشاء خلية للتنسيق في بغداد للاتصال مع الكرملين ودمشق وطهران حول الشؤون الاستخباراتية والأمنية. وسوف تعمل الأصول الروسية [أي المعدات العسكرية والقوات] التي تم نشرها حديثاً على دعم قوات الأسد على الأرض، ولكنها قد تدعم أيضاً «حزب الله» – الذي يشكل مصدر قلق، يُرجح أنه قد أُثير من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو. وهناك الآن حديث عن تشكيل ائتلاف ثاني – يختلف عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي شُكل قبل عام لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية».
ولكن مع التحالفات تأتي سياسة التحالف، حيث أن الشركاء الأكثر تأثيراً هم أولئك القادرين والراغبين في المساهمة في القدرات الأساسية وتخصيص قوات للمشاركة في أخطر المهمات. فروسيا التي نشرت قواتها في الميدان، أرسلت أيضاً مجموعة من المروحيات الهجومية والقاذفات التي يمكن أن توفر الدعم لقوات الأسد المحاصرة في جميع أنحاء سوريا، ولكنها يحتمل أن تعيق عمليات القوات الجوية للدول الغربية والعربية [المشاركة في المهمات]. ومن الصعب جداً أن توفر إيران مثل هذا الإسهام حيث تملك عدد قليل جداً من الطائرات القديمة التي تم شراء معظمها في زمن الشاه. كما أنه ليس من الضروري أن تماثل هذا الإسهام، في الوقت الذي قام فيه الروس بنشر طائراتهم ويشاركون حالياً في العمليات العسكرية. ويتمثل الموقف العسكري الايراني بحالة من حرب دفاعية وغير متناظرة وليس وضع يعكس القدرة على استخدام القوة. وحتى الآن، نشرت طهران في الغالب قوات غير قتالية في سوريا – كمستشارين ومدربين ومرشدين، انخرطوا على جميع مستويات آلة حرب الأسد – في حين أن عناصر «حزب الله» والميليشيات الأخرى التي تدعمها إيران هم الذين شاركوا في معظم العمليات القتالية.
كما أن روسيا هي في وضع أفضل للاستفادة من دورها العسكري على الساحة الدبلوماسية، كما تبيّن من اجتماع بوتين المطوّل مع الرئيس أوباما في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الأول من نوعه منذ بضع سنوات. وفي حين لا تزال إيران تُظهر موقف متحدي تجاه واشنطن وتتورط في مواجهة إقليمية مع المملكة العربية السعودية، أظهرت روسيا استعدادها للانخراط مع دول غربية وإقليمية حول الأوضاع في سوريا (وإن كان ذلك دون جدوى حتى الآن). وعلاوة على ذلك، قضى العديد من الضباط البعثيين العلمانيين – الذين يشكلون العمود الفقري للنظام السوري – الكثير من تدريباتهم المبكرة في الاتحاد السوفياتي (وكثيراً ما تزوجوا من نساء [روسيات])، لذلك فإنهم قد يفضلون مؤيديهم الروس على مناصريهم المرهقين من الجمهورية الإسلامية. وبالتالي، فمع كل الثناء (والارتياح) الذي ولّده التدخل في طهران، فإن وجود روسيا في سوريا (وإلى حد أقل في العراق) يشكل تحدياً لنفوذ إيران – سواء حول سير الحرب أو بشأن التوصل إلى تسوية نهائية، عندما قد تختلف المصالح الروسية والإيرانية.
أوليفييه دوكنتييه
معهد واشنطن