تشكّلت، أخيرا، حكومة لبنانية جديدة، وصار ممكنا، نظريا على الأقل، أن تجد المنظومة الدولية جهة تنفيذية يمكن مخاطبتها وذلك بعد أن فقدت حكومة حسان دياب مصداقيتها، وقامت بالاستقالة، بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس من العام الماضي.
واجه تشكيل الحكومة الأخيرة سعي محموم لاستعادة سيناريو امتلاك طرف محدد ثلثا معطلا يمكّن من تعطيلها، أي أن الهمّ الأساسي لأقطاب السياسة اللبنانية، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون، ولمدة 13 شهرا مضت، كان امتلاك مستقبل الحكومة لتحديد من سيرث المناصب، وبالتالي الغنائم، عبر التحكم بسير الانتخابات النيابية المقبلة في أيار/مايو المقبل، وبالارتباط مع الرغبة في تحديد من سيكون رئيس الجمهورية المقبل، أي أن الأطراف السياسيين الفاعلين كانوا يتصارعون، عمليا، على مستقبلهم هم، وليس على المستقبل الذي يطمح إليه اللبنانيون.
من الطبيعي، في أي بلد في العالم، أن تنهمك النخب السياسية في الصراع على إدارة الحكم، وتقاسم المناصب، وتوزيع المسؤوليات، وأن تتعرّض البلاد لأزمات سياسية بسبب تلك الخلافات، لكن المشكلة في صراعات النخبة السياسية اللبنانية أنها كانت في انفصال، وتناقض فادح، مع أوضاع اللبنانيين، وأن ذلك الصراع الذي تغطّى بمصالح الطوائف التي ينتمي إليها المتقاتلون، كان صراعا يستخفّ بمصائر اللبنانيين الذين تردّت أحوالهم إلى درجة كارثية.
لقد نجحت تلك النخبة السياسية البائسة في تخريب بلد، لم تستطع الحرب الأهلية، أو الاجتياحات الإسرائيلية، أو الكوارث الطبيعية، أو تداعيات أزمات البلدان المجاورة، أن تخرّبه، وقد قدّر البنك الدولي أن ما حصل في لبنان تجاوز إفلاس اليونان عام 2008، والأزمة الاقتصادية الكبرى في الأرجنتين عام 2001، وبدل الإحساس بالعار من هذه النتائج، وخصوصا بعد حادثة انفجار المرفأ التي خلفت أكثر من 200 قتيل و6500 جريح ودمار أحياء كاملة من المدينة، فقد تابع الساسة اللبنانيون الفاعلون مسيرتهم في مفاقمة الأزمة السياسية وتعميق الانهيار الاقتصادي العام.
من المثير للسخرية أن الفاعلين السياسيين اللبنانيين لم يصلوا إلى هذه التسوية بأنفسهم، وأن ضغوطا هائلة مورست عليهم من أطراف دولية وعربية، وأنهم كانوا ربما سيستمرون في هذا السباق الفظيع نحو الهاوية، وأن تلك الأطراف الدولية والعربية هي التي تحاول تقديم حلول اقتصادية عاجلة أيضا، لكن الأزمة من الشدة بحيث أن تلك الحلول لن تستطيع صنع معجزات، فالغاز المصري الموعود لن يصل قبل ثلاثة أشهر، وسفينة الوقود الإيرانية لن تغطي سوى نحو ثلاثة أيام من احتياجات البلاد.
ترسم مجمل التقارير المنفذة عن لبنان عن مستقبل قاتم للبلاد، فبعض الخبراء يقدرون حاجة البلاد لقرابة 19 عاما للتعافي، فيما يرى موجز «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» أن اللبنانيين يتعرضون لفقر متعدد الأبعاد يشمل الحرمان من الخدمات الصحية والتعليم والعمل والمسكن والأصول والممتلكات، وترصد هذه التقارير ارتفاعا هائلا في نسبة الفقر، وترسم صورة سوداء لمستقبل اللبنانيين من كل النواحي، وخصوصا بالعلاقة مع امتناع التحالف السياسي الحاكم عن أخذ خطوات عملية للتخفيف من وطأة الأوضاع المتدهورة على المواطنين.
القدس العربي