حلف «سليمانى ــ بوتين» وصدمة واشنطن

حلف «سليمانى ــ بوتين» وصدمة واشنطن

a1465e35-5065-4532-8409-00b0f79d9f52_16x9_600x338

انتظر محور طهران وموسكو حتى يتم التوقيع النهائى على الاتفاق النووى بين إيران والدول الست الكبرى، وانتظر كذلك انتهاء المدة المحددة أمام الكونجرس الأمريكى لعرقلته، قبل أن يبدأ استراتيجيته الهجومية فى سوريا. وبالطبع كانت روسيا إحدى الدول الست الموقعة على الاتفاق النووى والذى بمقتضاه يتم رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير أسلحة نووية، وخضوع منشآتها النووية للرقابة الدولية، وتضمن الاتفاق كذلك إشراف روسيا على تأمين الوقود النووى الإيرانى.

•••

لروسيا أهدافها الخاصة من التدخل العسكرى عن طريق هجماتها الجوية فى سوريا. فأولا هى تحمى أحد حلفائها الدوليين مع تزايد عزلتها الدولية عقب الأزمة الأوكرانية والتى نتج عنها عقوبات غربية قاسية ومكلفة أثرت سلبا على الداخل الروسى وأضرت بعملتها الروبيل، وبالأوضاع الاقتصادية مجملة. وبالتدخل الروسى أصبح فلاديمير بوتين لاعبا محوريا فى أزمة اعتقدت واشنطن وعواصم غربية وخليجية أن موسكو بعيدة عنها. وتدخلت موسكو كذلك حماية لتواجدها البحرى العسكرى الذى يرتكز أساسا على قاعدة بحرية واسعة فى ميناء طرطوس السورى، وهذا الميناء يعد موطئ القدم الوحيد لروسيا فى البحر المتوسط. كذلك وبعد خسارة روسيا لأسواق سلاح تقليدية مهمة مثل العراق وليبيا، أصبح الحفاظ على سوق مهمة للسلاح مثل سوريا مصلحة مهمة لشركات السلاح الروسية التى تريد أن تواكب مبيعات السلاح الغربية لدول الخليج والتى تخطت حاجز المائة مليار دولار عقب توقيع الاتفاق النووى مع إيران. وتهدف أيضا روسيا لتعميق التعاون العسكرى مع إيران والتى بدأت فى تحديث ترسانتها من الأسلحة التقليدية المتقدمة عقب توقيع الاتفاق النووى، وينتظر أن تعقد صفقات كبرى مع بدء تلقى طهران ودائعها المحتجزة بالغرب والتى تتجاوز مائة مليار دولار. وتمثل الهجمات الجوية الروسية فرصة لموسكو لاستعراض أحدث ما تنتجه مصانعها العسكرية فى أرض معركة حقيقية.

•••

ولإيران كذلك مصالح حقيقية داخل سوريا تبتعد كثيرا عن القرب الأيديولوجى كما يعتقد كثيرون، فالنظام السورى هو علمانى مستبد صرف يواجه قوى إسلامية وليبرالية مختلفة تسعى للتغيير، أما نظام طهران فهو نظام ثيوقراطى براجماتى تحركه مصالح إيرانية تبدو مستقرة منذ سنوات. ومنذ نجاح الثورة الايرانية عام 1979 ومناصبة العديد من القوى الإقليمية والدولية العداء لها، بقى النظام السورى استثناء. ووقفت سوريا مع إيران خلال حربها الطويلة مع العراق. أما اليوم فالموقف الايرانى فى سوريا يتيح لطهران تواجد مباشر على الحدود الإسرائيلية. كما يتيح لها توفير دعم مباشر لحزب الله الشيعى بلبنان، كما أتاح لها تقديم دعم كبير لتنظيم حماس فى الماضى. ويتيح هذا كله لطهران أن تلعب دورا كبيرا فى ملفات سلام الشرق الأوسط سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ويزيد ذلك كله من قوة المفاوض الإيرانى فى قضايا مختلفة، ويرتبط التواجد الإيرانى داخل سوريا بتواجد نظام بشار الأسد. ويلعب قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى اللواء قاسم سليمانى الدور الأكبر فى رسم وتنفيذ الاستراتيجية الإيرانية سواء فى العراق أو سوريا. ورأيناه فى العراق يتجول مرتديا زيه العسكرى فى وقت لا تنكر حكومة بغداد الدور الإيرانى الكبير فى تدريب وتسليح قواتها المسلحة فى حربها ضد تنظيم الدولة. ويدعم اللواء سليمانى قربه الشديد من المرشد الإيرانى آية الله على خامنئى. وحتى الآن يعتبر اللواء قاسم سليمانى هو القائد العملياتى لإيران داخل سوريا، ويمثل له بشار الأسد خطا أحمر فى أى تسوية سياسية. وأشارت كثير من التقارير الإخبارية إلى تردد سليمانى على موسكو عدة مرات مبعوثا عن المرشد خامنئى لبحث تدخل روسى إيرانى مباشر فى سوريا للقضاء على معارضى النظام.

•••

أدرك الرئيس بوتين واللواء سليمانى حدود التدخل الأمريكى فى الأزمة السورية، واكتملت قناعتهما أن إدارة الرئيس باراك أوباما ليست جدية فى محاربة تنظيم الدولة سواء فى العراق أو فى سوريا. وبعد مرور أكثر من عام على سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل، ورغم تشكيل تحالف أمريكى مع أكثر من أربعين دولة لمواجهة تنظيم الدولة، يبقى التنظيم مستقرا ومتواجدا على أراضى يقطن بها أكثر من خمسة ملايين نسمة. ويرتبط بالهجمات الروسية تقارير عن وصول مئات الجنود الايرانيين إلى سوريا للانضمام إلى هجوم برى كبير لدعم حكومة الرئيس بشار الأسد فى مؤشر آخر على تصميم بوتين وسليمانى على حسم دعمهما لنظام بشار الأسد. فى الوقت نفسه تعج واشنطن بنقاش عقيم حول كيفية التعامل الأمريكى مع الأزمة السورية. وبعد أربع سنوات على بدء الثورة السورية لا تعرف واشنطن الاتفاق على سياسة أو استراتيجية واضحة ومحددة تجاه تطورات الأوضاع هناك. وبالطبع سوريا ليست استثناء فيما يتعلق بالانقسام الأمريكى، إلا أن تجربة الانقسام الحالية يغيب معها وجود مصالح حيوية أو أهداف واضحة متفق عليها بين صانعى القرار الأمريكى.

•••

وفى الوقت الذى لا تعلم واشنطن ماذا تريد، اختار بوتين وسليمانى حليفا واحدا هو نظام الأسد، واختاروا كذلك أعداء واضحين هم تنظيم الدولة وغيرها من الميليشيات، سواء الإسلامية مثل جبهة النصرة وأحرار الشام، أو غير الإسلامية مثل الجيش الحر. وصدمت واشنطن من فجائية التدخل الروسى، ودعا المرشح الجمهورى دونالد ترامب أخيرا إلى قلب استراتيجية أمريكا ضد تنظيم داعش رأسا على عقب وليتركوا الوضع فى يد الروس. فى حين تذكر هيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية أن إزاحة الرئيس السورى بشار الأسد له الأولوية فى سوريا. أما إدارة أوباما فقد أعلنت أنها بصدد دراسة إمكانية زيادة الدعم المقدم لمسلحى المعارضة «المعتدلة» فى سوريا بما يشمل السلاح وتدريبهم على القتال!

  محمد المنشاوي

صحيفة الشروق المصرية